59 على الرحيل.. بدر شاكر السياب ورحلته مع قصائده الشعرية
ثقافة أول اثنين:
فى مثل هذا اليوم 24 ديسمبر من عام 1964، رحل عن عالمنا الشاعر العراقى المجدد بدر شاكر السياب، الذى يعد واحدًا من الشعراء المشهورين في الوطن العربي في القرن العشرين، وأحد مؤسسي الشعر الحر فى الأدب العربي.
بدأ بدر شاكر السياب الذى ولد 25 ديسمبر من عام 1926، في قرَية جِيْكُور في محافظة البصرة في جنوب العراق،أولى قصائده الشعرية عندما كان شاباً صغيراً، فبدأ بنظم الشعر باللهجة العراقية الدارجة، ثم تحول إلى الشعر الفصيح محتذياً بشعراء المدرسة الرومانسية، ولقد نشر بدر شاكر السياب قصائده الأولى في ديوان “أزهار ذابلة” الذى ضم قصائد كتبها الشاعر في عام 1941 أى منذ كان في الخامسة عشرة من عمرها، وضم الديوان مجموعة من القصائد التي يغلب عليها الطابع الرومانسى كما هو شأن القصائد الأولى في لأغلب الأعم، كما تصور القصائد التحولات الفكرية لبدر شاكر السياب نحو الشيوعية.
ثم بعد ذلك أصدر وديوان “أساطير”، وعند نهاية الحرب العالمية الثانية ومع دخول ثقافات مختلفة إلى البلاد بدأ السياب مرحلة جديدة من شعره امتازت بغزارة الإنتاج، حيث وضع عدة دواويين شعرية أهمها: “أنشودة المطر” و”المعبد الغريق”، و”منزل الأقنان”، و”شناشيل ابنة الجلبي”، وفى تلك المرحلة بدأ ينأى بشعره عن منحنى الشعر التقليدى القديم، ويسعى لبناء أنماط جديدة للقصيدة، فأصبح فى مقدمة الشعراء المجدّدين فى الشعر العربى الحديث، وفى نهاية الأربعينيات وضع أول قصيدة له بأسلوبٍ جديدٍ من حيث الوزن والقافية افتتح بها مشروعه الحداثى وهى قصيدة “هل كان حباً”.
ومن المعروف عن السيّاب قيامه بالمحاولات الأولى الجادّة للتخلص من رتابة القافية في الشعر العربي، فقد تأثر السيّاب بالشعر الإنجليزي وشاركه بذلك البياتي و نازك الملائكة، وأرادوا نقل تلك الحرية التي شاهدوها في الشعر الأجنبي إلى الشعر العربي، وفي الواقع كانت هناك محاولات قبل هؤلاء الثلاثة للتغيير ولكنها كانت مجرد استطراف، وأما هؤلاء الثلاثة فقد كانت محاولاتهم جادّة وتتخذ من هذا التغيير مذهباً تدافع عنه، ويقول الدكتور إحسان عباس في كتابه اتجاهات الشعر العبى المعاصر: ” وإنما الذي يميّز هذه الحركة عن كل ما سبقها أن اعتمادها للشكل الشعري الجديد أصبح مذهباً لا استطرافاً، وأن إيمانها بقيمة هذا التحول كان شمولياً لا محدوداً، وأن أفرادها في حماستهم لهذا الكشف الجديد رأوا وما زالوا يرون – عدا استثناءات قليلة – أن هذا الشكل يصلح دون ما عداه وعاء لجمع التجربة الإنسانية إذا أريد التعبير عنها بالشعر”.
ومن قصائد السياب الأولى
لا تزيديه لوعة فهو يلقاك …. لينسى لديك بعض اكتئابه
قربي مقلتيك من قلبي الذاوي …. تري في الشحوب سر انتحابه
وانظري في غضونه صرخة اليأس …. وأشباح غابر من شبابه
لهفة تسرق الخطى بين جفنيه …. وحلم يموت في أهدابه
ومن قصائدة أيضًا :
قصيدة سفر أيوب
لكَ الحـَمدُ مهما استطالَ البـــلاء
ومهمــا استبـدٌ الألـم
لكَ الحمدُ إن الرزايـا عطـــاء
وإن المَصيبــات بعض الكـَـــرَم
ألم تُعطنى أنت هذا الظلام
وأعطيتنى أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟
شهور طوال وهذى الجـِـــراح
تمزّق جنبى مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أو جاعه بالردى.
ولكنّ أيّوب إن صاح صــــــاح
لك الحمد، ان الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضمٌ إلى الصدر ِ باقتــها
هداياكَ فى خافقى لا تَغيــب
هاتها … هداياكَ مقبولــةُ
أشد جراحى وأهتف
بالعائديــن
ألا فانظروا واحسدونــي
فهذى هدايا حبيبي
وإن مسّت النار حرّ الجبين
توهّمتُها قُبلة منك مجبولة من لهيب.
جميل هو السّهدُ أرعى سماك
بعينى حتى تغيب النجوم
ويلمس شبّاك دارى سناك.
جميل هو الليل: أصداء بوم
وأبواق سيارة من بعيد
وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد
أساطير آبائها للوليد
وغابات ليل السُّهاد، الغيوم
تحجّبُ وجه السماء
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيوب كان النداء
لك الحمد يا رامياً بالقدر
ويا كاتبـا بعد ذاكَ الشفـــاء