الفرقان بين الحق والبطلان لابن تيمية تحقيق حمد العصلاني
الفرقان بين الحق والبطلان لابن تيمية تحقيق حمد العصلاني
صدر حديثًا كتاب “الفرقان بين الحق والبطلان”، لشيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني (ت 728هـ)، راجعه وصححه وعلق عليه: د. “عبدالرحمن بن صالح المحمود”، دراسة وتحقيق وتعليق: د. “حمد بن أحمد العصلاني”، نشر: “دار أجيال التوحيد للنشر والتوزيع”، و”دار الدليقان للنشر والتوزيع”.
وهذا الكتاب آخر ما ألف شيخ الاسلام، في آخر عمره كما ذكر في بعض النسخ الخطية في سجنه الأخير في قلعة دمشق، وقد جعلها ابن القاسم ضمن مقدمات في التفسير في المجلد الثالث عشر ضمن مجموع الفتاوى، لأنه رأى شيخ الإسلام أطال النفس في أول الرسالة مبينًا معنى الفرقان في كتاب الله تعالى والآثار الواردة في تفسيره عن السلف والأئمة رحمهم الله تعالى.
وتدخل هذه الرسالة ضمن رسائل شيخ الإسلام التأصيلية المتميزة، وترجع أهميتها لأمور:
أحدها: أنها خلاصة علم شيخ الإسلام حيث كتبها في آخر عمره، ومن عرف موسوعية هذا الإمام وإحاطته بالمذاهب والأقوال والفرق والطوائف وأصول مذهبها، وتأثرها وتأثيرها، أدرك أهمية هذه الخلاصة التي كتبها شيخ الإسلام بيانًا للحق، ونصحًا للأمة.
الثاني: أن الشيخ أراد بها بيان الفرق بين الحق والباطل، وأكثر المشاكل في العلم والقول والعمل قائمة على التباس الحق بالباطل، والدعوات الجاهلية اليوم تريد محو الفارق بين ما جاءت به الرسل من الهدى والتوحيد والنور والشريعة الكاملة الهادية وبين ما تدعو إليه الجاهليات من الشرك والباطل والضلالات باسم الحرية والمساواة وإلغاء الفوارق الإيمانية والشرعية.
الثالث: أن تأصيل مسألة الفرقان التي شرحها شيخ الإسلام في هذه الرسالة ضرورية لكل مسلم، وطالب العلم بشكل أخص نظرًا لما عند الفرق وأصحاب المذاهب من الدعاوى العريضة في أن مذهبهم هو الحق.
وهذه الرسالة تعين في الجواب عن سؤال: ما الفرق بين الحق والباطل، أو كيف ندلل على أن مذهب السلف أهل السنة والجماعة هو الحق؟
الرابع: ذكر الشيخ أنواعًا من الفرقان جاء بها القرآن والسنة، وجاءت بها الشريعة منها:
1) الفرقان بين الخالق والمخلوق، في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وأكثر ضلال الطوائف والفرق مبني على عدم تحقيق هذا الفرقان، فالشرك في الربوبية والشرك في الألوهية والقول بوحدة الوجود وتعطيل الله عن أسمائه وصفاته، وتشبيه الخالق بالمخلوق أو المخلوق بالخالق وتعطيل حكمه وشرعه وغير ذلك من أصول الضلالات القديمة والحديثة مبني على الإخلال بهذا الأصل والفرقان.
2) الفرقان بين المعروف والمنكر، والطيب والخبيث، فأمر بهذا ونهى عن هذا وحرمه.
3) الفرقان بين أهل الحق المهتدين المؤمنين المصلحين أهل الحسنات، وأهل الباطل الكفار الضالين المفسدين أهل السيئات، قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الجاثية: 21].
الخامس: في مقابل قاعدة الفرقان قرر الشيخ قاعدة المساواة في الأمور المتماثلة، كمساواة الناس في العبودية لله والعمل الصالح لا فرق في ذلك بين الملك والمملوك، والرجل والمرأة فالكل في التكليف المقتضي للعبودية لله تعالى وطاعته – كل حسب استطاعته – سواء، وكالكفر والشرك أهله في أحكامه سواء، وكما أن سنة الله لا تتبدل ولا تتحول، بالاعتبار في أحوال الظالمين، وهذا يفيد أن من عمل مثل أعمالهم جوزي مثل جزائهم.
السادس: ذكر ابن تيمية في هذه الرسالة تحليلًا دقيقًا لأصول الفرق الضالة وطرائقها في الاستدلال، ومواقفها من أدلة الكتاب والسنة، ولوازم مذاهبها، ودرجات انحرافها، وما قد يقع فيه بعضها من الجمع بين النفاق والبدعة.
السابع: الرسالة لا تخلو من لفتات منهجية تربوية عميقة، وتحليلات نفسية دقيقة كقول شيخ الإسلام عن قول المبطل: “إنه وإن اعتقد مرة، إلا أنه عند الحقيقة يخونه، كالذي يشرك بالله يضل عنه ما كان يدعو من دون الله، وكذلك الأفعال الباطلة يعتقدها الإنسان وعند الحقيقة تخونه ولا تنفعه، بل هي كالشجرة الخبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، وكذلك مقالات أهل البدع”.
وبذلك يعد (الفرقان بين الحق والبطلان) من أواخر ما كتبه شيخ الإسلام، أفرغ فيه الشيخ علمه، وقمع فيها خصومه، وأبرز اعتقاد السلف ونصره، وهو مسجون مظلوم في سجنته الأخيرة بدمشق التي وافته المنية فيها.
وقد انقمست دراسة هذه الرسالة إلى قسمين:
القسم الأول: ويشتمل على فصلين:
الفصل الأول: ترجمة المؤلف، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: بعض ما قيل فيه.
المطلب الثاني: اسمه ونسبه، مولده ونشأته، صفاته الخلقية والخُلقية، عبادته، شعره وأدبه، أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، جهاده، محنه، موقفه من خصومه، وفاته.
المطلب الثالث:طلبه للعلم، شيوخه، تلاميذه، مؤلفاته.
الفصل الثاني: دراسة الكتاب، وفيه إحدى عشر مطلبًا:
المطلب الأول: تسمية الكتاب.
المطلب الثاني: موضوع الكتاب.
المطلب الثالث: نسبته للمؤلف.
المطلب الرابع: تاريخ تأليف الكتاب.
المطلب الخامس: الفرق بينه وبين رسالة الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
المطلب السادس: طبعات الكتاب.
المطلب السابع: مخطوطات الكتاب.
المطلب الثامن: مصادر المؤلف في الكتاب.
المطلب التاسع: بعض لطائف المؤلف في الكتاب.
المطلب العاشر: فوائد علمية من الكتاب.
المطلب الحادي عشر: السقط والتصحيف في الكتاب.
القسم الثاني: تحقيق الكتاب وخدمته خدمة علمية لائقة به على نسخه الخطية المتاحة، وهما نسختان كاملتان:
1) نسخة مكتبة الجامعة الإسلامية، وهي مصورة من مكتبة الشيخ محمد حامد الفقي.
2) نسخة مركز المخطوطات والتراث والوثائق بدولة الكويت، وهي مصورة من دار الكتب المصرية.
وقد ختم الكاتب الدراسة والتحقيق بخاتمة علمية تلخص نفائس العلم والعمل التي أنارها شيخ الإسلام وبينها في هذا الكتاب، مع بيان بعض التوصيات المتواضعة في حياة شيخ الإسلام العلمية والعملية.
ووضح الكاتب أن “الفرقان بين أولياء الرحمن والشيطان” رسالة أخرى تختلف عن تلك الرسالة “الفرقان بين الحق والبطلان” فالأول مخصص في الرد على الصوفية، بينما كتابنا يرد على كبار الفرق كالخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية والرافضة والأشاعرة والصوفية والنصارى.
وللكتاب طبعات قديمة كثيرة اشتهر منها طبعة مجموعة الرسائل الكبرى بعناية الشيخ محمد رشيد رضا، وطبعة مجموع الفتاوى بعناية الشيخ عبد الرحمن بن قاسم وابنه، وهناك طبعات أخرى حديثة كطبعة دار البيان بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وطبعة دار الحمى بتحقيق الشيخ أبي الأشبال الزهيري.
وقد بين شيخ الإسلام في تلك الرسالة أنه لا يوجد مسألة من مسائل الدين إلا وقد تكلم فيها السلف، قال: “لم يبق مسألة في الدين إلا وقد تكلم فيها السلف، فلابد أن يكون لهم قول يخالف ذلك القول أو يوافقه، وقد بسطنا في غير هذا الموضع أن الصواب في أقوالهم أكثر وأحسن، وأن خطأهم أخف من خطأ المتأخرين” لذا ملأ ابن تيمية كتابه باقتباسات وأقوال السلف في تلك المسألة، واعتمد على استنباطاتهم في بيان الفرقان بين الحق والبطلان.
وصاحب الرسالة هو ابن تَيْمِيَّة (661 – 728 هـ = 1263 – 1328 م) أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقيّ الحنبلي، أبو العباس، تقي الدين ابن تيمية.
• الإمام، شيخ الإسلام. ولد في حران وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر.
• وطلب إلى مصر من أجل فتوى أفتى بها، فقصدها، فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة، ونقل إلى الإسكندرية.
• ثم أطلق فسافر إلى دمشق سنة 712 هـ واعتقل بها سنة 720 وأطلق.
• ثم أعيد، ومات معتقلًا بقلعة دمشق، فخرجت دمشق كلها في جنازته.
• كان كثير البحث في فنون الحكمة، داعية إصلاح في الدين، آية في التفسير والأصول، فصيح اللسان، قلمه ولسانه متقاربان.
• وفي “الدرر الكامنة” أنه ناظر العلماء واستدل وبرع في العلم والتفسير وأفتى ودرّس وهو دون العشرين.
• جاهد بالقلم والسيف، ومن المعارك التي شارك بها معركة “شقحب” ضد التتار سنة 702 هـ، وانتهت بانتصار الجيش المصري الشامي.
أما تصانيفه ففي “الدرر” أنها ربما تزيد على أربعة آلاف كراسة، وفي “فوات الوفيات” أنها تبلغ ثلاث مئة مجلد، منها:
• (الجوامع) في السياسة الإلهية والآيات النبويّة، ويسمى (السياسة الشرعية).
• (الفتاوى) خمس مجلدات.
• (الإيمان).
• (الجمع بين النقل والعقل).
• (منهاج السنة).
• (الفرقان بين أولياء الله وأولياء الشيطان).
• (الواسطة بين الحق والخلق).
• (الصارم المسلول على شاتم الرسول).
• (مجموع رسائل) فيه 29 رسالة.
• (نظرية العقد) كما سماه ناشره، واسمه في الأصل (قاعدة) في العقود.
• (تلخيص كتاب الاستغاثة) يعرف بالرد على البكري.
• (الرد على الأخنائي).
• (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) رسالة.
• (شرح العقيدة الأصفهانية).
• (القواعد النورانية الفقهية).
• (مجموعة الرسائل والمسائل) خمسة أجزاء.
• (التوسل والوسيلة).
• (نقض المنطق).
• (الفتاوي).
• (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية).
• (مجموعة) أخرى اشتملت على أربع رسائل:
الأولى رأس الحسين (حقق فيها أن رأس الحسين حمل إلى المدينة ودفن في البقيع).
والثانية الرد علي ابن عربي والصوفية.
والثالثة العقود المحرمة.
والرابعة قتال الكفار.
ولابن قدامة كتاب في سيرته سماه (العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية).