لا تظلموا التاريخ
لا تظلموا التاريخ
في كتاب “التاريخ الشعبي للولايات المتحدة” لكاتبه “هوارد زن” تقول الأدلة من سجلات فيرجينيا الاستعمارية في عام 1630 أن رجلًا أبيض يُدعى “هيو ديفيز” قد وقع عليه حُكْمٌ بالجلد؛ لأنه أهان نفسه ودنس جسده بنومه إلى جوار زنجيٍّ.
تخيل، مجرد نوم الرجل الأبيض بإرادته بجوار آخر – لا عيب فيه إلا أنه أسود – إهانة.
وبعد ستين عامًا، وتحديدًا عام 1691 أصدرت فرجينيا قانونًا آخر يقضي بطرد أي شخص أبيض حر رجلًا كان أو امرأة، إذا تزوج من بين الزنوج أو الهنود عبيدًا كانوا أم أحرارًا.
ونصَّ قانون بنسلفانيا في القرن السابع عشر على أن زواج الخدم دون موافقة ساداتهم، سوف يُنظَر إليه على أنه زنا وفسوق، ولن يكون أطفال مثل هذا الزواج سوى لُقطاء.
وأقرَّت ميريلاند قانونًا عام 1723م يسمح بقطع آذان السود الذين تعدوا بالضرب على البيض، كما شمل القانون عقوبة شنق العبيد، ثم تمزيق جثثهم والتمثيل بها.
وانظر – رعاك الله – إلى هذا الإعلان الذي نشر في صحيفة “فرجينيا جازيت” بتاريخ 28 مارس 1771: “وصلت توًّا إلى ليدز تاون السفينة جوستيتيا، وعلى متنها مائة من الخدم الأشداء الأصحاء: رجالًا ونساء وأولادًا… سيبدأ البيع يوم الثلاثاء الثاني من إبريل”.
ولك أن تندهش أكثر إذا أخبرتك بأن هذه الوقائع – التي هي بأقلامهم هم – مجرد قطرة من محيط ممارسات شاذة، قام بها الإنجليز وهم بصدد تشييد إمبراطوريتهم الراعية لحقوق البشر جميعًا، والمعروفة لاحقًا بالولايات المتحدة الأمريكية؛ قِبْلَةِ الديمقراطية العالمية، ورافعة لواء حقوق الإنسان، وموطن التمثال الأشهر “الحرية”.
وما علِم هؤلاء، أو علموا وتجاهلوا، أو علموا وعمدوا إلى طمس الحقائق، بأنه قبل ما يقرب من ألف عام من هذه الحوادث – تلك التي تُدَلِّل على استغراق عنصري بغيض على حساب اللون – كانت شبه الجزيرة العربية على موعد في الارتقاء البشري، ونبذ التعصب الجنسي والقبلي؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من لَطَمَ مملوكه أو ضربه، فكفَّارته أن يُعْتِقَه))؛ [رواه مسلم]، وقال: ((إنما أنا آكُلُ كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد))؛ [صحيح الجامع].
وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه يقول: ((كنت أضرب غلامًا لي فسمعت مِنْ خلفي صوتًا: اعْلَمْ أبا مسعود، لَلَّهُ أقدر عليك منك عليه، فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، هو حرٌّ لوجه الله تعالى، قال: أمَا لو لم تفعل لَلَفَعَتْكَ النار، أو لمسَّتك النار))؛ [صحيح أبي داود].
وأتحدى أن يأتي أحد بمادة قانونية تضارع هذا النص النبوي: ((من ضرب غلامًا له حدًّا لم يأتِهِ، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه))؛ [صحيح مسلم].
كما جعلت التقوى معيار الأفضلية؛ قال تعالى: ﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ [البقرة: 221].
وهذا بلال الحبشي يُعتِقه أبو بكر من رِبْقَةِ العبودية، وكان عمر بن الخطاب يكرر قولته الجميلة: “أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا؛ يعني بلالًا”.
قال له النبي صلى الله عليه وسلم يومًا: ((يا بلالُ، حدِّثني بأرْجَى عملٍ عمِلته في الإسلام؛ فإني سمعت دَفَّ نعليك بين يديَّ في الجنة؟ قال: يا رسول الله، ما عملت عملًا أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كُتِبَ لي أن أصلي))؛ [رواه البخاري].
وعند فتح مكة، وعندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة، كان في صحبته ثلاثة هم: عثمان بن طلحة – صاحب مفاتيحها – وأسامة بن زيد، وبلال.
هذا هو تاريخنا مقطرًا، وتاريخهم محلى بالسكر، ورحم الله الشاعر المصري علي حمد؛ حينما قال: