إذاعة صوت العرب.. كيف كانت البداية من القاهرة؟
ثقافة أول اثنين:
افتتحت إذاعة صوت العرب في 4 يوليو عام 1953، وكانت من أول وأشهر الإذاعات المصرية التي بثت لجميع أقطار العالم العربي باللغة العربية والحكاية من بدايتها يذكرها الكاتب سعيد الشحات في “ذات يوم” حيث دعا فتحى الديب كلا من صالح جودت مراقب البرامج الثقافية فى الإذاعة، والمذيع أحمد سعيد للذهاب معه إلى مبنى مجلس الثورة بالجزيرة للقاء بعض أعضائه، بعد ظهر 15 يونيو 1953، لمناقشة ما تم إنجازه لإطلاق برنامج «صوت العرب»، حسبما يذكر أحمد سعيد فى مذكراته.
كان “الديب” مكلفا من جمال عبدالناصر بتنفيذ برنامج “صوت العرب” ولم يكن عبد الناصر رئيسا بعد، ثم اختار “الديب” له صالح جودت وأحمد سعيد، وبعد فترة قصيرة من بدايته استغنى عن “جودت”، وأصبح “سعيد” رئيسا للبرنامج ونجمه حتى أصبح إذاعة “صوت العرب”.
يكشف «سعيد» فى مذكراته خطوات إعداد «صوت العرب»، من بينها عقد لقاءات مع مفكرين وعلماء وشيوخ وكتاب وأساتذة جامعات، للاستفادة منهم والحصول على دراسات فى مجال اللغة العربية والتاريخ وعلم النفس والاجتماع وغيرها، ويذكر تفاصيل اللقاء مع زكريا محيى الدين رئيس المخابرات، وجمال عبدالناصر يوم 15 يونيو 1953.
يتذكر «سعيد» أن عبدالناصر دخل عليهم بعد عشرين دقيقة من بداية اللقاء، وقدم التحية وعبارات المجاملة، ثم تحدث عن «صوت العرب»، قائلا: «أنا متابع نشاطكم فى الإعداد للبرنامج، ومقدر جهودكم فى جمع المعلومات، وعارف إن العملية معقدة زى الإعداد لحملة عسكرية، خاصة إن عملكم مع عقول ونفوس وظروف ناس مختلفة المصالح والمدارك كمان، وده اللى مخلينى أصبر عشان البرنامج يبتدى قوى وناجح من أول يوم، وكان موقف عظيم يا أستاذ صالح وأنت شاعر كبير لك فى اللغة كتير إنك تشجع أحمد سعيد على سؤال الشيخ أحمد حسن الباقورى «وزير الأوقاف»، والشيخ محمود شلتوت «أصبح شيخا للأزهر عام 1958»، والأبحاث اللى طلبتوها من الجامعة العربية وبعض الأساتذة والكتاب، كل ده طمنى بس الأحداث ضاغطة علينا، وإحنا كمان بنضغط عليها خصوصا بعد توقيع اتفاقية السودان فى 12 فبراير، وتركيزنا بعدها على الجلاء عن مصر، وده من أهم أهداف الثورة، لكن الجماعة فى لندن لهم رأى تانى والأمريكان معاهم عشان البترول وإسرائيل ولو أنهم بيدعوا الحياد فى الظاهر، المهم احنا داخلين على أيام نحتاج فيها للبرنامج بتاعكم، فيه مذكرة لتشرشل «رئيس وزراء بريطانيا» وقع نصها فى إيدينا ما تطمنش، وفيه احتمال تصعيد مواقف بمنطقة القناة زى سنة 1951 اللى عشتها يا أحمد، أظن واجبكم إنكم تبتدوا فى أقرب فرصة ممكنة، أنا عايز البرنامج ده أحد أسلحة الثورة فى تحقيق استقلال مصر والعرب، أنتم إيه اللى مأخركم؟”
رد فتحى الديب: «استكمال معلومات يا ريس»، فرد عبدالناصر: «وليه الاستكمال ما يتمش مع بدء العمل، ثم يا فتحى الاستكمال ده عملية مستمرة عمرها ما تقف يوم وإلا تجمد العمل، وبعدين أنا عايز أسمع بتوع الإذاعة، أمال أنا طلبتهم ليه معاك، أنت كان الله فى عونك»، رد جودت: “الحقيقة إحنا شبه جاهزين، بس قلنا لو نجهز أكثر يكون أفضل، وكان فى ذهننا إن بدء الإرسال يكون يوم 23 يوليو بمناسبة مرور سنة على الثورة”.
وجه عبدالناصر نظرة تأمل ثم اندفع قائلا فى عتاب وحسم: “يا أستاذ صالح الثوة داخلة على مفاوضات وصراعات، تفتكر من المصلحة تأخير استعمال سلاح الكلمة اللى اشتكى منها تشرشل وأعوانه وهى شوية تصريحات ومقالات، عشان احتفل ببدء برنامج إذاعة بعد أكتر من شهرين فى مناسبة مرور سنة على الثورة، أنا ما وافقت عليه عشان احتفال..لأ.. أنا وافقت عشان أشتغل به وأحارب كمان النهاردة قبل بكرة”.
وهنا اقترح أحمد سعيد “نقل البرنامج الثانى إلى محطة متوسطة فقط محدودة الاستماع بالقاهرة والمحافظات اللى حواليها دون موجة قصيرة لحين ميسرة” وعلق عبدالناصر: “ده حل ممتاز مؤقت والقاهرة عامة مركز المثقفين، بس بشرط تجينى بكرة ومش بعده مذكرة بطلب فتح اعتماد لشراء محطات إرسال قوية عشان برنامج صوت العرب وبرنامج المثقفين كمان”.