العولمة والعمال الوافدون
العولمة والعمَّال الوافدون
لأغراضٍ إنسانية وانتمائية تُفضِّل هذه الوقفات التعبيرَ بلفظ (الوافد) بدلًا من (العامل الأجنبي)؛ إذ إن مفهومَ الأجنبي غيرُ واضح المعالم ثقافيًّا، ويرسِّخ مفهومَ الغُربة والانعزالية عن المجتمع، الأمر الذي لا يتحقَّق في حال منطقة الخليج العربية، لا سيما عندما يكون هذا الوافدُ ذا قابلية للتعايش مع معطيات المجتمع الخليجي، كما سيأتي بيانه.
ينبغي أن نوازنَ بين مواردنا البشرية المحلية / الخليجية، وما تحتاجه أسواقُ العمل في المنطقة من قوى عاملة، وإذا كان المُستهدَف لدى منظمة التجارة العالمية هو أن تكونَ نسبة 25% من القوى العاملة من غير المواطنين، فإن الواقع أن المعادلةَ لدينا معكوسة؛ إذ لا يعمل من المواطنين إلا أقل من 25% إجمالًا في سوق العمل في القطاع الخاص خاصة، والبقية وافدون[1].
إن النظام السابق للعمل والعمال في المملكة العربية السعودية الصادر سنة 1389هـ/ 1969م – قد أكد هذه النسبة قبل فرضِها من قِبَل المنظمة بثلاثين سنة؛ حيث نصَّ النظامُ السابق على الآتي: “يجب ألا تقلَّ نسبةُ العمال السعوديين الذين يستخدمهم صاحب العمل عن 75% من مجموع عماله، وألا تقلَّ أجورُهم عن 51% من مجموع أجور عماله، ولوزيرِ العمل في حالة عدم توفُّر الكفاءات الفنية أو المؤهِّلات الدراسية أن يخفِضَ هذه النسبة مؤقَّتًا”[2]، ثم أكد هذه النسبةَ نظامُ (قانون) العمل المحدث لسنة 1426هـ/ 2005م؛ حيث نصَّ النظامُ على الآتي: “2- يجب ألا تقلَّ نسبة العمال السعوديين الذين يستخدمهم صاحب العمل عن 75% من مجموع عماله، وللوزير في حالة عدم توفُّر الكفاءات الفنية أو المؤهِّلات الدراسية، أو تعذُّر إشغال الوظائف بالمواطنين أن يخفض هذه النسبة مؤقَّتًا”[3].
لقد مرَّ على المنطقة الخليجية ما يمكن أن يسمَّى بالإغراق في القوى العاملة، بحيث أصبحت هناك مشكلات ترتَّبت على فتح المجال في الاستقدام، في ضوء اللجوء إلى خطط التنمية المرحلية السريعة التي شهِدتها المنطقة، لا سيما ما له عَلاقة بالبنية التحتية.
أسهم في هذا الإغراق لجوءُ ذوي النفوس الضعيفة من مواطني المنطقة إلى اتخاذ الاستقدام مجالًا للدخل السريع، مخالفين بذلك النُّظُم والقوانين العامة، أصبحت المتاجرةُ بالتأشيرات مشكلةً سعت دول المنطقة إلى معالجتها بروح إنسانية، لا تتعارض مع كرامة هذا الإنسان، الذي جاء ليكسِبَ العيشَ الحلال، موعودًا من هذه الفئة الضعيفة بفرص الغِنى السريع[4].
يُفضَّل التعبيرُ هنا بالمتاجرة بالتأشيرات؛ للتفريق بينها وبين الاتِّجار بالبشر، الذي يتضمَّن مفهومًا رديئًا ذا علاقة بالرقيق الأبيض، والدعارة، والاستغلال السيء للنساء والأطفال من الجنسين، ومن ثَمَّ فاستخدام المتاجرة بالتأشيرات – رغم عدم نظاميته ولا إنسانيته – لا يقارَن بالاتِّجار بالبشر، وفي الربط بينهما إجحافٌ لا مسوِّغَ موضوعيًّا له[5].
أدى أسلوبُ المتاجرة بالتأشيرات إلى وجود بطالة بين العمال الوافدين أنفسِهم في المنطقة، تزيد عن نصف مليون (500,000) عامل وافد؛ مما يشكِّل ظاهرةً غريبة؛ إذ إن الأصلَ في وجود العامل الوافد وجودُ عمل له، أدى هذا بدوره إلى قيام حملات وطنية وإقليمية للتخفيف من هذه الظاهرة، التي أدت إلى ممارساتٍ غيرِ أخلاقية من التزوير والتزييف، والجريمة والتعاطي مع الممنوعات[6].
لا يسمح الموقف المتعقِّل أن يكونَ هذا عامًّا بين العمال الوافدين – وإن وُجد بينهم من يقوم بذلك – بخلاف ما ظهرت به بعضُ الكتابات المتعجِّلة التي ربما اتسمت بقدر من النظرة العصبوية والتمييز العرقي، التي حصرت الجريمةَ بأنواعها على الوافد، وفي هذا ردٌّ على مَن قال: “تدلُّ كلُّ المؤشرات على أن العامل المهم في انتشار المشكلات الاجتماعية؛ كالجريمة والسرقة وحوادث القتل، وتعاطي المخدِّرات والمشروبات الكحولية، وانحراف الأحداث – هو وفودُ العمالة الأجنبية التي ربما كان بينهم الكثيرُ ممَّن امتهنوا الجريمةَ في مناشئهم الأولى، وحملوا بذورها إلى هذه المجتمعات”[7].
يقول باقر النجار: “وقد جاءت محاولاتُ بعض الدول الخليجية للقضاء على العمالة (السائبة) غير المكفولة بصورة رسمية؛ لتساهم في التخلُّص – في عموم المنطقة في السنوات الثلاث الأخيرة من التسعينيات – من أكثر من نصف مليون عامل أجنبي لم تكن إقامتُهم تتمُّ بصورة شرعية”[8].
الجدول الأول: يبين إحصائيات السكان الحالية والمتوقعة عام 1435هـ – 2015م مقارنة بعدد العمال الوافدين.
(لا بد من التوكيد على أن الإحصائيات هنا غيرُ دقيقة؛ للافتقار إلى جهة مسؤولة عن الإحصاء الخليجي، وإن كانت مؤسسات الإحصاء المحلية لكل دولة، فإنها على المستوى الخليجي غيرُ فاعلة، فيضطر الباحث إلى البحث عن الإحصاءات من مصادرَ ثانوية دولية متفاوتة في التواريخ، وهذا من المآخذ على الإحصاءات الواردة هنا).
• يبلغ السكان المواطنون الآن (27,700,000)، بينما يبلغ عدد الوافدين حوالي (13,163,970).
(يتبع التنويه السابق أن الأرقام تتغيَّر بسرعة مذهلة، وحيث إن منطقة الخليج العربية قد تأثَّرت بما تأثَّر به العالم في الأزمة الاقتصادية الأخيرة (رمضان 1429هـ/ سبتمبر 2008م)، فإنه من المتوقع أن تتغير التركيبةُ السكانية، عندما تُسرِّح بعض الدول الخليجية أعدادًا كبيرة من العمال الوافدين).
يُتوقع أن يبلغ سكان المنطقة بحلول سنة 1435هـ – 2015م (39,660,419) مقسمة على النحو الآتي:
الدولة |
عدد السكان |
معدل النمو |
الإمارات العربية المتحدة |
4,488,000 |
1,5 |
مملكة البحرين |
146,209 |
1,5 |
المملكة العربية السعودية |
31,000,000 |
2,4 |
سلطنة عمان |
4,100,000 |
3,2 |
دولة قطر |
1,226,210 |
1,4 |
دولة الكويت |
2,800,000 |
2,5 |
الإجمالي |
39,660,419 |
1,93 |
• المصدر: تقرير التنمية البشرية لعام 2001م، ص 154 – 155.
• تبلغ نسبة عدد الوافدين لسنة 2006م ما لا يقلُّ عن 72% من إجمالي قوة العمل في المنطقة[9]، كما تبلغ حوالي 95% من قوة العمل في القطاع الخاص[10].
كما تبلغ نسبة الوافدين إلى السكان 80% في الإمارات العربية المتحدة، و70% في دولة قطر، و50% في مملكة البحرين، و37% في المملكة العربية السعودية، ولا تتوافر إحصائياتٌ لدى الباحث عن سلطنة عمان ودولة الكويت.
الجدول الثاني يبين عدد الوافدين العاملين والمرافقين لهم في منطقة الخليج العربية مع نهاية القرن الميلادي المنصرم:
• الجدول الثاني: إحصائية بعدد العاملين الوافدين، دون المرافقين، في منطقة الخليج العربية للعام 1426 – 1427هـ/ 2005 – 2006م.
الدولة |
البيانات |
الإمارات العربية المتحدة |
2,187,086 |
مملكة البحرين |
260,917 |
المملكة العربية السعودية |
6,144,236 |
سلطنة عمان |
859,000 |
دولة قطر |
427,821 |
دولة الكويت |
1,174,000 |
• المصدر: المملكة العربية السعودية، وزارة الاقتصاد والتخطيط، مصلحة الإحصاءات العامَّة، 1425/ 1426هـ – 2005م.
• المصدر: منظمة العمل الدولية: تقرير الاستخدام في العالم 1998 – 1999م.
الجدول الثالث: إحصائية بعدد العاملين الوافدين والمرافقين لهم:
عدد العاملين |
10,238,643 |
عدد المرافقين |
2,925,326 |
• نسبة الوافدين إلى المجموع الكلي: 32%، ونسبة الوافدين إلى المواطنين: 48%، وتصل نسبة الإناث من الوافدين إلى 30,5%[11].
هناك تفصيلات وجداول وتحليلات جيدة حول وجود العمال الوافدين في منطقة الخليج العربية وآثارها الأمنية والاجتماعية والأخلاقية، والبحث في تهيئة الموارد البشرية المحلية لدى باقر سلمان النجار في كتابه: (حلم الهجرة للثروة: الهجرة والعمالة المهاجرة في الخليج العربي)[12].
[1] انظر: فهد بن سعد الدوسري، مدى خضوع انتقال وإقامة العمالة الأجنبية وتوطين الوظائف لاتفاقيات منظَّمة التجارة العالمية – محاضرة – الرياض: الغرفة التجارية الصناعية بالرياض.
[2] المادة الخامسة والأربعون من نظام العمل والعمَّال، الصادر بالمرسوم الملكي ذي الرقم م/ 21 والتاريخ 6/ 9/ 1389هـ.
[3] المادة السادسة والعشرون من نظام العمل، الصادر بالمرسوم الملكي ذي الرقم م/ 51 والتاريخ 23/ 8/ 1426هـ، بناءً على قرار مجلس الوزراء ذي الرقم 219 والتاريخ 22/ 8/ 1426هـ.
[4] انظر: باقر سلمان النجار، حلم الهجرة للثروة: الهجرة والعمالة المهاجرة في الخليج العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001م، ص 117.
[5] انظر: ممدوح عبدالحميد عبدالمطلب، الاتِّجار بالبشر، مجلة البحوث الأمنية، ع 34 (8/ 1427هـ – 9/ 2006م)، ص 81 – 131.
[6] انظر الملحق في نهاية هذه الوقفات؛ حيث يعالج الباحث مشكلة المتاجرة بالتأشيرات وتأثيراتها الاجتماعية.
[7] انظر: ناصر ثابت، التحدي الاجتماعي أحد التحديات الحضارية والغزو الثقافي في دول الخليج العربي – الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1987م – ص 362، نقلًا عن: باقر سلمان النجَّار، حلم الهجرة للثروة: الهجرة والعمالة المهاجرة في الخليج العربي – مرجع سابق – ص 190 – 191.
[8] انظر: باقر سلمان النجار، حلم الهجرة للثروة: الهجرة والعمالة المهاجرة في الخليج العربي، المرجع السابق، ص 117.
[9] انظر: المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، نظم معلومات سوق العمل في إطار التشغيل وتنمية الموارد البشرية والبحرية، المنامة: المكتب، 1419هـ/ 1998م، ص 224.
[10] انظر: يوسف خليفة اليوسف، العولمة واقتصاديات دول مجلس التعاون، ص 75 – 98، في: مركز دراسات الوحدة العربية، المجتمع والاقتصاد أمام العولمة، بيروت: المركز، 2004م، ص 18.
[11] ينقل باقر سلمان النجار عن عبدالرزاق فارس الفارس (1998م) أن عدد العمال الوافدين في المنطقة قد وصل سنة 1425هـ/ 2005م 15,579,000 عامل، وسيصل سنة 1430هـ/ 2010م 18,303,000 عامل، وسيصل سنة 1435هـ/ 2015م 20,848,000 عامل، انظر: باقر سلمان النجَّار، حلم الهجرة للثروة: الهجرة والعمالة المهاجرة في الخليج العربي – مرجع سابق – ص 200.
[12] انظر: باقر سلمان النجار، حلم الهجرة للثروة: الهجرة والعمالة المهاجرة في الخليج العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001م – 216 ص.