كيف أحب نفسي وأقدرها وأكف عن مقارنتها بالآخرين؟
إنَّ النقص في حب الإنسان لنفسه ينجم عنه كثير من التصرفات التي تؤذيه، كأن يضحي بنفسه وحريته وسعادته في سبيل الآخرين، أو أن يضع الآخر في مكانة الأولوية عنه، وفي هذا المقال سوف نعلمك كيف تحب نفسك وتقدرها، وتعطيها حقها من الاهتمام والتقدير، ومن ثم تتوقف عن التعامل معها بطريقة لا تليق بها وتمتنع عن مقارنتها بالآخرين، وهذه العادة التي قد تكون عداداً تنازلياً لتدمير ذاتك.
هل حب النفس يعني الأنانية؟
حب الذات والأنانية هما مفهومان شائعان غالباً ما يتم الخلط بينهما، وعلى الرغم من أنَّهما متشابهان في بعض النواحي، لكن توجد أيضاً بعض الاختلافات الهامة بينهما.
حب الذات هو الشعور بالرضى والقبول تجاه الذات، والإيمان بأنَّك شخص ذو قيمة، أما الأنانية فهي الاهتمام المفرط باحتياجات المرء أو اهتماماته الخاصة، وذلك على حساب الآخرين.
إنَّ الأنانية تعني أن تحب نفسك فقط، أما حب الذات فهو أن تحب نفسك أولاً ومن ثم تحب الآخرين، وإنَّه مفهوم يرشدك لتكون الشخص الأهم في حياتك لتستطيع توزيع الحب والاهتمام على الآخرين من حولك، وإنَّ حب الذات ليس أنانية؛ بل هو جزء أساسي من الصحة العقلية الجيدة.
شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من هوس مقارنة نفسك بالآخرين
كيف أحب ذاتي وأقدرها؟
يدَّعي الجميع بأنَّهم يحبون أنفسهم، ولكن تصرفاتهم تقول نقيض ذلك، فكيف تحب ذاتك؟
1. تقبُّل النفس أول خطوات حبها:
نعم، قبول الذات هو أول خطوات حبها، وقبول الذات يعني الاعتراف بنقاط قوتك وضعفك، وتقبل نفسك كما أنت، ويعني أن تكون على استعداد لرؤية نفسك بوضوح دون حكم أو إدانة، فعندما تقبل نفسك فأنت تسمح لنفسك بالشعور بالسعادة والرضى والراحة، وتفتح نفسك على الحب والنمو والنجاح، وتقبُّل الذات يعني تقبُّل عيوبها ونقاط ضعفها، وعدم اشتراط الحب لها بتحقيق شيء معين أو نجاح ما.
أن تحب نفسك يعني أن تحب وزنك وشكل جسدك وعيوبه، ولونك وأسلوبك، وأن تتصالح مع فشلك ومرضك، فأنت جدير بالحب لكونك إنساناً، وليس من الضروري أن تكون مثالياً لتنال الحب، ومعاقبة النفس هي من أكثر الأفعال التي تدل على عدم تقبل الذات، كحرمانها من الطعام أو اتباع نظام غذائي قاسٍ بسبب زيادة الوزن، أو الامتناع من الخروج مع الأصدقاء بسبب عدم إنجاز المهام التي كان من المفترض إتمامها، وتقبل الذات يعني أن تضع أكثر شخص تحبه في مكانك، وتتخيل كيف تخفف عنه وتطبطب عليه ثم تطبق هذه الخطوات مع نفسك.
قبول الذات هو عملية مستمرة، ولكنَّها عملية تستحق العناء، وكلما عملت على قبول نفسك أكثر، شعرت بالرضى والسعادة في حياتك، وكلما خف تأثير الآخرين السيئ فيك، نجحت في جعل نفسك محبوباً.
2. مسامحة النفس على أخطائها:
مسامحة النفس هي عملية معقدة تكون صعبة في البداية، ولكنَّها عملية ضرورية للصحة العقلية والعاطفية، وللوصول إلى حب النفس وتقديرها، فعندما تسامح نفسك على أخطائك، فأنت تتخلص بذلك من مشاعر العار والذنب التي تعدُّ من أكثر المشاعر تأثيراً سلبياً في صحتك النفسية، وهذا يجعلك في حال أفضل بكثير، ومسامحة النفس على أخطائها يعني فهم الخطأ وسبب قيامك به، وإيجاد المبررات لذلك دون أن ينفي هذا اعترافك بالخطأ وتقبلك لتحمل مسؤولية خطئك وإصلاحه، ومن ثم التعلُّم من الخطأ، فكل البشر خطاؤون ومعرضون للخطأ، ونحن لسنا ملائكة، لذا سامح نفسك على أخطائك، وبخاصة تلك التي حدثت في الماضي بسبب قلة الوعي ولم يعد هنالك جدوى من إصلاحها، وامتن لله على نعمة الوعي والتطور في الإدراك.
3. تعلم كيف تقول لا:
تعلُّم كيفية قول لا هي مهارة هامة تساعدك على الحفاظ على صحتك النفسية والتطور في حب نفسك، فعندما تتعلم كيفية قول لا، فأنت تضع حدوداً لنفسك واحتياجاتك، وتقول للآخرين إنَّك تستحق احترام وقتك وطاقتك واهتمامك، وتوجد عدة فوائد لتعلُّم كيفية قول لا، ومن ذلك:
- تحسين احترام الذات: عندما تتعلم كيفية قول لا، فأنت ترسل رسالة إلى نفسك بأنَّك تستحق أن تُعامل باحترام.
- تقليل التوتر: عندما تقول لا للأشياء التي لا تريد القيام بها، فيمكنك تقليل مستويات التوتر لديك.
- تحسين العلاقات: عندما تتعلم كيفية قول لا، فيمكنك إنشاء علاقات أكثر صحةً مع الآخرين.
- زيادة الإنتاجية: عندما تتعلم كيفية قول لا، فيمكنك التركيز على الأشياء الأكثر أهميةً بالنسبة إليك.
إليك بعض النصائح لمساعدتك على تعلم كيفية قول لا:
- ضع حدودك: ما هي الأشياء التي أنت على استعداد للقيام بها؟ وما هي الأشياء التي لست على استعداد للقيام بها؟ يصبح من السهل قول لا للأشياء التي تتجاوزها، وذلك عندما تعرف حدودك.
- كن مستعداً لرفض التبرير: عندما تقول لا قد يحاول الآخرون إقناعك بتغيير رأيك، لذا كن مستعداً لرفض التفسيرات والالتزام بقرارك.
- تعلم كيف تقول لا بلطف: أن تقول لا فهذا لا يعني أن تكون وقحاً أو عدوانياً، ويمكنك أن تكون لطيفاً ومباشراً في نفس الوقت، وتذكر أنَّه من الطبيعي أن تقول لا، وليس عليك أن تشعر بالذنب عندما تضع حدوداً لنفسك، وهذا من أهم خطوات حب النفس وتقديرها، فجهدك أثمن من تقديم الخدمات المجانية للآخرين، وراحتك أهم من القيام بأشياء متعبة بالنسبة إليك.
4. الحفاظ على الحدود في التعامل مع الآخرين:
الحفاظ على الحدود في التعامل مع الآخرين هو مهارة هامة من مهارات حب النفس وتقديرها، فعندما تحافظ على الحدود الخاصة بك وتمنع الآخرين من انتهاكها، فأنت تحدد ما هو مقبول بالنسبة إليك وما هو غير مقبول، وعندما تضع حدوداً للآخرين في التعامل معك، فاحرص على أن تكون حدودك واضحة بالنسبة إليك، ومن ثم وضحها بالنسبة إلى الآخرين، ولا داعي لأن تفعل ذلك بحدة وعنف إن استطعت القيام به بهدوء ولطف، وإذا تجاوز شخص ما حدودك، فدافع عنها وكن مستعداً لقول لا والتزام بقرارك.
فيما يأتي أهم الحدود التي يجب أن ترسمها في تعاملك مع الآخرين:
- الحدود الجسدية: هذه الحدود تتعلق بجسدك ومساحتك الشخصية، وعلى سبيل المثال قد ترغب في وضع حدود بشأن من يمكنه لمسك، والطريقة التي تعدُّ بها اللمسة آمنة.
- الحدود العاطفية: هذه الحدود تتعلق بمشاعرك وأفكارك، وعلى سبيل المثال قد ترغب في وضع حدود بشأن ما تشعر بالراحة والرغبة في مشاركته مع الآخرين، وما عدا ذلك يفضل عدم التحدث به.
- الحدود السلوكية: تتعلق هذه الحدود بسلوك الآخرين تجاهك، وطريقتهم في القول والفعل، على سبيل المثال قد ترغب في وضع الحدود بشأن ما تراه سلوكاً مقبولاً وغير مقبول بالنسبة إليك، كأن لا تسمح لزملائك في العمل الاتصال بك في وقت متأخر مثلاً، فمن الهام أن تكون مرناً بشأن حدودك، وقد تحتاج إلى تعديلها بناءً على العلاقة مع الشخص الآخر والموقف.
كيف أتوقف عن مقارنة نفسي مع الآخرين؟
المقارنة هي سمة بشرية طبيعية، ولكن تكون أيضاً مدمرة للثقة بالنفس والسعادة، والأصح من مقارنة النفس بالآخر هي مقارنة النفس اليوم بها في الأمس، وملاحظة كم التطور والإنجاز الذي أحرزته، فلكل شخص ظروفه وقدراته، وفي كثير من الأحيان تكون المقارنات ظالمة.
فيما يأتي بعض النصائح لمساعدتك على التوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين:
- ركِّز على نفسك: ركز على نقاط قوتك وإنجازاتك بدلاً من مقارنة نفسك بالآخرين: ما الذي تحبه في نفسك؟ ما الذي تجيده؟ عندما تركز على نفسك، ستشعر بمزيد من الثقة والرضى.
- تذكَّر أنَّ الجميع مختلفون، وأنَّ كل شخص لديه نقاط قوته وضعفه الخاصة، فلا يوجد شخصان متشابهان تماماً، وعندما تتذكر أنَّ الجميع مختلفون ستصبح أقل ميلاً للمقارنة.
- قارن نفسك بنفسك في الماضي: قارن نفسك بنفسك في الماضي بدلاً من مقارنة نفسك بالآخرين، كيف تحسنت؟ ما الذي حققته؟ ستشعر بمزيد من الثقة والرضى، وذلك عندما تركز على تقدمك.
- اقضِ وقتاً مع أشخاص داعمين: الأشخاص الداعمون سيجعلونك تشعر بالرضى عن نفسك، فعندما تحيط نفسك بأشخاص داعمين، سيكون من الأسهل عليك تجنب المقارنة.
- تجنَّب وسائل التواصل الاجتماعي: وسائل التواصل الاجتماعي تجعل من السهل مقارنة نفسك بالآخرين، وعندما تتجنب وسائل التواصل الاجتماعي ستصبح أقل عرضة للشعور بالغيرة أو الإحباط.
- اطلب المساعدة المهنية: إذا كنت تكافح للتوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين، فقد يكون من المفيد طلب المساعدة المهنية من المختصين، لذا يمكن للمعالج مساعدتك على فهم سبب مقارنة نفسك بالآخرين، وتطوير استراتيجيات لوقف ذلك.
إنَّ التوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين يتطلب وقتاً وجهداً، ولكن النتيجة تستحق ذلك، وعندما تتوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين ستصبح أكثر ثقة وسعادة، وسيزداد حبك لنفسك وتقديرك لها، ومن ثم تعيش حياتك بصحة نفسية وعقلية سليمة.
في الختام:
ليس من السهل أن نحب أنفسنا ونقدرها، وبخاصة إذا كانت نشأتنا في بيئة محبطة وغير سوية، ولكن الأمر ليس مستحيلاً، فعندما تحب نفسك وتقدرها وتتوقف عن مقارنتها بالآخرين ستشعر أنَّ الحياة أصبحت ألطف بكثير معك، وأنَّ الآخرين باتوا يتعاملون معك باحترام ولطف، وأنَّك لم تعد تكترث لكثير من الأشياء التي قد كانت تزعجك، فسلامك الداخلي هو الأثمن بالنسبة إليك.