ذات تحاول التغيير

ذاتٌ تحاول التغيير
تائه في خفايا الزمن، وفي نوافذ الحياة، يبحث عن ذاته لعله يجدها بين السطور، يحاول أن يعتصر اليأس؛ ليصنع منه رحيقًا يَرْوي به ظمأ نفسه وروحه … يتجول بين صفحات الكُتُب؛ لعله يجد داخلها كلمة تُحيي مسيرته، ومرهمًا يعالج به جرحًا عميقًا، ترك نُدُوبًا داخل الفؤاد، ولم يَمْحُ آثارَه طولُ السنين… يحاكي النفس ويبتسم لها؛ لعلها تنهض وتبرأ من عزلة الإحباط، حتى غدا ذهنه مريضًا بالهمومِ والحسراتِ، كرمالِ صحراءَ غطَّتْ كنزًا فاختفى… يستنجد بمنقِّبي الآثار من المفكرين والأدباء؛ علَّهم يستخرجون أفكارًا مكنوزة لا تُثمَّن ولا تُباع.
نادى بصوتٍ تخنُقه العَبَرَات:
يا مكتشف الأفكار، هَلُمَّ إليَّ، ونقِّب؛ لعلك تُنقذ إنسانًا يصارع سكرات الاحتضار، فلم يجد مُنْصِتًا، فخارت العزائم، وتدافعت الأحزان، لكنَّهُ ما انثنى عن المقصد … فمضى في أسواق الأفكار يسأل عن أدوات تشحذ الهمم، وتسمو بالعقول، فسمع بائعًا ينادي من بعيد: نبيع فكرًا … نبيع فكرًا.
فسأله: ماذا تبيع؟
قال: نستورد أفكارًا من أهل المكر والدهاء، ونبيعها في الأسواق، وما تراه في بلادنا من تحسن الاقتصاد والتوزيع العادل للثروات هو ثمرة ما بِعْناه في الأسواق.
هزَّ رأسه ثم أدار ظهره قائلًا: الفكر الْمُشْتَرَى لولا بخسُه أو سوء قصد أصحابه، ما بيع رخيصًا في المتاجر، فكيف ترجو منه أن يصلح أجسادًا؟ فالأفكار تُقوَّم وتُدعم وتهذَّب، وليست مزادًا واتِّجارًا، فسقيم الفكر لولا فساد فكره ما ثَمَّنه بمال، يا صاحبي، لدينا الكثير من الأفكار المستوردة التي لا تبني وطنًا، ولا تصلح أرضًا، ولا تُحيي عقلًا وجسدًا، فالفكر الصحيح يبقى ثروةً لا بُدَّ أن يرِثَها في قادم الأيام جيلٌ يبني على أساسها أجيالًا … ثم قرر أن يخوض غمار حربٍ يصارع في سبيلها رماح الإحباط، وخناجر الخِذلان.