سيرة “بيوت الحكم” فى مصر.. مقرات الرئاسة من زمن محمد على إلى عصر الجمهورية
ثقافة أول اثنين:
غادر الملوك وبقيت القصور، وضمن جملة ما حدث من تحولات، أنها صارت بيوتا للجمهورية، ومقرات يدير الرؤساء شؤون الحكم من خلالها، ولعل ذلك واحد من المكاسب القليلة التى تركتها الحقبة الملكية السابقة على ثورة 23 يوليو، بأثر ما تختزنه تلك القصور من تاريخ وقيمة معمارية وأثرية وجمالية مهمة.
اشتهرت فى مصر الكثير من القصور التى شيدها ملوك وأمراء أسرة محمد على، طوال 147 سنة من إمساكهم مقاليد الحكم، ومنها قصور عابدين، والقبة، والاتحادية وغيرها، وقد تحولت فيما بعد إلى مقرات لرئاسة الجمهورية، ولعبت دورا مهما فى المشهد السياسى وذاكرة الدولة طوال العقود السبعة الماضية.
قصر رأس التين
فى عام 1834، أمر محمد على بتشييد قصر رأس التين فى الإسكندرية على هيئة حصن، ليكون مشابها لمقر حكمه فى قلعة صلاح الدين بالقاهرة، ووضع تصميمه المهندس الفرنسى سير يزى بيك، واستغرق بناؤه 13 عاما، ولم يتبق من النسخة القديمة سوى البوابة التى تحمل اسم الباشا، وبعض الأعمدة الجرانيتية.
أصبح مقرا صيفيا للحكم فى عهد الخديو إسماعيل، وأنشئت محطة قطارات داخله لتسهيل انتقال العائلة، وقد تولى الملك فؤاد تجديدها عام 1920، كما أعاد بناء القصر وجعله من ثلاثة طوابق، فصار مبناه وأثاثه أكثر جمالا وعصرية، كما بنى على جزء من مساحته مسجدا بطابع معمارى متميز، ومن بعده أنشأ ابنه الملك فاروق مبنى للأميرات.
قصر القبة
أحد أهم القصور الملكية، بناه الخديو إسماعيل على أطلال منزل قديم لوالده إبراهيم باشا، واستمر البناء 6 سنوات وافتتح رسميا فى يناير 1873 بحفل زفاف الأمير محمد توفيق ولى العهد، ما ربط القصر لاحقا بالمناسبات وحفلات الزفاف الأسطورية للعائلة.
يعد من أكبر القصور لكونه بمساحة 190 فدانا تقريبا، وقد جاء اسمه نسبة لمبنى قديم من عصر المماليك كان يعرف باسم «مبنى القبة»، وقد أحاطت به بحيرة مائية كانت مقصدا لكثير من أبناء العائلات الكبيرة والطبقة الراقية وقتها بغرض الصيد والتنزه.
قصر عابدين
جوهرة القرن الـ19، وقد شهد على 90 سنة من ذاكرة الحكم منذ بنائه إلى ثورة يوليو وإعلان الجمهورية، وقد بناه الخديو إسماعيل على أطلال منزل قديم يملكه عابدين بك، أحد أمراء الأتراك، وكان يشغل وظيفة أمير اللواء السلطانى.
وعندما بدأ العمل، ردمت عدة برك فى المكان وسويت بالأرض، إضافة لشراء عدة مبان ملاصقة وإزالتها، وظل الخديو على تلك العادة عدة سنوات بغرض توسعة القصر حتى صارت مساحته 25 فدانا تقريبا، وقد كان مع الميدان الذى يتصدره مركز المدينة الجديدة، التى أنشأها الخديو على غرار باريس وكبرى العواصم الأوروبية.
قصر الصفا
يقع القصر على ربوة عالية تطل على البحر المتوسط، وتبدو هيئته كأنها منارة بحر أو حارس أمين، وقد بنى فى عام 1887 بمنطقة زيزينيا، التى صارت مقصدا للصفوة المتنافسين على بناء السرايا والقصور، شيده الكونت اليونانى استيفان زيزينيا، وكان يعمل فى تجارة القطن بجانب كونه قنصلا لبلجيكا، وبعدها تحول إلى فندق جلوريا.
فى عام 1927 قرر الأمير محمد على، نجل الخديو توفيق، شراءه وتجديده ليصبح قصرا ملكيا، ومنحه اسمه الحالى تيمنا بجبل الصفا أحد مناسك الحج، وكان الأمير أول من سعى لتأسيس قصور ضخمة بالإسكندرية، ما ألهم النبيلة فاطمة حيدر ببناء قصرها «متحف المجوهرات» بالمنطقة، كما كان الأمير مهتما بالفن الإسلامى، فكتب على القصر من الخارج آيات قرآنية منها «ادخلوها بسلام آمنين» عند المدخل، والقصر معد اليوم لاستقبال ضيوف الرئاسة وكبار الوزراء ورجال الدولة خلال وجودهم بالإسكندرية.
قصر الطاهرة
اشترت الأميرة أمينة ابنة الخديو إسماعيل قطعة أرض عام 1924، لتقيم عليها فيلا خاصة، ثم انتفلت ملكيتها لابنها محمد طاهر باشا، ومن اسمه جاءت تسمية القصر، وقد تحول من فيلا صغيرة إلى قصر على الطراز الإيطالى، وأشرف على تعديله المهندس الشهير أنطونيو لاشيك، واشتراه الملك فاروق من مالكه بمبلغ 40 ألف جنيه ليهديه لزوجته الأولى الملكة فريدة عام 1939.
قصر الاتحادية
صمم المعمارى البلجيكى إرنست جسبار فندق «هليوبلس بلاس» فى مصر الجديدة مطلع القرن العشرين، ليصير واحدا من أهم وأشهر دور الضيافة بمصر والعالم، وقد وصفه البعض بـ«ألف ليلة وليلة»، بفضل طرازه المعمارى المميز وفخامته اللافتة، ومن أهم نزلائه «ميلتون هيرشى مؤسس ومالك شركة الشوكولاتة الشهيرة، والمصرفى الشهير جون مورجان، وألبرت الأول ملك بلجيكا وزوجته الملكة إليزابيث دو بافاريا».
فى عام 1958 اشترته الحكومة المصرية مع الأراضى المجاورة له بـ700 ألف جنيه، واستخدمته مقرا للحكومة المركزية، وفى رئاسة السادات عام 1972 اتخذ مقرا لاتحاد الجمهوريات العربية بعضوية سوريا وليبيا، ومن وقتها عرف باسم الاتحادية. وخلال الثمانينيات، وضعت خطة صيانة شاملة حافظت على طابعه القديم، ليعلن بعدها مجمعا رئاسيا، وجرى تسجيله عام 2018 ضمن الآثار الإسلامية والقبطية.
«الاتحادية» مزيج مبدع من العمارة الشرقية والإسلامية، ويمتاز بأعمال الديكور وزخارف الرخام والمرمر، وجماليات الصحون والقباب والمقرنصات والأطباق النجمية وفنون الأرابيسك والشبابيك الجصية والزجاج الملون، ومساحته الكلية 53 ألفا و126 مترا مربعا منها 10 آلاف و671 مترا للمبنى المكون من بدروم وثلاثة طوابق.
قصر الحرملك
جزء من سرايا المنتزه، ويرجع اكتشاف المنطقة لعهد الخديو عباس حلمى الثانى عام 1892، ويشتمل الموقع على تبتين، بنى قصر السلاملك على إحداهما ليكون مقرا صيفيا للأسرة، ويستغل حاليا كفندق.
وفى 1925 بنى الملك فؤاد الأول قصر الحرملك على التبة الثانية بطراز إيطالى، ليكون آخر القصور الملكية المشيدة فى تاريخ الأسرة العلوية، وضع التصميم المهندس فيروتشى، واستغرق البناء 4 سنوات، وتبلغ مساحته الكلية قرابة 47 ألف متر مربع، ومساحة الحدائق أكثر من 43 ألف متر مربع.