نماذج من المستشرقين المنصرين (1)
التراجم: نماذج من المستشرقين المنصِّرين (1)
المدخل:
في محاولة التعرف على المنصِّرين من المستشرقين يجد المرء صعوبةً في التأكد من نشاط المستشرق التنصيري، إلا ما جاء صراحة في ترجماتهم، أو دلت عليه نشاطاتهم، إذا ما كانوا من المستشرقين الرحَّالة الذين جابوا البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، فكانت لهم إسهامات تنصيرية سطرتها أقلام من عاصروهم من المسلمين وغيرهم، أو من كتبوا عنهم من المتابعين.
كما يجد المرء صعوبة في الوصول إلى تراجم المستشرقين التي تحلل نشاطاتهم وتبين أهدافهم ومواقفهم الواضحة من الإسلام والمسلمين في شتى المجالات، بما فيها مجالات التنصير.
ومعظم التراجم الواردة في هذه النماذج إنما هي عالة على كتاب “نجيب العقيقي” المستشرقون، الذي يعد بحق ثروة نافعة خلفها المؤلف للمكتبة العربية، ولا نكاد – حسب علمي – نجد هذا العدد الكبير من المستشرقين في كتاب واحد مثل كتاب المستشرقون، ولا أظن أن كاتبًا أو مؤلفًا كتب أو سيكتب عن الاستشراق والمستشرقين لم يرجع إليه، بل ربما أخذ على من لا يرجع إلى “العقيقي” ممن يكتب عن هذا الموضوع؛ولذا فإنه من الواضح أن يكثر ترديد هذا المرجع في ثنايا القسم الثاني من هذه المحاولة، حتى إني فكرت في تضمين العنوان إشارة إلى المرجع الأول في الترجمات، كأن أقول مع نماذج من المستشرقين المنصِّرين من خلال كتاب المستشرقون “لنجيب العقيقي”،ولا أرى في هذا أي غضاضة، لا سيما إذا ما أدركنا افتقار المكتبة العربية لموسوعة شاملة مثل هذا الكتاب، مع عدم إغفال بعض المحاولات التي تسعى إلى سد النقص وإكمال المشروع، مثل العمل الموسوعي الذي يقوم به “عبدالرحمن بدوي” بعنوان: موسوعة المستشرقين في طبعته الثالثة التي وصلت صفحاتها إلى ستمائة وأربعين (640) صفحة، وينتظر لها النمو المطرد – بإذن الله – لما فيها من الفائدة الواضحة، ولما يتمتع به المؤلف “عبدالرحمن بدوي” من تأصيل ونظرات تقويمية لم تتسم بها موسوعة “العقيقي” الذي صنف نفسه من المستشرقين، لا سيما المارونيون منهم.
وآمل ألا يكون في كثرة ترداد هذا المرجع الأخير إزعاج للقارئ، كما آمل ألا يعد هذا نقلًا مباشرًا من المرجع؛ إذ إنه لا يُعَدُّ عندي كتابًا عاديًّا يكرر من ينقل منه أفكاره نفسها، بل إنه كتاب مرجعي ينطلق منه كل من يريد البحث في الاستشراق والمستشرقين، فيصل إلى غرضه من الرجوع إليه.
ومع هذا فقد تعمدت التنويع في المراجع ما أمكنني ذلك، دون التكلف الذي قد يقود إلى مراجع تالية استقت بعض معلوماتها من هذا المرجع الأساس أو ذاك،ولست أغفل هنا رغبتي في تنويع المراجع والبحث في كتب الاستشراق ومصادره عن معلومات “أخرى” لم تذكرها هاتان الموسوعتان.
وكان من منهجي في سرد التراجم أن أذكر الاسم الأخير من المستشرق، ثم أذكر إشارة إلى اسمه الأول أو ذكره كاملًا، ثم أذكر سنة ولادته، إن وجدت، وسنة وفاته، إن وجدت، أو أذكر القرن الذي عاش فيه من خلال تتبعي لآثاره وسِنِي نشرها،ثم أحرص على ذكر موطنه، وربما أشرت إليه بعبارة لا توحي بالجزم، ثم أبين انتماءه الطائفي، ما توافر لي ذلك،وأسعى إلى التعرف على أنشطته ذات العلاقة بالتنصير، ثم أذكر آثاره المباشرة في التنصير، ثم غير المباشرة، مغفلًا آثاره الأخرى رغم أهميتها؛ لأني أفضل الإيجاز، وعدم تكرار ما ذكره من أنقل عنهم، وأكتفي بالإحالة إليهم،وإذا لم أجد للمستشرق آثارًا مباشرة في التنصير أو غير مباشرة، ولكنها مساعدة أو مساندة، نصصت على ذلك، مثل الكتابات عن النصرانية بأي شكل من أشكال المعالجة.
وكانت أدوات تعرفي على المستشرقين المنصِّرين تنحصر في المراجع التي كتبت عنهم، فأسجل الاسم من هذه المراجع، ثم أترجم له من الموسوعتين، مركزًا على موسوعة “العقيقي”؛ لشموليتها، ثم إنه كان لا بد لي أن أضع افتراضات أستشف من خلالها من كانت لهم إسهامات تنصيرية من المستشرقين، فافترضت أن كل من كانت له علاقة “مهنية” مباشرة مع الكنيسة فهو منصِّر من وجه من الوجوه، ويتضح هذا بجلاء مع أولئك الذين تسنَّموا مناصب كنسية دينية؛ كالأب والقديس والأسقف والمطران والبطريرك،ولا يستقيم عندي أن يعمل أي شخص في خدمة الكنيسة خدمة دينية دون أن يكون من مهماته نشر تعاليم الكنيسة على أتباعها وغير أتباعها، وهذا مفهوم من مفهومات التنصير.
وكان لا بد لي أيضًا من أن أتعامل مع التنصير في مفهومه الأشمل الذي يتضمن الدعوة إلى الكنيسة بين الأتباع وغير الأتباع،وهذا يعني لي أنه ليس بالضرورة أن يكون المستشرق منصرًا في الشرق، بل إني ربما أدرجت مستشرقين منصرين من الداخل؛ أي من داخل الكنيسة نفسها،وإذا ذُكرت الكنيسة في هذا السياق قُصد بها الطائفة، التي يستدعي المقام التعريف الموجز بها في الهامش عندما ترد للمرة الأولى.
ومن الأدوات التي تعرفت من خلالها على المستشرقين المنصِّرين تلك الآثار التي خلفوها، فكلما كتب المستشرق عن موضوعات نصرانية عُد عندي داخلًا في هذا المفهوم، حتى أولئك الذين خاضوا في قضايا نصرانية بحتة، إلا أني نظرت إليهم في أعمالهم هذه على أنها امتداد للنشاط التنصيري بمفهومه الأشمل.
وقد تبيَّن لي بالتجربة المحدودة المعدودة أن مثل هذه الأعمال لا تقف عند حد؛ فالذي يفوت الباحث أكثر مما يعثر عليه في هذا المجال، والذي يستجدُّ بعد ذلك أكثر من ذلك، وهكذا كان لزامًا عليَّ أن أؤكد على أن ما ورد من أعلام للمستشرقين المنصِّرين إنما هي نماذج لهذه الظاهرة المتمثلة في التزاوج بين الاستشراق والتنصير، كان الهدف منها التأكيد على الدافع الديني، والهدف الديني، من ظاهرة الاستشراق، على أنه أحد الدوافع والأهداف، ولم يكن بالضرورة هو الدافع والهدف الأوحد؛ ذلك أن هناك أهدافًا أخرى مبسوطة في الأعمال التحليلية للاستشراق، ولها رجالها من المستشرقين؛ كالهدف الاستعماري، والتجاري الاقتصادي، والسياسي، والعلمي النزيه، والعلمي غير النزيه.
وربما دعا هذا إلى البحث في هذه الأهداف الأخرى، والبحث أيضًا في أولئك المستشرقين الذين كانت لهم إسهامات واضحة فيها، مما يعني القيام بسلسلة من الدراسات المماثلة لهذه الدراسة، مما قد يُعد خطوات أولية نحو عمل موسوعي متخصص في دراسة ظاهرة الاستشراق في شتى وجهاتها، رغبة في وضع هذه الظاهرة في موضعها الذي يناسبها في دراسة المتغيرات التي تعرضت لها الثقافة الإسلامية على مرِّ العصور.
وهذا جهد يحتاج إلى العزيمة التي يمكن أن تتمثل في الأعمال المشتركة التي تتضافر فيها جهود الباحثين والدارسين، ويكون هناك تعاون في التأليف حول هذه الموضوعات المتشعبة والمتداخلة مع موضوعات أخرى هي ظواهر مرت على ما يسمى بالعالم النامي، أو العالم الثالث؛فالتزاوج القائم بين الاستشراق والتنصير يقابله تزاوج قام بين الاستشراق والاستعمار من جهة، وبين التنصير والاستعمار من ناحية أخرى، وكما يقوم بين السياسة والاستشراق من جهة، نراه قويًّا بين السياسة والتنصير من ناحية أخرى.
وهكذا نجد أنفسنا أمام مجموعة من التيارات التي توجه إلى عالمنا، تختلف في أغراضها وتتفق على الوصول إلى إضعاف هذا العالم لتحقيق تلك الأغراض المختلفة؛ إذ إنه مع قوة العالم الثالث ماديًّا ومعنويًّا لن تتحقق الأغراض، بل ربما انقلب ظهر المجن، الأمر الذي لا ينتظر تحققه في المستقبل القريب إلا بعد أن تتحقق مقوماته التي قد يكون من أولياتها الوعي بهذه التيارات الموجهة إلى هذا العالم ومواجهتها بما تستدعيه المواجهة من سلاح العلم والفكر والثقافة،ويمكن أن يتحقق هذا أو شيء منه إذا ما آمنا بضرورة العمل العلمي والفكري والثقافي المشترك بين الأفراد من ناحية، وبين المؤسسات العلمية والثقافية والبحثية من ناحية أخرى، في القيام ببحوث ودراسات بإمكانات علمية ومادية لائقة،وهذا مطلب متحقق الوقوع في ظل هذه النهضة العلمية المباركة التي تعيشها معظم أقطار العالم الإسلامي، والتي يأتي من مؤشراتها هذه العودة الموفقة والواثقة إلى الدين بخطى واثقة متروية بعيدة عن الاندفاع والعاطفة الجياشة والحماس الزائد، فكان الله في عون العاملين في هذا المجال المهم، وكان الله في عون الجميع.
مستشرقون منصِّرون:
آدامز، تشارلز (1883 – 1948م):
أمريكي، تعلَّم على ماكدونالد[1]، ثم عين مديرًا للمدرسة اللاهوتية في العباسية بمصر، توفي ودفن بمصر،من آثاره: الإسلام والتجديد في مصر، وهو ترجمة إنجليزية لكتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرازق[2].
آسين بلاثيوس، ميجويل، الأب (18717 – 1944م):
إسباني، اشتهر بدراسة حركة التفاعل الثقافي بين الإسلام والنصرانية،ومن آثاره: مذهب ابن رشد ولاهوت توما الإكويني، وعني بمحيي الدين بن عربي، والإسلام في ثوب نصراني، ومقارنة بين ابن عباد الرندي ويوحنا الصليبي، ومصنف في الغزالي والنصرانية، والآثار الإنجيلية في الأدب الديني الإسلامي[3].
أبوجي، الأب (1819 – 1895م):
من الرهبان اليسوعيين[4]، وهو فرنسي، صنف كتبًا دينية ومدرسية، وتوفي في لبنان[5].
[1] سيأتي الحديث عن ماكدونالد في موضعه من هذه الدراسة.
[2] نجيب العقيقي – المستشرقون – مرجع سابق – 3: 144 – 145، وعبداللطيف الطيباوي،المستشرقون الناطقون بالإنجليزية – مرجع سابق – ص 192.
[3] يوهان فوك،تاريخ حركة الاستشراق – مرجع سابق – ص 290 – 291، وعبدالرحمن بدوي،موسوعة المستشرقين – مرجع سابق – 126121،ونجيب العقيقي – المستشرقون – مرجع سابق – 2: 194 – 96، ونذير حمدان، مستشرقون سياسيون جامعيون مجمعيون – ص 162،ويفهرسه عبدالرحمن بدوي تحت حرف الباء من اسمه بلاثيوس.
[4] اليسوعيون أو الجزويت من الجماعات التنصيرية النشطة، ومؤسسها هو القديس إجناتياس لويولا (1491 – 1559م)، وكان جنديًّا إسبانيًّا، وهي لا تتبع مذهبًا معينًا، لكنها تعد المنصرين،انظر: عبدالجليل شلبي، الإرساليات التبشيرية: كتاب يبحث في نشأة التبشير وتطوره وأشهر الإرساليات التبشيرية ومناهجها – الإسكندرية: منشأة المعارف، [1987م] – ص 184 – 187،وانظر أيضًا: طلال عتريسي،البعثات اليسوعية: مهمة إعداد النخبة السياسية في لبنان: دراسة تاريخية وثائقية – بيروت: الوكالة العالمية للتوزيع، 1987م – ص 28 – 34.
[5] نجيب العقيقي – المستشرقون – مرجع سابق – 3: 289.