مجلة الثقافة الجديدة تحتفى بيوبيل طه حسين الذهبي فيى عدد أكتوبر
ثقافة أول اثنين:
تتنوع مواد هذا العدد بين الدراسات والشهادات والملفات؛ إذ شارك فيه نخبة من الكُتاب المصريين والعرب، لا سيما من المغرب والأردن والعراق. فكتب إيهاب الملاح بورتريهًا بعنوان: “مشروع للنهضة المصرية.. البحث ما زال مستمرًا!”، استعرض فيه المحطات المهمة في حياة طه حسين، في الأزهر، وفي الجامعة المصرية، وفي دراسته في السوربون، وكذلك أهم الإنتاجات الفكرية التي أنتجها.
جاء الباب الأول في هذا العدد تحت عنوان: “دراسات”، وقد كتب فيه محمد مشبال دراسة بعنوان: “كيف نتحدث عن الأدب؟ طه حسين وبلاغة التواصل النقدي”، مسلطًا الضوء على تنبه طه حسين في وقت مبكر إلى أن ممارسة النقد الأدبي تحكمها إغراءات الحضارة الحديثة للإنسان بالإقبال على كل ما هو قريب سهل، والعزوف عن كل ما هو بعيد يحمله على بذ الجهد. وجاءت دراسة سامي سليمان أحمد بعنوان: “تعدد الأصوات في خطابه النقدي: قراءة أبي العلاء نموذجًا”، وقد اتخذت هذه الدراسة من ثلاثة كتب خصصها طه حسين للمعري مجالًا لتجريب فرضياته المنهجية، والكتب الثلاثة هي: تجديد ذكرى أبي العلاء، ومع أبي العلاء في سجنه، وصوت أبي العلاء، مؤكدًا أن طه حسين له قارئًا خاصًا، يتملكه شعورٌ دائم بحضور أبي العلاء في عديد من المواقف التي أعلنها العميد أو تأثيره في عدد من الرؤى التي تبناها في لحظات مختلفة. بينما كتب جمال العسكري دراسة بعنوان: “مدرسة دار العلوم”، باحثًا في الحقبة التي تحولت فيها مدرسة دار العلوم إلى كلية دار العلوم، ومسلطًا الضوء على دور العميد في هذا التحول، وكذلك على قضية المنهج التي كانت الأساس الذي شغل طه حسين وجيله من المجددين.
وجاءت دراسة زينب العسال بعنوان: “الريادة في دعاء الكروان”، مؤكدة على أن رواية دعاء الكروان قائمة على الزمن النفسي الداخلي المكتنز، كي يتسق مع الحالة النفسية لبطلة الرواية آمنة. واختتمت الدراسات بدراسة شعيب خلف التي عنونها ب ـ”الهوية والحوار بين طه حسين وعبد الرحمن بدوي”، وفيها يسرد علاقة العميد بأحد تلاميذه -وهو عبد الرحمن بدوي- بوصفه نموذجًا دالًا على الآلية التي كان يتعامل بها طه حسين مع تلاميذه، وكذلك نظرته للتراث باعتدال واضح؛ إذ يأخذ منه ما يناسب عصره ويرفع شأنه ويقيم حضارته وينبي عليه جاعلًا منه أساسًا يتكئ عليه.
في ملف العدد الرئيس ناقش طارق الطاهر تفاصيل جديدة في المعركة التي احتدمت حول كتاب “في الشعر الجاهلي”، مسلطًا الضوء على استمرار تلك المعركة بعد عام 1927، كما يسرد ويناقش أهم المحطات الرئيسة في تلك المعركة، وكذلك يعرض آراء المفكرين والسياسيين فيها، وكذلك مناقشة الكتاب في البرلمان المصري، والبلاغات والقضايا التي رفعها المناهضون لفكره الذي أنتجه في هذا الكتاب، مستعرضًا مطالب علماء الأزهر من وزير المعارف، تلك المتمثلة في مصادرة الكتاب، وإبعاد طه حسين من الجامعة، ومحاكمته، وكذلك تفويض مجلس جامعة القاهرة مديره بتسوية الأمر، مع مراعاة المبادئ الأساسية للتعليم الجامعي، معضدًا آراءه حول تلك المعركة ببعض المستندات التي تنشر مجتمعة للمرة الأولى.
أما في باب الشهادات، فقد تنوعت بين شهادات عامة حول مجمل فكر العميد وإنتاجه الأدبي، وشهادات خاصة حول أعمال أو صفات اتصف بها العميد بعينها، فكتب عمار علي حسن شهادة بعنوان: “نقاش مع أدونيس حول طه حسين وطريقة أخرى للتنوير”؛ إذ يسرد في شهادته تفاصيل نقاش دار بينه وبين المفكر والشاعر السوري أدونيس حول طه حسين، وفيه أكد عمار علي حسن أن طه حسين لم يغير أفكاره أبدًا، وأن المنهج الذي اتبعه في كتابه “في الشعر الجاهلي” لازمه في مختلف كتبه عن الإسلام، مسلطًا الضوء على الثورة المنهجية التي أطلقها العميد وفتحه الباب أمام نزع القداسة عن الآراء والأشخاص الذين مروا في قرون غابرة. كما كتب سعد القرش شهادة بعنوان: “طه حسين بين حداثة منقوصة وفكر لا يجدده المستثمرون للتضليل”، وهي شهادة مرتبطة بشهادة عمار علي حسين، وفيها يؤكد على كون كتاب “في الشعر الجاهلي” ثورة في قراءة الشعر الجاهلي وإعادة النظر في حياة العرب الذين كانوا أصحاب علم ودين وثروة وسياسة، وكذلك كون هذا الكتاب صامدًا منذ مئة عام ضد حملات الضلال والتضليل التي شنت ضده وأنفقت عليها أعمار وأموال المناهضين لفكره. وجاءت شهادة عبد السلام الشاذلي بعنوان: “مرايا الذاكرة الحضارية”، يستعرض فيها علاقة طه حسين مع تلاميذه، مؤكدًا على سبقه إلى الربط بين الحركة الأدبية المعاصرة وتاريخنا الأدبي، وأن الجهود التي تنهض ونهضت بها جامعتنا إنما هي ثمرة طبيعية لأصول البحث الأدبي التي وطدتها محاضراته ومصنفاته ومقالاته التي بثها في تلاميذه؛ إذ واجه مجتمعه مواجهة شجاعة في مجالات كثيرة، منها الدرس الأدبي، وظل نصيرًا للجديد الوعد في مجالات الثقافة المختلفة. بينما كتبت نجاة علي “أيقونة التمرد والوعي الضدي”؛ وفيها استعرضت تلمذتها على يد أساتذة من تلاميذ طه حسين، ينتسبون منهجيًا إلى مدرسته العقلانية، من أمثال: جابر عصفور، وعبد المنعم تليمة، وفاطمة موسى، وغيرهم، فتعلمت من كتبه مواقفه الصارمة وانحيازاته العلمية والأخلاقية دروسًا لا تنسى، تلك التي دفع لها أثمانًا غالية بمنتهى الشجاعة والإخلاص لمبادئه. بينما كتب علاء خالد شهادة بعنوان: “كان أكثر مما توقعوا”، وفيها يؤكد على تأسيسه نظرية وحدة الثقافة العالمية أو المتوسطية وتلك العلاقة الممتدة بين المصريين والمسلمين من ناحية وبين العالم من ناحية أخرى. وكتبت رضوى الأسود عن “المرأة في حياته”، مستعرضة دور زوجته سوزان في حياة العميد من لقاءهما الأول في باريس، ورحلتهما معًا إلى نهايتها بوفاته؛ إذ كانت سوزان معلمته الأولى في طريقه إلى الحرية الفكرية الكاملة.
وأعد “الطاهر” تحقيقًا حول “رسائل تلاميذ ومحبي العميد”، أولئك الذين أصبحوا بمرور الوقت رموز هذا الوطن وتحملوا عبء التنوير مثل أستاذتهم طه حسين، مثل: الناقد د. محمد مندور، د. محمد عبد الهادي شعير، ود. محمد النويهي، وغيرهم، ومن خلال هذا التحقيق يمكن رصد أحول مصر والمصريين على الأصعدة كافة، والرسائل التي يستعرضها ويناقشها هذا التحقيق تُعد تاريخًا مدونًا من قبل شخصيات عشقت مصر وعاصرت طه حسين، ذلك الذي أصبح بالنسبة لتلاميذه ومحبيه بمثابة مؤسسة يقفون على بابها.
أما في باب المقالات، فقد تنوعت بين المقالات التي تدور حول قضية واحدة من قضايا طه حسين، والمقالات التي ناقشت إنتاجاته الفكرية والأدبية والإبداعية، فكتب إبراهيم منصور مقالًا بعنوان: “الفنقلة: من الجدل السفسطائي إلى حرية الفكر”، دار هذا المقال حول لفظة “الفنقلة” التي ذكرها طه حسين في كتاب “الأيام”، ومعنى هذه اللفظة والدلالات المتعلقة بها. وجاء مقال محمود الضبع بعنوان: “طه حسين وثقافة الاختزال”، مستعرضًا القضايا والإشكالات الفكرية التي طرحها العميد، مثل قضية كيف نفهم التاريخ؟ وإشكالية القديم والحديث في كل العصور العربية، وقضية الذوق الأدبي وغيرها. بينما جاء مقال محمد السيد إسماعيل بعنوان: “حياة ثائرة مثيرة: لماذا استمرت “الأيام” كل هذه السنوات في مناهج التعليم؟”، لافتًا النظر إلى أن الأيام لا تخلو من التخييل الذي يجعلها محققة لوظيفتها الأدبية التي تفصل بينها وبين تسجيل مذاكرات السياسية المصرية لحسين هيكل، وأن العمي قد تحول على يديه إلى طاقة إيجابية أطلقت خياله وفضوله إلى معرفة كل ما ومن حوله. وكتب نبيل فرج مقالًا بعنوان: “طه حسين وثورة 1952″؛ إذ كرمته الثورة بوضعه في أعلى المناصب ومنحه أرفع الجوائز، فهو أول من حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب. بينما كتب راشد عيسى “حدائق متعددة في مزهرية واحدة”، مؤكدًا أن طه حسين مؤسسة ثقافية شاملة أو عدة أنهار مضغوطة في مزهرية واحدة، استطاع أن يتجاوز محنة بصره ليجعلها منحة بصيرته الفذة الخارقة للمألوف. وكتب جاسم خلف إلياس مقالًا بعنوان: “طه حسين تنويرًا”، فأكد أن كتاباته قد خلخلت الاستقرار المعرفي في الثقافة العربية، وشرعت أبوابها للابتعاد عن النقل الذي توارثناه من العنعنات. أما عبد العزيز السباعي، فكتب “جناية العصر على طه حسين”، وهو المفكر الذي حظي بحياة فكرية وحزبية متلاطمة، موسومة بالازدهار والنماء في بعض حقول الفكر والثقافة. وتناول مقال محمد خلف كتاب “الفتنة الكبرى”، في أجزائه الثلاثة، وهو الذي قرر فيه العميد أن يقتحم ميدانًا شائكًا ويسلط طريقًا مخضبًا بالدماء، وقد أصبح عنوان هذا الكتاب مصطلحًا تاريخيًا معتمدًا في الدراسات العلمية والأدبية لتلك الحقبة من التاريخ العربي والإسلامي. واختتم هذا الباب بمقال إيمان أحمد يوسف الذي جاء بعنوان: “نور البصيرة يتجلى بفيوضه ورؤيته”، مستعرضة كيف حوَّل طه حسين محنته إلى منحة إلهية غيرت حياته إلى الأبد.
أما في باب الشاطئ الآخر، فكتب جمال المراغي مقالًا بعنوان: “زيديني يا سوزان”، مؤكدًا أن سوزان طه حسين قد تجاوزت وظيفتها كقارئة إلى أن كانت تقوم بتحضير كل جزء قبل قراءته حتى تكون على استعداد لمناقشة طه حسين فيه، وقد كانت تستمتع برؤيته شديدة العمق وفهمه للأمور. وكتبت رشا صالح مقالًا بعنوان: “طه حسين والحوار الخلاق مع الثقافات الأوربية”؛ تستعرض فيه أن طه حسين قد أرجع الفضل إلى كارلو نالينو في معرفة تاريخ الأدب، وكيفية تصنيف المدارس الأدبية، والعلاقات التي نشأت بين الأدب والسياسة من ناحية، وبين الأدب والبيئة من ناحية أخرى، وقد امتدت علاقة العميد بالفرنسية إلى جذور هذه الثقافة من خلال تأصيلها العلمي بأقباله على الثقافة اللاتينية التي تشكل الجذور العميقة للفرنسية.
أما في باب الفن السابع، وهو الباب الذي يتناول أعمال طه حسين التي حُوّلت إلى أفلام أو دراما تليفزيونية، فقد كتب وليد الخشاب “سينما طه حسين: الميلودراما.. الواقعية.. القيمة الفنية”، مؤكدًا على أن العنصر الجامع بين قصصه التي تحولت إلى أفلام هو النوع الفني، فكلها قصص رومانسية تحمل ملامح الميلودراما، وقد كان هناك احتفاء خاص برواية “دعاء الكروان”، والذي ضاعف منه رصيد الفيلم المُعد عنها، باعتباره فيلمًا واقعيًا. وكتبت ناهد صلاح “العميد على الشاشة: حضور إنساني.. صراع وجودي.. اشتباك مع الغرب”، ناقشت فيه علاقته بالسينما والتليفزيون، واكتشافه باريس بوصفها مدينة السينما وأنها تحويل من حلم جميل إلى كابوس مرير، مؤكدة على أنه كان شديد التدقيق في كل التفاصيل المرتبطة بتحويل رواياته إلى أفلام سينمائية أو دراما تليفزيونية، فكان يتردد على مواقع التصوير للتدقيق ومتابعة التصور وأداء الممثلين.
ويستعيد أحمد كمالي “مصر في شهر العميد”، ساردًا الأخبار الصحفية المهمة التي كانت تُنشر في شهر أكتوبر 1973 والمتعلقة برحيل عميد الأدب العربي طه حسين، مع بعض الوثائق والأخبار الصحفية المنشورة في ذلك الوقت.
أما في باب رحلة، فكتب محمود عبد الباري تهامي دراسة بعنوان: “طه حسين مجمعيًا، مسلطًا الضوء على المحطات المهمة في حياة طه حسين التي أهَّلته لعضوية المجمع، وصورة عضو مجمع اللغة العربية في ذهن العميد، الذي كان يرى أن عضوية المجمع هدية وشرفًا وأمرًا غير عادي، فهي ليست مجرد وظيفة يُعين فيها من يُعين ثم يُعزل، وقد أصل لآلية عمل المجمع، وهو ما يسير عليه الآن؛ فهو عمل صامت، لا يبتغي شهرة، ولا يتحصل منه عظيم أجر؛ فالعمل المجمعي إلى اليوم عمل جماعي، تتظافر فيه الجهود، وتتراكم به الخبرات والمعارف.
كما تنشر المجلة في هذا العدد ببليوجرافيا عن طه حسين، تعرض فيها أهم التواريخ في حياته، ومؤلفاته الإبداعية والنقدية والفكرية، وكذلك ترجماته.
وفي مكان، تزور المجلة متحف رامتان، وهو القصر الذي عاش فيه طه حسين، وبعد رحيله أنقذه فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق من مصير قصر يوسف وهبي الذي تحول إلى فندق، كما تستعرض الزيارة أيضًا كرم أسرة العميد التي لم تبخل على الدولة وأعطتها جميع مقتنياته وأوسمته التي حصل عليها طيلة حياته.
ويُختتم هذا العدد بمقال محمد عبد الباسط عيد الذي جاء بعنوان: “دعوة العميد”، تلك الدعوة التي لم يدخر العميد جهدًا في تأكيدها وهي “الروح العملية” أو التفكير العلمي، والدعوة لها، وكذلك حرصه على استمالة الناس إلى ما يكتب بشتى الوسائل.
يذكر أن مجلة الثقافة الجديدة تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، نائبا رئيس التحرير الصحفيتان إسراء النمر وعائشة المراغي، مدير التحرير التنفيذي الناقد مصطفى القزاز، الإخراج الفني عمرو محمد.