الإدارة بالفطرة…. علم طورته الأحداث
الإدارة بالفطرة … علمٌ طوَّرتْهُ الأحداث
الكثير منا يتساءل: هل علم الإدارة علم حديث، أم علم قديم موجود منذ القدم؟ والحقيقة هذه الإجابة تتضمن الإطلالة لعلــم الإدارة من عدة نوافذ، تُطِلُّ على جوانب الحياة عبر التاريخ.
فمنذ أن خلق الله الكون، وجعل فيه من يعمُره، جعل لكل شخص ما يسمى لدينا بالطابع الذاتي، الذي يدير من خــلاله شـــؤون حياته ونفسه، بل ربما يدير شؤون أسرته وعائلته، ومنهم من كان يتحمل مسؤوليات أكبر، كمن كان مسؤولًا عن قرية أو مــدينة، وهنا نصل إلى أن الإدارة كانت مولودة بالفطرة بيننا، لكنها لم يكن لها علم محدد يعرض مصطلحاتها، أو كُتُب تعبر عن مفاهيمها، أو شـاشة تعرض لنا سماتها وأنواعها، كما نرى الآن في جميع الزوايـــــــا الإعلامية.
وعلى سبيل المثال؛ فالأم في بيتها تسـتطيع أن تـديره بـإدارة فائقة، وتدبر شؤونه، والفلاح في مزرعته يستطيع إدارة شؤونهــــا بدقة واحترافية، وانضبـــــاط لكافة المــواعيد والأوقات، والمعلم كان فيما يسمى في المدارس القديمة بنظام (الكتاتيب) يمتلك خطة دراسية في جوانب خــــــــلايا عقله، ولديه ما يُعرَف بـالإدارة الصَّفِّيَّة ذاتيًّا، برغم أن كل هؤلاء لم يدرســوا علم الإدارة، ولم يتخرجوا من أقسام عناوينها إدارة الأعمال، أو إدارة تربوية، أو إدارة حياتية؛ لذا فإننا نرى أن الإدارة قديمًا كانت بالفطرة، ثم نــالت تطورًا بالغًا مع ظهور التطور الصناعي في النصف الثاني من القرن التاســـــــع عشر؛ حيث اهتمــت بتنظيـــم العلاقة بين أفــــراد المؤسسات في بيئات العمل، وتحديد الخطط والمسارات التي يطمح بها كل مجتمـــــع لتحقيق أهدافه، ووضع المعــايير والخطــوات اللازمة لتنظيم الأعمـــال، وازداد تطورها وتقدمها أكثر خاصة في الآونة الأخيرة؛ فأصبح لهـا جامعات وكليات تضع لها المناهج المخصصة كعلم من العلوم المبنية على قواعد وأسس ودراسة ومفاهيم محددة.
ومن منطلق ذلك انطلق علم الإدارة بما يحمل من معانٍ للقيادة والرقابة، والتحكم والتوجيه، والتنظيم والإجراء والتخطيط، وصناعة وتحديــد الأهداف للحصول على أعلى معدلات النجاح، ليس في مجال واحد، بل شمل ذلك كافة المجالات، وارتبط ذلك بكافــــة العلوم من العلوم الاجتماعية والإنسانية، فلم يعد هناك مجال من المجالات، ولا مؤسسة من المؤسسات تستغني عن دراسة علم الإدارة، والاستعانة بمن يمتلك أدواتها لتنظيم العمل، ســـواء كان المجـــال تربويًّا أو طبيًّا، أو صناعيًّا أو دوليًّا، أو محليًّا أو تجاريًّا، وأصبح للإدارة كيان غاية في الأهمية في كل صفحات الحياة التي نقلبها ونقرأ رواياتها يوميًّا.
ومن هنا تحقق طموح من يمتلك في شخصيته فنون الإدارة، ولكنه كان يبحث عن علم ليضع أقدامه على أراضٍ صلبة من الأسس والقواعد، والقوانين التنظيمية لِما يمتلك من مهارات، بل كان تطور علم الإدارة فرصة عظيمة لمن يشغل منصبًا محددًا، ولكنه لا يعرف كيف يكون ناجحًا إداريًّا في موقعه، فأصبح علم الإدارة بفروعــه ودراســاته أحد المحاور التي سيرتكز عليها ليصل إلى بــر الأمان في إنجاح حياته العملية، وإنجاح من معه في محيط عمله.
لذا فإن عالم الإدارة تطور بتطور الزمن، بل تشعبت شجرة عائلته لتصل إلى عدد هائل من الفروع التي لا نستطيع حصرها وعدَّها؛ فهي تتطور بسرعة الزمن، وتنمو بنمو المؤسسات، سواء من حيث المستويات، أو من حيث المهام والتكاليف، أو من حيث الوظائف والأنشطة العملية والحياتية.