مظاهر السجالات الأدبية في كتاب “الاختلاف أفسد للود قضية” لـ عبد الله الحسني
ثقافة أول اثنين:
واعتبر “الحسني” في مقدمة كتابه، أنّ الحوارات الثقافية هي “المِحرار” – “ميزان الحرارة” الأصدق، لقياس درجة حرارة أي مشهد ثقافي؛ فمن خلالها، نستبطن أفكار مثقفينا وكُتّابنا على اختلاف أشكال حضورهم، ونلامس خفايا آرائهم، ونعرف تشكُّل توجهاتهم، ونقف على الكثير من ملامح شخصياتهم وما يساهم في فهمهم وتبيُّن دلالات هذا الحضور وقيمته، وغيرها من النتائج والآثار اللتين تجلوان الصورة الحقيقية للمشهد الثقافي بشكل عام، وتجسّ مدى حيويّته وديناميكيته، أو سكونه وتمكُّثه في مناطق حضور صقيعي بارد لا روح فيه.
كتاب الاختلاف أفسد للود قضية
وأشار عبدالله الحسني، إلى أن نشر ما جاء في كتابه الجديد بشأن قضايا الترجمة والسجالات الأدبية له دواعٍ مُبرّرة ومُسوّغة، فهي لقناعة بأنها ذات بُعد ثقافي ومعرفي راهني؛ وهو بُعْد وصفه بأنه “يكسر قيود الزمن”، ويجعل منها عملاً صالحاً لأن يُقرأ- ولو بعد عقود من السنين- من الآن، ويُحدِث ذات الدهشة والقيمة؛ والعبرة والرهان الحقيقيين بالأثر والفائدة اللتين يمكن اقتطافهما من عناقيد إجابات مَنْ تمَّ محاورتهم ومواجهتهم، على اختلاف أفكارهم، ورؤاهم، وتلاوين اهتماماتهم؛ فضلاً عن وضع القارئ في مواجهة صادقة مع المثقف بشكل عام؛ باعتباره كائن “بيوثقافي” ذي نزعات بشرية تجعلنا نوقن بعاديّة خروجه عن هدوئه وَسَمْتِهِ اللذين تُضفيهما عليه الثقافةُ، وَوَصْفِه بالمثقف، أو المُفكّر، أو الكاتب عموماً.
وأكد على أن تلك الحوارات تكتسب أهمية كبيرة بحكم طابعها الجدلي السجاليّ ستكون شاهد عصر، وسجلاً تدوينياً للحركة الثقافية آنذاك، فلا غنى لباحث وراصد للحركة الثقافية عنها ولا يمكن تجاوزها؛ فضلاً عن قناعة راسخة لديّ بأن الفكر والثقافة والإبداع عموماً تأخذ طابع الخلود والديمومة والاستمرارية؛ وكما يشير جي إم كوتزي إلى أن ” تاريخ الإبداع الإنساني هو تاريخ التخصيب المتبادل بين الأفكار خارج حدود الجدران والحدود المصطنعة”.
وقد سعى عبدالله الحسني، أن تتخذ موضوعات كتابه طابع المناقشة والاستقصاء الثقافي والفكري القيّم؛ وبما يجعل من نشر تلك الحوارات في كتاب أمر مُبرّر ومُسوّغ، وأن يكون دفْعه بين يدي القارئ في وقتنا الراهن؛ هو فِعْل متّسق مع ما يملك هذا القارئ الحصيف الواعي المتبصّر بشؤون وشجون الفعل الثقافي بكافة تجليّاته؛ وبالتالي يخدم وعيه وتجشّمه عناء القراءة في زمن لاهث وصاخب، زمن بات فعل القراءة فيه ذا طابع طيّاري سريع؛ ولا غرو؛ فالكائن البشري يعيش زمن تغوُّل كل شيء، ويكابد ما لا يرحم من توحّش المادة واستحالته ككائن بشريّ لكائن متشيّئ غاية في المادية.
كما سعت حوارات الكتاب إلى نبذ أي سكون، وحاولت أن تقدّم ما يشفع لكاتبها أن ينشرها، من حيث رهانها على أنها كانت مُتأبّية على الاندثار، وأنها اشتبكت مع أحداث ذات طابع مستدام لا يخضع للراهنيّ أو العابر أو اللحظويّ؛ وإنما أفكار ورؤى وقضايا وإشكالات تمتد ولا تنتهي.
وقد تفاوتت الحوارات التي احتواها كتاب “الاختلاف.. أفسد للود قضية”، من حيث سخونتها، وحدّة بعض ضيوفها، وكذا درجة تقبّل البعض لمضامين طرحها؛ إذ مسّت البعض مسّاً مؤثّراً ظهرت آثاره في إجاباته؛ لكنه مع ذلك لم يمزّق أواصر التقدير ولم يَطَلْ وشائجَ الاحترام بين المتحاورين؛ ففي النهاية، هي حوارات تتغيّا الفائدة، وتروم الوقوف على بعض قضايا الثقافة والكتابة وفنونها؛ وقبل هذا تهجس بتحريك الراكد وتفزيز سكونيّة الساحة الثقافية.