خالد دومة يكتب: بعد سنوات من الشك
ثقافة أول اثنين:
إنه الشك المضني, يشق النفس بسكينه الحاد, يقطعه على مهل وببطيء, وماذا تفعل؟ أي جواب, وأي إرادة تستطيع أن تقف في وجهه, أو توقف نزيفه, إنه يستنزف الجسد عضوا عضوا, قطعة قطعة, ذلك البئر الذي لا قرار له, ولا نهاية لأعماقه.
إنك تلقي بحجر ضخم, على أن تسمع وقعه, فلا يأتي صوت, يخبرك بأن على مسافة ما نهاية, تصل إليها, إنه لا صوت, حيث لا نهاية, ولا قرار, يطاردك في أوقات صعبة, حين تخلو بنفسك, أو حين تأوي إلى الفراش؛ لتنام, لترتاح من عناء يوم, أجهد الجسد طوال النهار, ما تحمل فوق أكتافك من صخور, على أمل أن يأتي المساء, فإذا أويت إلى الفراش, ووضعت رأسك على الوسادة, تأخذ نفس عميق, فلا تشعر بخروجه إلا وأنت مستيقظ في الصباح الباكر. هذه الأمنية والأمل لم يحدث ما تتمنى, ولكن صراع من أجل أن تطرد الأفكار, التي تهجم عليك, حلبة صراع.
قوتان غير متكافئتين, يظل العراك قائم, والضرب لا هوادة فيه, تنهال اللكمات والضربات, في الجسد المضطرب المنهك من تعب اليوم, ورغم ذلك فصراع الأفكار في الليل, وعند النوم يقتل الروح مرات ومرات, وأثقل على الجسد من عناء العمل, وحمل الصخور, أنا هنا أمدد جسدي, ولكن الصراع قائم في مخيلتي, كأنه حقيقة واقعة, أراه رؤية العين, وأشعر به ألم يخترق جسدي, إنه الشك اللعين, الشك الذي لا يفضي إلى شيء, ولا ينتظر, ولا يتوقف عن هدمك.
حتى وأنت على فراشك الوثير الناعم, يتحول إلى جحيم ونار, تظل تتلوى عليه وتتحطم. ولك أن تتخيل ألآف من الخيالات, التي تهبط عليك, كلها تفتك بالروح, إن الشك صخرة ضخمة, تحملها فوق رأسك, تمشي بها في شوارع مظلمة, مليئة بالحفر, لا أحد يشعر بك, ولا يشعر شعورك, ولا يتألم لألمك, إنك تمضي وحيدا, كسير القلب, إنه في نهاية الأمر شعور من الألم, لا يوصف, كأنه سرطان يمتد ويتشعب ويتوغل, في أنحاء الجسد, والكل ينظر إليك, ربما يتعاطف معك, لمرأك ولكن لا يحس, بما يسكنك من الجحيم الذي لا يطاق, إنها أمواج تتلاطم, وبحر هائج, وغبار متفاقم, من أثار حرب نفسية طويلة الأمد, لم يكن النوم ليأتي بسهولة, كنت أحيانا أتحايل عليه, أقرأ من واحد إلى ألف, وأدخل الحرب, وأخرج, وأظل هكذا حتى تمر ساعتان, أو ثلاث, حتى أختنق من كثرة الغبار, والضجيج, وأنال ضربة قوية, توقف العقل لحظة, فأنام على أثرها, لأقوم في الصباح مجندل, من أثر الطعنات, الليلية, أجر جسدي إلى الحمام, واضع رأسي تحت مياة الحنفية, لأستفيق وأكمل الجهاد, وعذاب الجسد, بعد سنوات قد يألف الإنسان ما يظن إنه شيء مهول, يستهوله في البداية, يستنكره ولا يتخيل أن يوم ما سوف يفكر في أمر كهذا, دون أن يقتل أو يذبح, أوتنتابه جلطة, تقضي عليه, ومع مرور الوقت, يصبح ما كان مستحيلا مألوفا, يفكر ويعيد فيه التفكير, ويتعايش معه, ويحاول أن يتغاضى عن أشياء, لم يكن تتطرأ على ذهنه, يفكر في الحلول, وينظر في وجوه.
عرف أنها طعنت في ظهره مرات كثيرة, ولكنه لا يلقي بالا لذلك, وأن الشك صار حليف, بعد أن كان عدوا, إن الهدنة, التي أقامها بينهما جعلته يفكر في الإستسلام, وعدم المكابرة, وأن الأمر يحتاج إلى عقل, وأن الأمر واقع, لا شك فأمر الشك, قد أنتهى وأفضى إلى يقين ذاتي, له دلالات, ولكنه لن يكون واضح وضوح الشمس, ولا ينبغي له, أن يكون واضحا جدا, فهذا أمر لا يتحمل إنسان, ولن يكون في مصلحته, يكفي الإشارات الظاهر, التي يبني عليها نتائجه, ومن ثم يتحرك, ويفكر ويخطط للأمر أننا سوف نواجهة أخطار وأخطار, فلماذا نجعلها نهاية المطاف, وأن حياة الناس كلها تمر ما بين الظاهر والباطن, وأنهم جميعا لهم طبائع راسخة, مهما كان هناك من اختلاف, فهي إما أن تكون بالزيادة, أو بالنقص, ولكنها موجودة راسخة, في الجميع, كنت أحاول أن أكون منطقيا, أخفف من حدة الواقع, الذي أعيش وأفهمه ولا أتجاهل الطبائع الراسخة الكامنة فينا.