آخر تصريحات خالد خليفة: أماكن طفولتى دُمرت وبقيت وحدى أبكى لأكثر من أربعة أيام
ثقافة أول اثنين:
قبل رحيله بأشهر، كان خالد خليفة، قد تحدث مع صحيفة “الجارديان” عن أحدث رواياته المترجمة، وهو روائي وشاعر وكاتب سيناريو سوري، نالت أعماله وسام نجيب محفوظ للأدب، وهي من أرفع الأوسمة الأدبية في العالم العربي، تمر قصصه المفعمة بالحيوية والساخرة عبر الزمن، ولكنها تتمحور حول مدينة حلب السورية، بالقرب من مكان ميلاد خليفة في عام 1964، والتي كانت ذات يوم واحدة من أعظم المراكز الثقافية والتجارية في العالم.
درس خالد خليفة وقضى حياته المهنية المبكرة في المدينة، لكنه يعيش في دمشق منذ عام 1999، وهو أحد الكتاب القلائل الذين مكثوا طوال الحرب الأهلية المروعة في البلاد.
وقال خالد خليفة، خلال حوار أجرته معه صحيفة “الجارديان”، إنه حاول الكتابة عن العاصمة السورية، لكنه يجد نفسه منجذبًا إلى مدينته الأم. قال: “بعد 50 صفحة، شعرت بأن الكتابة لم تكن جيدة”. لا أعرف عبير دمشق. لذا عدت إلى حلب، ووافقت: حسنًا، هذا مكاني. سأكتب كل كتبي عن حلب. إنها مدينتي وتعيش في أعماق نفسي، في روحي”… وإلى نص الحوار.
تدور أحداث جزء كبير من هذه الرواية في حلب في مطلع القرن العشرين. ما الذي أثار اهتمامك في هذه الفترة؟
كان الربع الأخير من القرن التاسع عشر مثيرًا دائمًا بالنسبة لي. في هذه السنوات بدأت معركة الليبراليين مع المحافظين أو الأصوليين وهنا بدأ مشروع النهضة العربي. لم ينجح بل ترك أثرا على فكرة التعليم والمكتبات والصحافة وتفكيرنا في فصل الدين عن الدولة أو إصلاح الدين.
وبالمثل، فإن المجاعة الرهيبة التي حدثت حوالي عام 1914 مع بداية الحرب العالمية الأولى، عندما صادرت السلطات العثمانية كل ما يمكن أن يؤكل، تاركة الملايين للموت جوعاً. صور المجاعة الجماعية مرعبة، خلال هذه السنوات، كان هناك أمل للعرب في أن ينهضوا وينضموا إلى العالم كشركاء حقيقيين، لكن كل ذلك تم إجهاضه.
كل ما يتعلق بثقافتها في ذلك الوقت، مثل الهندسة المعمارية والموسيقى والأزياء والصحافة، يثير مخيلتي. كانت البداية واكتشاف أشياء مثل المدارس الحديثة والطباعة. وتطلعات مدينتي.. جعلتني أفكر في الخسائر المتتالية في حياتنا والتي لم تتوقف حتى يومنا هذا.
ما حجم التاريخ والخيال فى هذه الرواية؟
لم أرغب في كتابة رواية تاريخية، لذلك تم تصحيح البحث والأخطاء التاريخية بعد أن انتهيت من الكتابة. لم أرغب في الوقوع تحت ثقل الحقائق التاريخية. إنها رواية عن الحب المفقود والموت والتأمل والطبيعة في حياتنا، وعن تكوين القديسين، وعن الأوبئة، وعن الكوارث، وعن محاولة الناس ونضالهم ليكونوا جزءًا من الثقافة العالمية، وعن الصراع بين الليبراليين والمحافظين، عن التعايش الأبدي لهذه المدينة، عن المدينة في وقت كان العالم كله يسعى للانتقال إلى مرحلة جديدة. ومع ذلك، تم إحباط حلب وتدميرها بحيث لم تعد جزءًا من العالم المعاصر.
ما الذى تريد أن يتعلمه السوريون اليوم من صورك لهؤلاء الأشخاص وحياتهم في حلب؟
أريد من السوريين أن يعيدوا قراءة التاريخ، وأن أسأل من طرد السوريين المسيحيين واليهود من مدينتهم – من هم أبناء بلادنا – ومن أحبط مشروعهم الصناعي الكبير ومحاولتهم أن يكونوا جزءًا من العالم المتحضر. والسؤال اليوم من قرر أن الديمقراطية محرمة على هذا البلد؟
من خلال قراءة هذا التاريخ، أريدهم أن يعرفوا أنهم ليسوا مجموعة من الطوائف الدينية، لكنهم أناس يتعايشون بثقافات مختلفة وأصلية. ستساعدنا إعادة قراءة التاريخ الحديث على عدم تكرار أخطاء الماضي بالاعتماد على القوى الخارجية التي لعبت في المنطقة منذ الاحتلال العثماني ودمرت فكرة التعايش فيها.
هل رأيت حلب منذ تدميرها؟
نعم رأيت المدينة لأول مرة منذ الحرب قبل ثلاث سنوات. لقد كانت لحظة مدمرة. طوال فترة الحرب امتنعت عن مشاهدة مقاطع الفيديو والعديد من الصور التي تم بثها طوال الوقت، والتي توثق الدمار الذي لحق بالمدينة. كل أماكن طفولتي دمرت أو كادت تُدمر، وبعد عودتي إلى منزلي في اللاذقية بقيت وحدي لأكثر من أربعة أيام أبكي.
ما الكتب الموجودة بجانب سريرك؟
أنا لا أقرأ كثيرًا في السرير، لكن هناك دائمًا مجموعات شعرية على المنضدة لأصدقاء مثل منذر المصري وهالة محمد وتشارلز سيميتش، ترجمة أحمد محمد أحمد.
أي نوع من القراء كنت عندما كنت طفلاً؟
اكتشفت كتبا في العاشرة من عمري. نحن عائلة فلاحية ليس لدينا أي تقليد للقراءة، ولكن كطلاب، اكتشف شقيقي الأكبر وأصدقائهم كتب اليسار والأدب الروسي وعلم النفس والفلسفة. منذ تلك اللحظة، في أوائل السبعينيات، بدأت رحلتي الشخصية. بدأت في قراءة كتب غير مخصصة للأطفال، مثل قصص تشيخوف، التي لم أفهمها كثيرًا في ذلك الوقت. قرأت في الجامعة معظم الأدب والشعر المترجم في العالم، وأعدت قراءة علم النفس من وجهة نظر فيلهلم رايش، وانفتحت على الأعمال الضخمة مثل موبي ديك وكتب دوستويفسكي. كانت سنوات الكلية سنوات القراءة العظيمة.
إلى أي كتاب أو مؤلف تعود إليه دائمًا؟
دوستويفسكي، وغابرييل غارسيا ماركيز، ونجيب محفوظ، وعبد الرحمن منيف. حاليا أشعر بشوق ورغبة في قراءة أبو علاء المعري ودانتي مرة أخرى.