رامى سعيد يكتب: “طواويس بهاء طاهر لا تشيخ”

ثقافة أول اثنين:
أغلب الذين يقرأون أدب الروائي الكبير بهاء طاهر ينتابهم شعور حزن ناعم رقيق على مصائر شخصياته التي تتميز عادة بلطف إنساني كبير.. معظمهم لا يخرجون بسهولة من سطوة عوالمه التي تتسم ببساطة وعمق لا نهائيين، فقد كان طاهر يهمس بكل ما يقوله بهدوء أبوي حميم دون تشنج إرشادي وعظي زاعق.
ورث طاهر حب الحكايات منذ بداياته المبكرة عن والدته، التي كانت سيدة أميه، تجيد فن الحكي، إذ كانت كل عوالمها تدور عن القرية التي ولدت فيها وتركتها وهي دون السادسة عشرة.
يقول طاهر عنها: “لم تكن تقرأ أو تكتب لكنها كانت حينما تبدأ حكاية كنت أقعد اسمعها مشدودًا إليها، وأطالبها بأن تواصل الحكاية.. عاشت في وجدنها القرية إلى نهاية عمرها وكل قصصها كانت عنها”.
ربما من تلك النشأة التي كانت تتحدث فيها الأم عن قريتها البعيدة بحنين كبير إلى صغيرها، هي التي وضعت البذرة الأولي لكثير من الحكايات التي سيروها طاهر فيما بعد من منفاه البعيد بنفس الشجن ونفس تلك الروح الهادئة المحبة للإنسانية.
أول قصصه
قبل أن يدفع طاهر بأول قصصه “المظاهرة” إلى مجلة الكاتب، كان معروفًا في الوسط الثقافي لكثير من المثقفين باعتباره معد في البرنامج الثقافي إضافة إلى عمله كمخرج ومترجم وناقد.
على أي حال نشر طاهر قصته الأولي سنة 1964 لتجتذب وقتها أنظار عدد كبير من المثقفين، على رأسهم رائد القصة القصيرة “يوسف إدريس” الذي قدمه إلى القراء.
المظاهرة في ذلك الوقت كانت تعد خروجًا واضحًا على تقاليد كتابة الستينات لأنها لم تكن تحمل أي توصيف أو مواعظ، كما أن الراوي فيها كان محايدًا يقدم العالم برؤية خارجية تقتصر على تسجيل الأشياء دون تقيميها.
أول مجموعة قصصية
بعد تلك القصة بست سنوات نشر طاهر أول مجموعاته القصصية سنة 1972 “الخطوبة” متضمنة 9 نصوص دار أغلبها في فلك موضوعات فلسفية مختلفة.
الناقد الثقافي شعبان يوسف في كتابه “هكذا تحدث بهاء طاهر” يقول: “من الحيل الفنية التي يصيغها بهاء طاهر بمهاره في قصصه، أن يضع أبطاله في مآزق اجتماعية أو سياسية أو فكرية – ربما مآزق تتعلق أحيانا بالبحث عن جذور”.
صراع الغرب والشرق
بعد اثني عشر عامًا طرح طاهر مجموعته الثانية “بالأمس حلمت بك” وقد ظهر فيها بشكل واضح الصراع الغربي الشرقي، الذي سيتخذ بعد ذلك طريقه إلى اغلب أعماله.
ويعلق “شعبان” عن المجموعة قائلا:” في القصة الرئيسية نجد الأبطال المحاصرين بوضوح، المغترب العربي الذي يعيش في مدينة أوروبية، ويلتقي بواحدة من ذلك البلد، وعلى مدى القصة كلها، تحدث سلسة مواجهات ثقافية تنتهي إلى صدام لا مناص منه”.
الصراع “العربي الإسرائيلي”
في روايته الثالثة “الحب في المنفي” عاد طاهر إلي عالمه الأثير مرة أخري بصورة أكثر وضوحًا، إذ يجد صحفي ستيني نفسه منفيًا في إحدى البلاد الأوروبية يتابع منها ما يجري في عالمه العربي.
يقول شعبان:” استغرقت أحداث الرواية كثيرًا في الهجوم الغاشم للجيش الإسرائيلي على الجنوب اللبناني عام 1982″.
ويتابع: “في كل ما كتبه طاهر في الرواية كان بقلب دام، ونفسية مجروحة لكل ما حدث في الحرب البشعة، موضحا أنها لم تكن حربًا ضد الفلسطينيين واللبنانيين فحسب، بل لتدمير العرب جميعًا وإلى الأبد، الرواية عرضت في كتابة دامية الوضع الذي وصل إليه العرب في تلك الفترة بقلم يقطر دما”.