أحمد بن طولون في ذكرى ميلاده.. حكايته مع ابن المُدَبَّر
ثقافة أول اثنين:
تحل اليوم ذكرى ميلاد أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية الذى ولد في العراق في 20 سبتمبر من عام 835 ميلادية، وقد كان أحمد بن طولون والي الدولة العباسية على مصر، ثم استقل بمصر عن الخلافة العباسية، فكان أول من يستقل بمصر، كما استطاع القضاء على الحركات المعارضة له، وتمدد باتجاه الشام بعد تكليف الخليفة أبو العباس أحمد المعتمد على الله له بإخماد الثورات في الشام.
قام ابن طولون بإنشاء مدينة القطائع، والتي اتخذها عاصمة لدولته، وكذلك بنى مسجده المعروف بمسجد أحمد بن طولون، وكان معروفا بالتدين وحسن الخلق ومجالسته العلماء، وقد ورد عن المقريزى في كتاب “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” أنه أثناء فترة حكم ابن طولون كان على الخراج أحمد بن محمد بن المُدَبَّر، وهو من دُهاة الناس وشياطين الكُتَّاب، وكان جبَّارًا قاسيًا في معاملة المسيحيين مبغوضًا منهم ومن المسلمين.
فلمَّا وصلَ أحمد بن طولون أهدى إليه ابن المُدَبَّر هدايا قيمتها عشرة آلاف دينار بعدما خرج إلى لقائه هو وشقير الخادم غلام قبيحة أم المعتز وهو يتقلَّد البريد، فرأى ابن طولون بين يدي ابن المُدَبَّر مائة غلام من الغور قد انتَخَبَهم وصيَّرَهم عُدَّةً وجَمالًا، وكان لهم خَلْقٌ حسنٌ وطولُ أجسامٍ وبأسٌ شديدٌ، وعليهم أَقْبِية ومناطِق ثقالٌ عِراضٌ، وبأيديهم مقارعُ غِلاظٌ، على طرف كل مقرعة مقمعة من فضة، وكانوا يَقِفون بين يدَيْه في حافَتَيْ مجلِسِه إذا جلس، فإذا ركب ركبوا بين يديه فيصير له بهم هيبةٌ عظيمةٌ في صدور الناس، فلمَّا بعث ابن المُدَبَّر بهديَّتِه إلى ابن طولون ردَّها عليه، فقال ابن المُدَبَّر: إنَّ هذه لهِمَّة عظيمة، مَن كانتْ هذه هِمَّته لا يُؤمَن على طرف من الأطراف، فخافَه وكَرِه مقامَه بمصر معه، وسار إلى شقير الخادم صاحب البريد، واتَّفقا على مُكاتَبة الخليفة بإزالة ابن طولون، فلم يكن غير أيام حتى بعث ابن طولون إلى ابن المُدَبَّر يقول له: قد كنتَ — أعزَّك الله — أهديتَ لنا هديةً وقَعَ الغِنَى عنها فردَدْتُها توفيرًا عليك، ونُحِبُّ أنْ تَجعَل العِوَضَ منها الغِلْمان الذين رأيتُهم بين يدَيْك، فأنا إليهم أحوج منك، فقال ابن المُدَبَّر لمَّا بلغَتْه الرسالة: هذه أخرى أعظم ممَّا تقدَّم قد ظهرتْ من هذا الرجل، ولم يَجِدْ بُدًّا مِن أنْ يَبْعَثَهم إليه فتحوَّلَتْ هَيْبة ابن المُدَبَّر إلى ابن طولون، ونقَصَتْ مهابة ابن المُدَبَّر
ولم يلبثْ أحمد بن طولون أنْ عظُم أمرُه وأصبحتْ سلطته تُعادِل سلطة الحاكم مع أنَّه لم يكن — إلى ذلك الوقت — إلَّا نائبَه، فصار الكلُّ يخشَوْنه، وخضَعَ لسطْوَتِه مَن كان يظن أنَّه يقْوَى على معارضته من حُكَّام الأقاليم.