على بك الكبير.. حكاية خيانة محمد أبو الدهب وكيف كانت أيامه الأخيرة
ثقافة أول اثنين:
كان علي بك الكبير أحد أشهر زعماء المماليك الذين حاولوا الاستقلال بمصر عن الدولة العثمانية، ونجح لبعض الوقت في الانفراد بحكم مصر بعد انشغال السلطان العثماني بحروبه الأخرى في أوروبا ومع الإمبراطورية الروسية، لكن الخيانة تسببت في تعطيل هذا الأميرة المملوكي الذي خانه تابعه الأول وساعده الأيمن.
تمر اليوم ذكرى هروب الأمير المملوكي علي بك الكبير من مصر إلى الشام بعد فشل محاولته في الانقلاب على الدولة العثمانية التي كانت مصر إحدي ولايتها، وذلك في 13 أبريل عام 1772، حيث كان الأخير حاكما على القاهرة في وقت العثمانيين وكان يلقب بشيخ البلد.
ويوضح جورجي زيدان في كتابه “مصر العثمانية” أن علي بك اغتنم فرصة انشغال الدولة العثمانية بالمحاربة مع روسيا وصرف عنايته في تنظيم مملكته الجديدة، وإصلاح داخليتها من الخلل. فخفض الضرائب، وقام بفتوحات كبيرة في الشام ووصلت إلى اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية، وقضى على محاولات فبيلة الهوارة للانفصال، وكان قائد كل هذه الفتوحات هو محمد أبو الدهب.
ولفت “زيدان” في كتابه إلى أن محمد أبو الدهب عندما رأى هذه الفتوح العظيمة على يده، حدثته نفسه أن يجعلها لنفسه، ثم قادته مطامعه إلى محاربة علي، ولم تكن الدولة العثمانية بعيدة عن ذلك حيث كانت المخابرات السرية التابعة للباب العالي العثماني تتواصل معه وشجعته على تحقيق طموحه، فجمع جنوده من كل البلاد التي قام بفتحه واتجه إلى القاهرة قاصدا خلع علي بك الكبير، فلما علم الأخير بمخطط مساعده بالانقلاب عليه ندم على ما وضعه من الثقة في رجل كان له أن يعتبر من سيرته الماضية أنه على غير الإخلاص والاستقامة، واتجه على القلعة يحاول الاختباء فيها ومحاولة الدفاع عن نفسه وما بقى من عائلته إلى أخر نفس، لكن وصلت إليه رسالة من أحد أصدقائه بضرورة مغادرة القاهرة على الفور، فالقرر الخروج والتوجه إلى “سوريا” ومعه عدد يسير من الجند لا يبلغ ستة آلاف.
وصل أبو الدهب إلى يافا وحاول تجميع جنوده من جديد من أجل استعادة حكمه لكن أبو الدهب دس الخيانة داخل جنوده، وجعلهم يتخلون عنه، ولم يبقى مع علي بك إلا عشرة مماليك.
ويحكي جورجي تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة على بك الكبير، إذ دخل عليه خمسين رجلًا تحت قيادة الكخيا؛ نائب «محمد أبي الذهب»، قد وصلوا الخيمة ودخلوها وقتلوا من كان فيها من المماليك. ثم وثبوا على «علي»، وكان المرض مشتدًّا عليه وفيه جروح، لكنه نهض بسيفه فقتل أول قادم عليه، وجرح اثنين آخرين فخاف الباقون الاقتراب منه، فأطلقوا عليه البنادق فجرحوه جروحًا بليغة في زراعه اليمنى وفخذه، فجعل يدافع بيسراه دفاعًا شديدًا إلى أن وثب عليه الكخيا بنفسه، فدافعه «علي» حتى أصيب بذراعه اليسرى، وفي أماكن أخرى، فسقط على الأرض وهو لا ينفك عن الدفاع، فتكاثرت عليه الرجال حتى أمسكوه حيًّا، وساروا به إلى «محمد أبي الذهب» وطرحوه عند قدميه فأمر بحمله إلى القاهرة، فحملوه إليها، وأنزلوه في داره بدرب عبد الحق في شارع البكري — وراء صندوق الدين — فلبث فيها سبعة أيام ثم توفاه الله. وقد قال بعضهم إن «أبا الذهب» أدخل السم في جراحه فقتله، ودفنوه بتربة أستاذه «إبراهيم كخيا» بجوار الإمام الشافعي. وكان لموت هذا الرجل تأثير عظيم في قلب كل من عرفه حتى إن أبا الذهب نفسه لم يسعه إلا الندم في سره، لما فرط منه، وما أتاه من نكران الجميل وارتكاب مثل هذه الخيانة.