Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

الإسلام وما بعد الاستشراق


الإسلام وما بعد الاستشراق

 

لا يظهر أن الاستشراق في دراسته للإسلام آيل إلى الزوال؛ ذلك أن الإسلام دين متحرك لا يقف عند زمان أو مكان، ومِن ثمَّ فإنه يجدد كلما رانت على القلوب والأرواح الغفلة، ولذا فإن الاستشراق سيجد مجالًا رحبًا فيما يمر به العالم الإسلامي والمنطقة العربية على وجه الخصوص من أحداث متتالية، كما وجد هذا المجال في الانبعاث الإسلامي أو الإحيائية الإسلامية أو الصحوة الإسلامية، على اختلاف في التسميات، والبحث عن أسباب هذه الصحوة بعثراتها، من خلال الإخفاقات التي أخضعت للتجربة الواقعية في بعض الأقطار العربية والإسلامية، والتي أريد لها أن تكون بديلًا للإسلام؛ كالقوميات، والاشتراكية، والرأسمالية، وغيرها من جهة، أو من خلال الاحتجاج على التخلف والفشل في القضاء عليه من جهة أخرى[1].

 

كما أن الأحداث الأخيرة، أعني الحادي عشر من سبتمبر 2001م الموافق 22/ 6/ 1422هـ، أججت النظرة إلى الإسلام، لا سيما في أبعاده السياسية، مما أدى إلى “استنفار المؤسسات الاستشراقية التقليدية لتثوير العداء ضد العرب، وعندها سيعود الاحتقان من جديد، وتعود الآلة الاستشراقية إلى سابق عهدها، بعد أن قطعت شوطًا في التخلي عن طروحاتها في فضاء ما بعد الاستشراق”[2].

 

مع هذه المزاحمة الإعلامية للاستِشراق فقد أضحى موضوعًا له الغلبة اليوم لدى صانعي القرار السياسي المرتبط بعلاقات الشرق بالغرب، وبدأ الإعلام يُزاحم الاستشراق، وكثرت الأفلام التي تسيء للإسلام[3]، وهذا موضوع واسع تصدَّى له المتخصِّصون في الإعلام، ويكتنف قدرًا من المقارنة بين الإسلام والغرب، وليس بين المسلمين والغرب، وهي مقارنة غير متوازية؛ لأن المقارنة “بين الإسلام والغرب أمر غير جائز، فلا تجوز المقارنة بين دين ومجموعة بشرية، وحتى وإن كان المقصود هو المقارنة بين الحضارة الإسلامية والغربية، أو الثقافة الإسلامية والغربية، فإن ما بين الاثنتين من اختلافات لا يدعو إلى التصادم، ولا يفرض حتمية لهذا التصادم”[4].

 

أدَّى هذا التحوُّل إلى تخلي بعض المستشرقين عن العمق الاستشراقي في الدراسات والبحوث، والميل إلى الشهرة والظهور الإعلامي؛ من خلال التحليلات السريعة لأحداث راهنة، ولكنها ورثتْ أجندتها من الاستشراق، فلم تنفكَّ عنه[5]،ومِن ثمَّ ظهر لدينا ما يُمكن أن يسمى بالالتفاف على الاستشراق.

 

والمستشرق برنارد لويس مثال حيٌّ واضح على هذا التخلي، فقد أكثر أخيرًا من الكتابات الإعلامية غير العميقة، المتركِّزة على تشويه الإسلام والمسلمين، وحمل بقوة على المصطلح / الاستشراق، ودعا إلى رمْيه في زبالة التاريخ، وغيره كثير من المستشرقين المعاصرين[6].

 

لم يثبت على النهج الاستشراقي التقليدي إلا نفر معدودون وغير مشهورين، ولكنهم مقتنعون بما هم عليه من نهج يتسم بالعمق في الدراسة والتحليل حول الإسلام، مما يعني أن أثر هذه الفئة القليلة هو الباقي، امتدادًا للأثر الاستشراقي في الثقافة الإسلامية، ولا بد من ذكر نفر منهم لا يزالون يواصلون إسهاماتهم في مجال الاستشراق العميق، من أمثال المستشرقين الألمان فرتز شتيبات، ويوسف فان إس، واشتيفان فيلت، والمستشرق الإنجليزي القس وليام مونتغمري وات (رغم وفاته يوم الثلاثاء 1/ 10/ 1427هـ الموافق 24/ 10/ 2006م، إلا أن إنتاجه العلمي لا يزال يُنشر)، والمستشرق البريطاني لزلي ماكلوكلن، والمستشرق الأمريكي جون إل. إسبوزيتو، وغيرهم.


[1] انظر: فالح عبدالجبَّار، مترجم ومعد، الاستشراق والإسلام، دمشق: مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، 1991م، 152 ص. والكتاب عرض لعدد من البحوث عن الانبعاث الإسلامي من خلال ندوة عقدت في براغ في تشرين الأول 1988م عن حركية العامل الإسلامي في بلدان الشرق عمومًا، مع تركيز خاصٍّ على البلدان العربية.

[2] انظر: رسول مُحمَّد رسول. نقد العقل التعارُفي: جدل التواصُل في عالمٍ متغيِّر، بيروت: المؤسَّسة العربية للدراسات والنشر، 2005م، ص 68 – 69.

[3] انظر: شيرلي شتاينبرغ. مناهج هوليود حول العرب والمسلمين، ص 267 – 279، في: جو كينشلو وشيرلي شتاينبرغ. التربية الخاطئة: كيف يشوِّه الإعلام الغربي صورةَ الإسلام / ترجمة حسان بستاني، بيروت: دار الساقي، 2005م، 295 ص.

[4] انظر: أحمد الجهيني ومُحمَّد مصطفى. الإسلام والآخر؛ مرجع سابق، ص 195.

[5] انظر: طاهر عبد مسلم. تعارُف الحضارات من أطروحات الاستشراق إلى التمركُز الإعلامي والدعاية المضادَّة، ص 115 – 141، في: زكي الميلاد، معد. تعارُف الحضارات، دمشق: دار الفكر، 1427هـ / 2006م، 226 ص.

[6] انظر: علي بن إبراهيم النملة: الالتفاف على الاستشراق: محاولة التنصُّل من المصطلح؛ مرجع سابق، 182 ص.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى