إبراهيم نصر الله يعيد نشر قصيدة عن الحرب تزامنا مع أحداث غزة
ثقافة أول اثنين:
كتب الأديب الفلسطينى الأردنى إبراهيم نصر الله الشعر حتى قبل أن يكتب الرواية، وقد أعاد نشر قصيدة له عبر صفحته على فيس بوك من ديوان “على خيط نور”، يقول فيها:
في الحروبِ السّريعةِ يسقطُ قتلى كثيرونَ
تبدو السماءُ الرَّماديةُ، الطرقاتُ المضاءةُ بالدَّم أضيقَ..
والمقبرَةْ..
فُسْحَةً لم تكن قد أُعِدَّتْ لتستقْبِلَ الآخِرَةْ!
في الضحى تتنزّلُ نارُ جهنَّمَ..
يعلو دخانٌ كثيفٌ
ويهبطُ ليلٌ على الناسِ
– أينَ الطريقُ إلى البيتِ، يسألُ سائقُ تكسي؟!
وتسألُهُ امرأةٌ: هل رأيتَ فتاةً على يدِها ولدٌ ميِّتٌ
ترتدي مِعطفًا من دمٍ، وتسيرُ بنصفِ عُنُقْ؟!
في شمال الدّخانِ يضيْعُ جنوبٌ
وفي هُـوَّةِ الغـرْبِ يسقطُ شرْقْ!
في حروبٍ كهذي، تقولُ المذيعةُ:
كلُّ الإصاباتِ، طبعًا، أدَقّ!
ساعتانِ، ثلاثٌ..
تعودُ الجيوشُ مُحمَّلةً بأخفِّ وأغلى الغنائمِ:
أرواحِ من قُتِلوا!
قبل أن تعرفَ الأمهاتُ بأنَّ الصغارَ مَضوا
والجنودَ المُغيرينَ قد رحلوا
هل رأيتَ قتيلًا رفيعًا كعودٍ من الخيزرانِ، ويُشبهُني؟!
سوف أسألُني!
هل أتمَّ كتابةَ تلك القصيدةِ
إن صِحْتُ هل سوف يسمعني؟!
ثمّ يتركُ لي بَعد أن يدفنوه على حافَّةِ القبرِ
تلكَ القصيدةَ في كَفَنِي؟!
أنتَ تكتبُ مثليَ حتى تُبدِّدَ هذا البياضَ
وترحلُ عني لتسكُنَني!
التفتُّ ورائي، رأيتُ ظلالًا تُلوِّحُ لي
عُدْتُ
صاحتْ بيَ امرأتي: هل جُنِنْتَ؟!
وصاحَ صغاري وأهلي
وبعـدَ دقائقَ عـدتُ بظلٍّ على كتِفي
قيلَ: يُشْبهُ ظلِّي!
تنتهي كلُّ حربٍ
وتُمحى بيوتٌ وتبقى بيوتُ
تنتهي كلُّ حربٍ ويبقى السّوادُ، ويبقى السُّكوتُ
تنتهي كلُّ حربٍ بقائمةٍ بالخسائرِ:
أسماءِ من قُتِلوا أو أُصيبوا
وتسقطُ منها عذاباتُ أرواحِ من لم يموتوا!
*
الحروبُ السريعةُ لا تنتهي، كالحروبِ الطويلةِ..
لا شيءَ يبقى سوى أن نرى الغَدَ أكثرَ من أيِّ يوم مضى
أن نُهدهدَ أرضًا بلونِ الدّخانِ
ونَرتِقَ ثانيةً قلبَنا بسلامٍ حزينٍ
ونُبعِدَ عن عتباتِ البيوتِ ركامَ البيوتِ
ونزرعَ شجْرةَ سَرْوٍ هنا
نخلةً ههناكَ
لنغسِلَ بالحلُمِ وجْهَ الفَضَا
ويعيشَ الرِّضا
ونُفتِّشَ في قلبنا عن مكانٍ مُضاءٍ بأعينِ من رحلوا
ونُلَمْلِمَ ما ظلَّ من صُورٍ خلْفهمْ
لنؤسِّسَ، في كلِّ بيتٍ جديدٍ، لهمْ مَعْرِضا!