“محاور الكبار”.. تفاصيل لقاء هيكل وأينشتاين فى الولايات المتحدة الأمريكية وصل لساعتين
ثقافة أول اثنين:
لم يكن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، صحفيًا عاديًا، كما لم يكن تأثيره مقتصرًا على الحدود المصرية، أو البلاد العربية، إنما طافت شهرته الآفاق، وعرف بين قراء العربية وغير العربية، وامتلأ سجله الصحفى بعلاقات ولقاءات مع كبار الشخصيات حول العالم، فى مختلف المجالات، و أجرى كصحفى شاب فى بداية حياته العديد من الحوارات الصحفية فى أواخر الأربعينيات وفى الخمسينيات، مجموعة من اللقاءات الصحفية التى أصبحت فيما بعد جزءا من التاريخ له، وأيضا لهذه الشخصيات الفريدة.
هيكل
فى كتابه “زيارة جديدة للتاريخ”، يبحر هيكل، ونبحر معه فى عالم ملىء بالأحداث والدراما والتشويق وأيضا العلوم، حيث جمع هيكل فى ذلك الكتاب لقاءات عديدة من كبرى شخصيات العالم، ومنهم خوان كارلوس ملك إسبانيا، ويورى أندروبوف، والمارشال مونتجمرى، وأينشتاين، وجواهر لا نهرو، ومحمد رضا بهلوى، ودافيد روكلفر.
يقول هيكل فى تمهيد كتابه، “قد يسألنى سائل لماذا اخترت عددا محدودا أكتب عنه اليوم ضمن كل من قابلت من الكبار وأقول إن ما شدنى إليهم فى هذه الظروف بالذات هو ارتباط أدوارهم التاريخية ومن ثم أحاديثهم معى، وأحاديثى عنهم، بعدد معين من القضايا التى تشغلنى وغيرى”.
فى فصل الكتاب الذى يتحدث فيه هيكل عن أينشتاين، يروى بداية رحلته من القاهرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت الزيارة بهدف تغطية الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كونها أول انتخابات بعد ثورة 52 مباشرة، ولم يكن هيكل ينوى إجراء لقاء مع اينشتاين، إلا أنه تقدم بهذا الطلب، وقوبل من جامعة «برنستون» بالموافقة، على أن يكون الحوار أثناء فترة رياضته اليومية بالمشى، فى الغابات المحيطة بالجامعة، والشرط الثانى، ألا تزيد المقابلة عن نصف ساعة.
يحكى هيكل أنه وصل منزل أينشتاين فى موعده، وفتحت له الباب شقيقته ودعته لإنتظار شقيقها، فأخذ يتفحص المنزل ومكتبة أينشتاين المليئة بالكتب الألمانية، حتى وصل أينشتاين وباغت هيكل بسؤال «هل تعرف الألمانية؟»هكذا بدأ اللقاء بين هيكل وأهم عالم فى القرن العشرين.
يسترسل هيكل: أن أينشتاين قد اطلع على بعض الصحف التى تتحدث عن الثورة المصرية، وكيف أن محمد نجيب تصدر المشهد فى البداية، وأن هيكل نفسه الذى يحاوره الآن، مقرب من الضباط الأحرار، فرد هيكل، “إلى حد ما أعرف بعضهم”، فتساءل هيكل “هل تعرف ما الذى ينوون عمله بأهلى؟”، وأضاف مفسرا، “أهلى من اليهود الذين يعيشون فى إسرائيل”.
وحول النظرية النسبية التى اكتشفها أينشتاين، وأصبحت اكتشاف القرن العشرين، قال أينشتاين لهيكل، «ليس هناك إنسان فى الدنيا يجلس إلى مكتبه أو معمله وفى قصده أن يتكشف نظرية».
وعن القنبلة الذرية التى اخترعها «أوبنهايمر»، يقول أينشتاين للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، كنت أتابع المشروع من بعيد وكان يهمنى ألا يصل إليها هتلر قبلنا، ولكن انتهت النازية ولم تكن هناك حاجة لاستخدام القنبلة وتنفست بارتياح ولكنى فوجئت بإلقاء القنبلة الأولى على هيروشيما والثانية على ناجازاكى، فأصبت بحالة من الغضب والقرف عندما سمعت الأخبار، لأن الحرب كانت قد انتهت بالفعل.
ورغم أن اللقاء بين هيكل وأينشتاين كان من المفترض أن يكون بين ربع ونصف الساعة، إلا أنه بعد جولة من المشى فى محيط منزل أينشتاين، مرت أكثر من ساعة من الحوار بين هيكل وأينشتاين، حيث يشير هيكل إلى انه اعتقد أن المقابلة انتهت، ولكنه فوجئ أن العالم الكبير يدعوه إلى العودة إلى منزله مرة أخرى، ودعاه لفنجان شاى أعده بنفسه.
وخلال جلسة الشاى، سأل أينشتاين هيكل عن الثورة فى مصر، وهل يعرف أحدا من قادتها، فرد هيكل أنه يعرف بعضهم، وعلى رأسهم محمد نجيب، وأيضا المحرك الحقيقى للثورة جمال عبدالناصر، فطلب أينشتاين من هيكل أن ينقل إلى عبد الناصر رسالة مفادها: «هل هو مستعد للسلام مع إسرائيل وما هى الشروط الواجبة على الطرفين لتحقيقه وما الأسلوب الذى يقترحه لبحث القضية مباشرة»، ثم عكف هيكل على نقل رسالة نصية أرسلت إلى أينشتاين من إسرائيل تعرض عليه أن يكون رئيسا لدولة إسرائيل ولكنه رفض، وبالفعل جلس هيكل على مكتب أينشتاين ونقل الرسالة ثم وضعها فى جيبه، وانتهى اللقاء على أمل من أينشتاين أن ينقل هيكل الرسالة إلى عبدالناصر، مع شرط ألا ينشر شيئا عن هذه الرسالة فى الصحف، وهو ما التزم به الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل.