الفوتوغرافيا فى مصر.. رحلة الفرنسيين للموجة الأولى من التصوير تبدأ بالإسكندرية
ثقافة أول اثنين:
سافر المصور والرسام الفرنسى فريديريك أوجست أنطوان جوبيل فيسكيه الذى عاش بين عامى 1806و1893 إلى الشرق بصحبة عمه الفنان الفرنسي إميل جان هوراس فيرنيه (1789-1863)، وكان والده وجده رسامين مشهورين أيضًا فى فرنسا، ولم يكن الهدف من الرحلة تصوير مشاهد فى الشرق فقط بل تسجيل وقائع الحياة اليومية عبر الصور الفوتوغرافية من أجل نشرها فى كتاب رائد يضع الفرنسيين أمام حقيقة بلدان الشرق لأول مرة فى القرن التاسع عشر.
انطلقت المجموعة من مرسيليا في أكتوبر 1839 وبعد مالطا، وصلوا إلى جزيرة سيروس، حيث يصف جوبيل فيسكيه السوق والميناء والمطاحن والمتاجر والمقاهي التقليدية.
واصل المسافرون طريقهم إلى سانتورينى وكريت وسميرنا، ثم زاروا بعد ذلك مصر “الإسكندرية، النيل، القاهرة”، الأراضي المقدسة، سوريا، وأقاموا لفترة قصيرة في القسطنطينية.
وقد وصفت لحظة الوصول إلى مصر تلك في كتاب رحلة هوراس فيرنيه إلى الشرق حيث قال جوبيل فيسكيه في ذلك الكتاب عن الأسكندرية: أرض منخفضة في الأفق تمتد أمامنا، ثم غابة من الصواري متشابكة الحواجز، تنشأ تدريجيًا مثل الغطاء النباتي المفاجئ بين الصخور، تُدافع عن مدخل الإسكندرية أنها من المدن التجارية الأولى في العالم، وبها قناصل من جميع الأمم يبلغ عدد سكانها حوالي ستون ألفًا، موزعين كالتالي: عشرون ألف عربي، ستة آلاف عثماني، عشرة آلاف يهودي، وخمسة آلاف أوروبي ليس من ضمنهم عدد الأجانب المارين بالمدينة ويشتغلون بالتجارة يوجد بها ثلاثون مسجدًا، ومستشفى وثكنات عسكرية، ودار للطباعة، ودار للجمارك، وقصر وخط تلغراف أنشئ حتى القاهرة.
عادت المجموعة إلى فرنسا في فبراير 1840 إذ كانوا يعتزمون طباعة نماذج داجيروتيب بمناظر الشرق لطبعة مهمة تحتوى على صور بهذه التقنية الجديدة، والتى نشرت فى باريس عام 1842 بعنوان “Les excursions daguerriennes”
ويمتلئ كتاب جوبيل فيسكيه عن رحلته إلى الشرق بالمشاهد الساحرة مع أوصاف جذابة للحياة اليومية فى الأراضي التى زارها، إلى جانب روايات عن تجاربه الشخصية تم تزويد الطبعة بمطبوعات حجرية ملونة، تتوافق مع تيار الاستشراق الذى فتن الفنانين الأوروبيين، خاصة في القرن التاسع عشر ونجح المؤلف في إثارة إعجاب قرائه من خلال الموازنة بين خطابه والصور الاستشراقية التي تزين الكتاب.
أحد المعابد الأثرية
كانت أولى محطات جوبيل فيسكيه فى التصوير بالشرق، مع والى مصر محمد على باشا، فى قصر رأس التين بالإسكندرية، ولم تخل المهمة من الإثارة والمتاعب وهو ما رصده جوبيل فى كتابة رحلة هوراس فيرنيه إلى الشرق حيث يقول: “على رتل من الحمير نذهب يوم السابع من نوفمبر إلى قصر رأس التين، تم إعداد كل شئ بدقة مسبقاً، نائب الوالى إبراهيم باشا ينتظرنا بفارغ الصبر وحوله الحاشية صامتون مثل الجدران، وفى عملية تستغرق دقيقتين فقط، كان وجه محمد على مشحون بالاهتمام، وعلى الرغم منه تكشف عيناه حالة من الاضطراب، ازدادت عندما غرقت الغرفة فى الظلام استعداداً لوضع الألواح فوق الزئبق، خيم الصمت المقلق والمخيف على الجميع، الأعناق ممدودة للأعلى، لم يجرؤ أحد منا على الحركة أبداً.. وأخيراً انكسرت حدة السكون بفعل الصوت المفاجئ لاشتغال الثقاب، ومع البرق الفضى ينعكس شكل رائع لذلك الوجه البرونزي، محمد على يقفز من مكانه مقبضاً على سيفه الذى لم يتخلى عنه لحظه وكأنه يخشى مؤامرة أو تأثير غامض، ويقطب حاجبيه البيضاء ويسعل .. ليتحول نفاذ صبر الوالى إلى تعبير محبب للاستغراب والإعجاب ويصيح : هذا من عمل الشيطان!”.
وفى نهاية 1859 وصل الإيطالى أنطونيو بياتو (1830 – 1906) وشقيقه إلى القاهرة وظل هناك عامين قبل أن ينتقل إلى الأقصر حيث افتتح استوديو للتصوير الفوتوغرافى عام 1862 (حتى وفاته عام 1906) وبدأ فى إنتاج الصور السياحية للأشخاص والمواقع المعمارية بالمنطقة، وفى أواخر ستينيات القرن التاسع عشر، بدأ أنطونيو فى شراكة مع المصور الفرنسى هيبوليت أرنو. شكلت صور بياتو لمصر نمط مختلف عن المصورين الآخرين العاملين فى المنطقة. ففى الوقت الذى ركز فيه معظم المصورين على عظمة الآثار والعمارة، ركز بيتو على مشاهد من الحياة اليومية. كما استطاعت عدسة بياتو توثيق حدث فريد فى مصر عام 1864، بعد تصويره لزيارة أعضاء بعثة الحاكم “إيكيدا ناجاوكي” اليابانية، الذين كانوا يزورون مصر فى طريقهم إلى فرنسا.
الريف المصري من أعمال أنطونيو بياتو عام ١٨٦٥