قسمة غنائم حنين
قسمة غنائم حُنَين
أخَّر النبي صلى الله عليه وسلم قسمة الغنائم بعد غزوة حنين، فأرسلها إلى الجعرانة، وجعل عليها بديل بن ورقاء الخزاعي، وبعد الانسحاب من الطائف عاد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأمل أن يأتيه وفد هوازن مسلمين؛ لذلك أخَّر قسمة الغنائم كيلا تتفرق بين الناس ويصعب جمعها، وهوازن قبيلة عربية أصيلة، لا يرضى لها المهانة، فإذا كانت قد أخطأت بالجمع لحرب المسلمين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرحم بها من نفسها وقادتها؛ فقد أرسله الله هاديًا؛ ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]؛ فهو عليه الصلاة والسلام رحمة مهداة، وعندما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة جاءه وفد هوازن وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله، إنا أصل وعشيرة وقد أصابنا ما لم يخفَ، فامنُنْ علينا منَّ الله عليك، وقام زهير بن صرد من بني سعد بن بكر – وهم الذين أرضعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك، ولو أنا أرضعنا الحارث بن شمر الغساني أو النعمان بن المنذر لرجونا عطفه، وأنت خير المكفولين، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((معي مَن ترون – الجيش الذي من حقه الغنائم – وأحبُّ الحديث إلى الله أصدقُه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي، وإما المال، وقد كنتُ استأنيت بكم – أي صبرهم – أكثر من عشرين يومًا))، فقالوا: نختار السبي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: ((أما بعد، فإن إخوانكم قد جاؤونا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل))، فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن)) – بهذا القول الجماعي معًا لا يتبين الذين وافقوا من الذين لم يوافقوا، وهذه لفتة كريمة؛ كيلا تختلط الأمور – فقال: ((فارجعوا حتى يرفع لنا عرفاؤكم أمركم)) – بالاسم كل يعبر عن رأيه موافق أو غير موافق – فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا، وهكذا رد النبي صلى الله عليه وسلم السبي إلى هوازن، وورد في روايات تاريخية أن الأقرع بن حابس قال: ما كان لي ولبني تميم فلا، وقال مثله عيينة بن حصن: ما كان لي ولبني فزارة فلا، وقال العباس بن مرداس: ما كان لي ولبني سليم فلا، فقالت بنو سليم: ما كان لنا فهو لله ولرسوله، فقال: وهَّنتموني، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن تمسك بحقه، فله بكل إنسان ست فرائض من أول شيء نصيبه))، فردوا على هوازن أبناءهم ونساءهم، ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مالك بن عوف، فقيل له: إنه بالطائف، فقال: ((أخبِروه إن أتاني مسلمًا رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مائة بعير))، فأُخبِر مالك بذلك، فخرج من الطائف سرًّا، ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلَم وحسُن إسلامه، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، وعلى من أسلم من تلك القبائل حول الطائف، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه الناس يقولون: يا رسول الله، اقسم علينا فيئنا، حتى ألصقوه بشجرة، فاختُطف رداؤه، فقال: ((ردوا عليَّ ردائي أيها الناس؛ فوالله لو كان لي عدد شجر تهامة نَعَمًا لقسمتها عليكم، ثم لا تجدوني بخيلًا ولا جبانًا ولا كذابًا))، ثم رفع وبرة من سنام بعيره، وقال: ((ليس لي مِن فيئكم ولا هذه، إلا الخُمس، والخُمس مردود عليكم)).