تفسير القرآن.. ما قاله القرطبى بـ”إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون”
ثقافة أول اثنين:
نواصل، اليوم، الوقوف مع كلام الإمام القرطبى فى تفسيره المعروف بـ”الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان”، ونقرأ ما قاله فى تفسير سورة المعارج فى الآيات من 22 حتى 35 “إلّا المُصَلِّينَ” “الَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ” “والَّذِينَ فى أمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ” “لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ” “والَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ” “والَّذِينَ هم مِن عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ” “إنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ” “والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ” “إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ” “فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ” “والَّذِينَ هم لِأماناتِهِمْ وعَهْدِهِمْ راعُونَ” “والَّذِينَ هم بِشَهادَتِهِمْ قائِمُونَ” “والَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ” “أُولَئِكَ فى جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ”.
قوله تعالى “إلّا المُصَلِّينَ” “الَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ” “والَّذِينَ فى أمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ” “لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ” “والَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ” “والَّذِينَ هم مِن عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ” “إنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ” “والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ” “إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ” “فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ” “والَّذِينَ هم لِأماناتِهِمْ وعَهْدِهِمْ راعُونَ” “والَّذِينَ هم بِشَهادَتِهِمْ قائِمُونَ” “والَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ” “أُولَئِكَ فى جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ”.
قوله تعالى: إلا المصلين دل على أن ما قبله فى الكفار، فالإنسان اسم جنس بدليل الاستثناء الذى يعقبه كقوله تعالى: أن الإنسان لفى خسر إلا الذين أمنوا، قال [ص: 267] النخعي: المراد بالمصلين الذى يؤدون الصلاة المكتوبة، ابن مسعود: الذين يصلونها لوقتها، فأما تركها فكفر، وقيل: هم الصحابة، وقيل: هم المؤمنون عامة، فإنهم يغلبون فرط الجزع بثقتهم بربهم ويقينهم.
الذين هم على صلاتهم دائمون أى على مواقيتها، وقال عقبة بن عامر: هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا يمينا ولا شمالا، والدائم الساكن، وقال ابن جريج والحسن: هم الذين يكثرون فعل التطوع منها.
والذين فى أموالهم حق معلوم يريد الزكاة المفروضة، قاله قتادة وابن سيرين، وقال مجاهد: سوى الزكاة، وقال على بن أبى طلحة عن ابن عباس: صلة رحم وحمل كل، والأول أصح، لأنه وصف الحق بأنه معلوم، وسوى الزكاة ليس بمعلوم، إنما هو على قدر الحاجة، وذلك يقل ويكثر.
للسائل والمحروم تقدم فى الذاريات.
والذين يصدقون بيوم الدين أى بيوم الجزاء وهو يوم القيامة، وقد مضى فى سورة “الفاتحة” القول فيه.
والذين هم من عذاب ربهم مشفقون أى خائفون.
إن عذاب ربهم غير مأمون قال ابن عباس: لمن أشرك أو كذب أنبياءه، وقيل: لا يأمنه أحد، بل الواجب على كل أحد أن يخافه ويشفق منه.
والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون تقدم القول فيه فى سورة “قد أفلح المؤمنون “.
والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون تقدم أيضا.
والذين هم بشهاداتهم قائمون على من كانت عليه من قريب أو بعيد، يقومون بها عند الحاكم ولا يكتمونها ولا يغيرونها، وقد مضى القول فى الشهادة وأحكامها فى سورة ” البقرة “، وقال ابن عباس: بشهاداتهم أن الله واحد لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وقرئ “لأمانتهم” على التوحيد، وهى قراءة ابن كثير وابن محيصن، فالأمانة اسم جنس، فيدخل فيها أمانات الدين، فإن الشرائع أمانات ائتمن الله عليها عباده، ويدخل فيها أمانات الناس من الودائع، وقد مضى هذا كله مستوفى فى سورة “النساء”، وقرأ عباس الدورى عن أبى عمرو ويعقوب “بشهاداتهم” جمعا، الباقون بشهادتهم على التوحيد، لأنها تؤدى عن الجمع، والمصدر قد يفرد وإن أضيف إلى جمع، وقال الفراء: ويدل على أنها بشهادتهم توحيدا قوله تعالى: وأقيموا الشهادة لله.
والذين هم على صلاتهم يحافظون قال قتادة: على وضوئها وركوعها وسجودها، [ص: 268] وقال ابن جريج: التطوع، وقد مضى فى سورة “المؤمنون”، فالدوام خلاف المحافظة، فدوامهم عليها أن يحافظوا على أدائها لا يخلون بها ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل، ومحافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها، ويقيموا أركانها، ويكملوها بسننها وآدابها، ويحفظوها من الإحباط باقتراب المأثم، فالدوام يرجع إلى نفس الصلوات، والمحافظة إلى أحوالها.
أولئك فى جنات مكرمون أى أكرمهم الله فيها بأنواع الكرامات.