عرض كتاب العدالة الاجتماعية والتنمية في الاقتصاد الإسلامي
عرض كتاب
العدالة الاجتماعية والتنمية في الاقتصاد الإسلامي
تأليف: الدكتور عبدالحميد براهيمي رئيس الوزراء الجزائري الأسبق.
دار النشر: مركز دراسات الوحدة العربية.
عدد الصفحات: 220 صفحة.
في عالَم يسوده الاضطراب، نجد أن 15 % فقط من مجموع سكان العالم يُسيطرون على نسبة 82 % من الثروة العالمية، في حين لا يحصل ما يُعادل 61 % من سُكَّان العالم إلاَّ على نسبة 5 % من هذه الثروة، وقد بلغَت – في ظلِّ هذه الوضعيَّة – الفوارق وعدم التوازُنات، والتوترات الاقتصادية والاجتماعية والسياسيَّة، حدًّا لا يُطاق.
وعلى الرغم من التقدُّم الاقتصادي والعلمي والتقني الضخم في غضون هذا القرن، فإن البلدان المتقدِّمة تَعرف منذ فترة هزَّات مترتِّبة عن أزمات اقتصاديَّة بنيويَّة، إلى جانب أزمة حضاريَّة حادَّة.
هذا وقد بيَّنت النظرية الاقتصادية التقليديَّة عدمَ قُدرتنا على إيجاد الحلول والآليات الملائمة؛ لتخطِّي مشكلات الفوارق والآفات الاجتماعيَّة، والظلم وكل أنواع الصعاب التي يُعاني منها الفرد في المجتمع.
من ناحية ثانية، نجد العالَم الثالث والعالم الإسلامي غارقين في البُؤْس المادي والفكري، والتبعيَّة الخارجية؛ إذ إنَّ بلدان الجنوب التي أثْقَل كاهلها الفقرُ والشِّقاق والديون، تجد نفسها في مأزقٍ حقيقي، فلا طبيعة أنظمتها السياسية، ولا النماذج المستنبطة من النظرية الاقتصادية التقليديَّة، ولا المحيط الاقتصادي العالمي، ساعَدها على التخلُّص من الفقر، وبالتالي الخروج من التخلف المتعدِّد الأشكال.
لقد آن الأوان لتلك البلدان للخروج من وضْعٍ اتَّسَم بالشعارات والأفكار العامة والشخصية، إلى مرحلة صياغة اقتراحات ملموسة، ذات طابع شمولي عالَمي؛ قَصْدَ التخلُّص من الفقر والتخلف أينما وُجِدا.
ضرورة مُلحَّة:
ويؤكِّد المؤلِّف على ضرورة اتخاذ وتنفيذ سياسات اقتصادية مستوحاة من الشريعة الإسلاميَّة على أرض الواقع، مع مراعاة خصوصيَّة كلِّ دولة، ويُشير إلى أنَّ هذه الضرورة تفسِّرها العوامل التالية:
أ- إنَّ حالة الاقتصاد في البلدان الإسلامية وتبعيَّتها المتعدِّدة الأوْجُه للخارج، والتي تتمثَّل في تفاقُم الفقر والمديونيَّة المُفرطة، وخَلل التسيير والنُّدرة المزمنة، والتوتُّرات الاجتماعية، التي بلَغت حدًّا لا يُطاق، تستلزم التغيير من أجل تفادي ما لا يحمد عُقباه.
ب- إنَّ التوازُن الاجتماعي الداخلي الهشَّ، الذي يَنخره الفارق المتزايد بين أقليَّة من الأغنياء وأغلبيَّة الجماهير التي لا تستطيع ضمان تغطية حاجاتها الأساسيَّة، يُشجِّع على ظهور الكبت والغَيْظ والسُّخط، وهذا الوضع قد أسهَم في كَسْر السُّلَّم الاجتماعي والوفاق أينما وُجِدا.
من ناحية ثانية، فإنَّ الفارق الشاسع الذي يَفصل بين مبادئ الإسلام وقِيَمه من جهة، والمسلمين من جهة أخرى، وخاصة قادتهم الذين تربِطُهم علاقات بالخارج، يتحوَّلون على أثرها إلى مدافعين عنه – أي الخارج – في أرض الإسلام، يُمثِّل عاملاً مهمًّا في توعية الجماهير، وتجنيدها ضدَّهم، ولا شكَّ أنَّ مثل هذا الوضع المتوتِّر يشكِّل عاملاً لعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
إنَّ مجمل هذه العوامل – إلى جانب عوامل أخرى، منها: التاريخية، والسياسية، والاجتماعية – قد أسهَمت في بروز الصَّحْوة الإسلامية على المستوى العالمي.
إن هذا الدافع النَّهضوي الذي لا يُمكن إنكاره اليوم، والذي يُصاحبه رَدُّ فعلٍ واعٍ للغزو السياسي والعسكري، والاقتصادي والثقافي القادم من الغرب، في تزايُد مستمر وتقدُّم لا يُمكن إيقافه؛ ذلك أنَّ المسلمين قد أعادوا اكتشافَ قِيَم الإسلام، وأصبَحوا واعين – أكثر من ذي قبل – بالهيمنة والظلم، والاضطهاد الذي يُمارَس ضدَّهم.
فالمسلمون بالرغم من إدراكهم لضَعْفهم الآني، مؤمنون كذلك بالقدرات الكامنة في القِيَم الإسلامية القائمة، وفي الموارد البشرية والمادية والمالية التي يتوفَّرون عليها.
إنَّ الشعور بضرورة إيجاد حلول إسلامية لمشكلات الفقر والتخلُّف في عالَم مُتغيِّر ومشحون بالرهانات المتعدِّدة، يقوي الإحساس بعدم الرضا وبالحِرمان على مستوى العالم الإسلامي، وفي الوقت نفسه يغذِّي الأمل في مستقبل أفضل في ظلِّ مؤسَّسات إسلامية، تأخذ على عاتقها مسؤولية ترقية العدالة الاجتماعية، وتحقيق التنمية والرُّقي المادي والمعنوي، والمساواة والكرامة.
اتجاهات التحرُّك:
إن المهمة ليستْ بالسهلة؛ لأن الأعمال المنتظرة يجب أن تُنجز في ثلاثة اتجاهات، تصطدم كلها بعراقيل ومقاومات داخليَّة وخارجية، كما يلي:
أولاً: على مستوى كلِّ بلد؛ حيث يجب بذَلُ جهود؛ لإنجاز وتنفيذ إستراتيجيَّات تنموية من طراز جديد، تقوم على التخلُّص من الفقر، وتحسين ظروف المعيشة، مع التقيُّد بتعاليم الإسلام، وتبعًا للخصوصيَّات الاقتصادية والاجتماعية لكلِّ بلدٍ.
ثم على الصعيد الجهوي؛ حيث يَسلتزم الأمر إنشاءَ مجال اقتصادي تعدُّدي بين البلدان الإسلامية؛ لتدعيم التضامن الجهوي، وتوفير الشروط اللازمة لتنمية اقتصاديَّة جهوية حقيقيَّة مُنسقة في الزمان والمكان.
إن الأمة الإسلاميَّة باعتبارها فضاءً اقتصاديًّا وثقافيًّا وحضاريًّا، قد عَمَّرت طوال قرون من الزمن، ويتعيَّن علينا اليوم أنَّ نتدارَس الوسائل الكفيلة بتحقيق هذا المشروع الجهوي المتكامل بين البلدان الإسلامية بمراحل: تبعًا لتعاليم الإسلام، وتطلُّعات الجماهير، ومُقتضيات المستقبل، مع مُراعاة المحيط الدولي.
وعلى الصعيد الدولي، ينبغي العمل في اتجاهين، فمن جهة ينبغي على البلدان الإسلامية أن تُفكِّر في طريقة مشتركة، تَهدف إلى التقليص، ثم القضاء على تبعيَّتها الاقتصادية والتكنولوجية والتجارية، والمالية والثقافية للخارج، كما تَستطيع هذه البلدان أن تَشتركَ في اتخاذ إجراءات ترمي إلى تحسين معدَّلات التبادل التجاري، وتقليص ديونها الخارجيَّة؛ وذلك بتدعيمها لقُدرتها التفاوضية على الصعيد الدولي، ورَفْع القدرة الشرائيَّة لصادراتها.
من جهة أخرة – وفي الميدان الثقافي والمعلوماتي – يجب على العالم الإسلامي أن يُبادر بحملة إعلاميَّة متواصلة؛ لشَرْح الوجه الحقيقي للإسلام، وخاصة في العالَم الغربي؛ إذ إنَّ الحملات التحريفيَّة والتشويشيَّة للإسلام تَنطلق في معظمها من البلدان الغربية، فالكتب والمقالات والمداخلات الصحفية بكلِّ أنواعها، والتي تتَّسِم بالعداء، وخَلْط المفاهيم واللبس، إضافة إلى التحاليل السطحيَّة المملوءة بالمغالطات، كلُّ هذه الحملات تتناوَب باستمرار، وتسعى إلى إبراز الإسلام كعامل تهديدٍ وتَقرنه بالعُنف، وتَخلط عن قَصْدٍ بين الإسلام والمسلمين.
ويشدِّد المؤلف على ضرورة أن تقومَ البلدان الإسلامية – وخصوصًا مُثقَّفيها – بالحضور بقوة في المجال الإعلامي، ليس لإبراز هشاشة الحملات التشويهيَّة التي يتعرَّض لها الإسلام فحسب، وإنما كذلك لتقديم الأبعاد الحقيقيَّة للإسلام بكلِّ موضوعيَّة.
إنَّ كلَّ هذه الاعتبارات تُظهر مدى ضرورة التعجيل في إعداد خُطة تنمويَّة من منظور إسلامي، تَهدف إلى إخراج البلدان الإسلامية من دائرة التخلف، وترقية أسباب العيش فيها، والسِّلم والنظام والاستقرار.
إن احترام المبادئ والقِيَم الإسلامية يقتضي – ومن باب الوفاء – الرجوع إلى المنابع في كل محاولة؛ لصياغة حلول إسلامية لمشكلات التنمية والتبعيَّة، والتي تعيشها البلدان الإسلامية؛ لذا يجب أن يكون القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهَّرة، والإجماع المبني على الاجتهاد، المصادر المرجعية الأساسية في إعداد سياسات اقتصادية، ترمي إلى تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، على أُسس العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، والنفقة المُحكمة للموارد، وعلى أساس الصالح العام والوَحدة والأُخوَّة والتضامُن.
التنمية والعدالة الاجتماعية:
ويشير المؤلف إلى أنَّ ترقية عدالة التوزيع والتنمية الاقتصادية للأمة، تستدعي اتخاذ إجراءات ملموسة على المستويَيْن: الداخلي والخارجي، فعلى الصعيد الداخلي، ينبغي أن تذهبَ الإجراءات المرجوَّة واللازمة لإقامة مجتمع عادلٍ وموحَّد ومتضامن في وسط اقتصادي ورُوحي سليم، في ثلاثة اتجاهات:
– المستوى الاجتماعي والثقافي: لا بد من توفير الطرق والوسائل؛ للقضاء على الفقر باستئصاله من الجذور، عن طريق محاربة البطالة، بفَضْل سياسة تشغيل ديناميَّة، وتنظيم التضامن الوطني وَفْق سياسة عادلة في مجال التحويلات الاجتماعية لفائدة المحرومين، فالمساعدة المباشرة يجب أن تذهبَ للفقراء والمساكين العاجزين عن العمل، ويتعلَّق الأمر بضمان تغطية الاحتياجات الأساسية.
– الصعيد الاقتصادي والاجتماعي: ينبغي تصوُّر إستراتيجية تنموية مبنيَّة على أساس المبادئ الإسلامية، ترمي إلى تحقيق عددٍ من الأهداف، أبرزها: تحسين الوضع الاجتماعي برفْع نفقات التنمية لمصلحة قطاعَي التربية والصحة، وتنمية الاستثمار، خاصة في النشاطات المنتجة.
– تحتاج هذه الإجراءات من النوع الداخلي إلى عملٍ سياسي يتطابق والتعاليم الإسلامية؛ للاستجابة لتطلُّعات الجماهير في التغيير.
وفي هذا السياق ينبغي وضْعُ حَدٍّ للقطيعة – الحاملة لعوامل الانفجار – التي توجد بين السلطة والجماهير في معظم الدول الإسلامية؛ لذا يجب بعْثُ نوع من التلاحُم بين المؤسسات والقائمين عليها من جهة، والجماهير من جهة أخرى، ويُمكن تحقيق هذا الانسجام عن طريق الحماية الحُرَّة لقواعد الديمقراطية، واحترام القِيَم الإسلاميَّة.
إنَّ هناك آيات قرآنية تُبرز ضرورة الوحدة بين الفكر والعمل من جهة، والوَحدة في العمل من جهة أخرى، وبالمعنى السياسي والاقتصادي المعاصر، فإن هذه الآيات تُبرز الأهميَّة التي يَمنحها الإسلام لتوحيد الجهود؛ من أجْل بناء مجال اقتصادي إسلامي واسع الأطراف، ولا سيَّما وأن التكامل الاقتصادي الجهوي بين البلدان الإسلامية، يُعتبر اليوم أمرًا ضروريًّا للنجاة من التبعية الخارجية، والخروج من المأزق الاقتصادي الذي اقْتِيدَ إليه ظلمًا العالَمُ الإسلامي، وللحفاظ على هُويَّته الحضارية.
ويختتم المؤلف كتابه بالقول:
إنَّ العالم الإسلامي يتوفَّر على مزايا حقيقية، أكثر من المناطق الأخرى، تؤهِّله لتحقيق الوحدة الاقتصادية: دين واحد يَجمع بين الجانب المادي والجانب الرُّوحي، ومجال جغرافي واقتصادي واسع جدًّا، وموارد بشريَّة هائلة، وثروات طبيعيَّة شاملة وضَخْمة.
يبقى على العالم الإسلامي الآن أن يتجاوَز الشِّقاقات والصراعات التي تُعذِّيها قوى خارجية، وأن يَبني في وثبة أخويَّة وتضامنيَّة مجالاً اقتصاديًّا وجهويًّا منسجمًا مع المصلحة العليا للأمة الإسلامية، وفي مصلحة كل بلدٍ عضو والمصلحة الفردية للمسلمين.