Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار وثقافة

أحمد الفران يكتب: المؤسسة الثقافية المصرية الحديثة تولد بين عصرين

ثقافة أول اثنين:


للغزو صورة واحدة!.


بدأ القرن التاسع عشر ثقيلاً على مصر، وهى تحت وطأة الغزو الفرنسى الذى قاده بونابرت، بحملة عسكرية فى ظاهرها وباطنها حرباً ثقافية، فقد اصطحب نابليون فى حملته العسكرية علماء فى شتى مجالات العلوم، وصل تعدادهم إلى أكثر من 150 عالماً وأكثر من 2000 متخصص من خيرة الفنانين والرسامين والتقنيين والكيميائيين والأطباء والفلكيين… إلخ.


ولعل تلك الحملة من المحطات الفارقة فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، فحالة التردى والجمود التى كانت عليها مصر، كان نتيجة طبيعية لما عاشته مصر تحت وطأة الغزو العثماني، بما قام نهب منظم لثروات وخبرات ومهارات العقول والأيدى المصرية، لصالح الباب العالى بالأستانة، فلم يستبح سليم الأول أموال ودماء المصريين، بل استباح عقولهم ومهاراتهم الحرفية، وهو ما أكد عليه المؤرخ ابن اياس، حينما وثق أوامر السفاح سليم الأول بجمع القضاة والأطباء إلى جانب الصناع، والعمال، والنجارين، والبنائين، والمبلطين، والحدادين من أجل المدرسة التى أراد بناءها فى الأستانة، وقد ذكر ابن إياس أن مجموع من تم ترحيلهم قُدروا بحوالى ألف وثمانمائة.


 


الحركة الثقافية فى مصر قبيل مجيء الفرنسيين.


يمكننا فهم حركة الفكر المصرى فى تلك الفترة من خلال ثلاث عناصر رئيسية هى التى شكلت ملامح الحركة الفكرية فى تلك الفترة، والتى كانت تتكون من ثلاث عناصر رئيسية وهى “السلطة الحاكمة.. مؤسسات الثقافة .. رجال الفكر.. “، ومن خلال تلك العناصر الثلاث يمكننا استقراء الوضع الثقافى والفكرى فى مصر خلال تلك الفترة.


فقبيل مجئ الحملة الفرنسية كانت العلاقة بين العناصر الثلاث المكونة للحركة الفكرية معقدة للغاية، فالسلطة الحاكمة قد أصابها الضعف والتدهور بسبب الفساد الناتج عن الصراع السياسى والعسكرى بين المماليك، والدولة العثمانية عاجزة على إحكام قبضتها على البلاد. أما مؤسسات الثقافة فهى تنحصر بين المكتبات التى تنتشر فى المساجد، والكتاتيب التى تمثل دور المدارس، وعلى رأسها الجامع الأزهر والجامع العتيق “جامع عمرو بن العاص”، وهما اسمان يترددان فى مختلف الأرجاء بأنهما موئلاً للعلم والعلماء، والقليل من المكتبات بالأديرة والمعابد. ورجال الفكر فكانت تمثلها طبقة العلماء والتى تتكون معظمها من رجال الدين والقلة القليلة من رجال العلوم العقلية، وكل هولاء كانوا يمثلون حلقة الوصل بين الطبقة الحاكمة وعامة الناس.


وعلى الرغم من أن الكثيرون فى تلك الفترة كانوا ينظرون إلى بعض العلوم العقلية من الفلسفة والكيماء علوماً مذمومة، فأنه قد برزت عدد من الأسماء التى خلدها التاريخ، من أمثال الشيخ حسن العطار، شيخ الجامع الأزهر والذى امتاز بالتضلع فى الأدب وفنونه، والتقدم فى العلوم العصرية، وكان هذا نادراً بين علماء الأزهر، والشيخ أحمد السجاعى الذى كتب فى الفلسفة وقال عنه الجبرتى شارك فى كل علم وتميز بالعلوم الغربية .. وله فى تلك الفنون تعاليق ورسائل مفيدة.


وأيضا الشيخ أحمد الدمنهورى شيخ الأزهر الذى كتب فى الجولوجيا والطب والكيمياء والسياسة، والفيلسوف المؤرخ حسن الجبرتى “الجبرتى الكبير”، وابنه المؤرخ الشهير عبد الرحمن الجبرتي، والشاعر والأديب عبدالله سلامة الأدكاوي.

1111
 


 


الزحف الثقافى الصامت والغزو الفرنسي.

 


سبق تلك الحملة العسكرية التى هوى بها نابليون بونابرت على الإسكندرية فجأة عام 1798 بأسطوله المزود بكل أداة جديدة للحرب تمخض عنها علم أوروبا آنذاك، ما عرف بالزحف الصامت والذى ضم ألوفاً مؤلفة من أشتات الأوروبيين ما بين تاجر وصانع ومغامر ومدرس وسائح ومبشر وجندى حتى جمعوامن المصريين كل كبيرة وصغيرة من عاداتهم وتقاليدهم ومعايشهم وطرائق أفكارهم وخصائص حياتهم، وبكل همة عكفوا عليها وتأملوها ودرسوها ونظموها ورتبوها بعناية فائقة لإحكام السيطرة الفكرية قبل السيطرة العسكرية على مصر.


 


وكان لتلك الحملة الأثر الثقافى البالغ فى تاريخ مصر، الذى مهد لرسم ملامح الحركة الثقافية المصرية حتى يومنا هذا، فقد وصلت مع الحملة أولى المطابع ذات الحروف العربية، وأخرى فرنسية، ولا شك أن إعداد وتجهيز المطبعة العربية فى فرنسا ساهم فيه جنود الزحف الصامت الذى سبق الحملة الفرنسية من المستشرقيين وتلاميذهم وأتباعهم.

الحملة الفرنسية فى مصر
 


 


المؤسسات الثقافية تغسل سمعة الغزو الفرنسي.

 


ثمة ما يمكننا التأكيد عليها أن ظهور المؤسسات الثقافية بشكلها الحديث فى مصر، ارتبط بالغزو الفرنسى الفرنسية بشكل واضح، بما علمت عليها حملة بونابرت من استنساخ عدد من المؤسسات الثقافية الموجودة فى فرنسا إلى مصر، فى محاولة لصبغ الغزو الفرنسى بطابع أخلاقي، إلى جانب هدف أكثر مكراً وهو استخدام تلك المؤسسات فى استطلاع واكتشاف تلك الأرض الغريبة على جنوده.


فشيدت الحملة أول مسرح للتمثيل، أول معمل للورق، أول متحف، والمجمع العلمى المصرى أول مؤسسة ثقافية على غرار المؤسسات الثقافية الحديثة “المجمع العلمى الفرنسي”، لتظهر معه أول جريدة فى مصر، وهى صحيفة إخبارية سميت “كورييه دو ليجبت Courrier de I Egypte صدرت فى 29 أغسطس 1798 فى حجم كتاب وسط من أربع صفحات، وأما الثانية فتسمى “لاديكاد إجيبسيان La Decade Egyptienne وقد تخصصت لنشر بحوث أعضاء المجمع العلمى المصرى ودراساتهم للبيئة المصرية فى نواحيها الأدبية والتاريخية والاقتصادية، وتعتبر هاتان الصحيفتان أقدم الصحف الأجنبية فى مصر. وقد انتهى تاريخ هاتين الصحيفتين بانقضاء الحملة وخروجها، وبقيت مصر خلوًا من الصحافة الأجنبية زهاء ثلاثين عامًا.


وقبيل استعراض أثر تجربة المجمع العلمى المصرى على المصريين فى سنوات ميلاده الأولى، يمكننا استعراض موجر سريع لتاريخ المجمع الذى أنشئ بالقاهرة في20 أغسطس 1798 بقرار من نابليون بونابرت, وكان مقره فى دار بقصور ثلاثة من بكوات المماليك فى القاهرة وهم (قصر حسن كاشف وقصر قاسم كاشف وقصر ابراهيم السناري).


ويقع قصر حسن كاشف جركس بالناصرية بوسط القاهرة، ومكانه اليوم المدرسة السنية، وصفها المؤرخ الجبرتى أثناء حديثه عن حسن كاشف أحد زعماء المماليك وكان يحف بها الخليج من جميع الجهات، ولم يبق من هذه الدار أى أثر، كان فيها منظرة كبيرة لها ثلاثة إيوانات، يطل إيوانها الأوسط على الحديقة الكبرى، وتتوسط الدرقاعة نافورة، وتعلو الإيوانات الثلاثة التى تحيط الدرقاعة قبة صغيرة ذات نوافذ. عقد المجمع العلمى المصرى أولى جلساته (1799) فى هذه الدار فى أثناء الحملة الفرنسية؛ وقد سكنها الفلكيون وأهل الحكمة والمهندسون، وكانت مقر مكتبتهم. كان حسن كاشف من مماليك القاهرة الأثرياء وقد فر منها حينما قدمت الحملة الفرنسية إلى مصر.

الحملة الفرنسية


كيف وزعت تركة المجمع العلمي؟

 


وبمغادرة الفرنسيين مصر عام 1801 توقف نشاط المعهد لانتهاء سبب إنشائه وتبقى جانب من مقر المعهد القديم، وهو منزل إبراهيم كتخدا الملقب بالسنارى بحى السيدة زينب بوسط القاهرة، وفى الوقع لم يستفد المصريين حيث خرجت الحملة الفرنسية سريعاً عام ١٨٠١ بعد المقاومة الشرسة التى قادها رجال الفكر آنذاك “رجال الآزهر”، واضطر المستعمر الفرنسى إلى الخروج، وخضعت إلى شروط القوة البريطانية العثمانية المشتركة.


وفى تلك اللحظة حان تقسييم التركة التى خلفها المجمع العلمي، بين القوى العظمى الثلاث (فرنسا، بريطانيا، الدولة العثمانية)، حيث أُرغِم الفرنسيين على ترك كل ما جمعوه من مقتنيات وآثار مصرية، وذلك بموجب المادة ١٦ من معاهدة الاستسلام التى وقعت بين القوات الفرنسية والقوات البريطانية العثمانية عام ١٨٠١، وتولى الجنرال الإنجليزى جون هيلى هاتشينسون والعثمانى يوسف باشا مهمة مصادرة القطع الأثرية التى جمعها الفرنسيون أثناء إقامتهم، ولكن علماء الحملة الفرنسية برئاسة جيفرى سانتهيلير رفضوا تسليم الأعمال العلمية التى قامت بها الحملة، وأصروا على حمله اإلى فرنسا، وطلبوا الاحتفاظ بحجر رشيد باعتباره ملكية شخصية – حيث عثرت عليه الحملة تحت رمال قلعة قايتباى بمدينة رشيد-فوافق هاتشينسون على السماح لهم بحمل الأعمال العلمية لأعضاء الحملة الفرنسية، ولكنه أصر على مصادرة حجر رشيد، ليصبح الحجرفى حوزة البريطانيين ويتم نقله إلى لندن، ومن ثم عرضه فى المتحف البريطانى بلندن بشكل مستمر تقريباً منذ عام ١٨٠٢ ليكون الأثر الأكثر زيارة فى المتحف البريطانى منذ ذلك الحين.

مخطط
 


 


رحل الفرنسيون عن مصر وحملوا معهم كل ما سرقوه من نفائس الآثار والكتب والمخطوطات والبرديات، ودليل السرقة قائم حتى هذه اللحظة فى كبرى مكتبات ومتاحف العالم، بعد أن استبيحت أرض مصر للمغامرين وسارقى الآثار لنقل كل ما يقع تحت أيديهم إلى خارج مصر.


لتنقل مصر إلى حقبة جديدة أكثر إثارة وإيقاع من ذى قبل، بفعل الصدمة التى صنعتها الحملة الفرنسية، كان أبرز ما فيها تلك الصدمة الحضارية والثقافية التى خلفتها الحملة، فكيف كانت سنوات ما بعد الحملة؟.

أحمد الفران
 


 


 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى