خالد دومة يكتب: الجدار – اليوم السابع
ثقافة أول اثنين:
عندما خرج صوتي للمرة الأولى، باكيا استشرف الحياة، بعينين مغمضتين، لم أكن أعلم، أن البكاء سيستمر طويلا. صراخاتي أسعدت أمي وجدتي، كان رد فعلهم حين سمعوا صراخاتي إبتسامة. كان بطن أمي مريح، الطعام السهل الجيد، والإستغراق في النوم، صوت ضربات قلبي، تستشعره أمي ضربة ضربة، لعله يُسمّع في قلبها. في الأشهر الأولى، لم أكن قد أكتملت، أعضاء غير واضحة المعالم، علقة عالقة في رحم أمي، ذلك الجدار الصلب، كان الطريق إليه شاق، مغامرة شرسة بين ملايين من الحيوانات المنوية، سباق أجهد الجميع، الكل يحاول أن يظفر بالحياة، بالخروج إلى عالم الشمس والهواء، في اللحظة التي أنطلقنا فيها من صلب أبي، كان الأمل يحدو الجميع، بأن يفوز وينتصر في معركته، كنت في الدفقة الأخيرة، سبحت لألتصق بالجدار، كنت في طريقي، أرى الملايين التي تهوي، تسقط مجهدة، تموت من فرط التعب، كان بجواري أخ ذو عزيمة، كنا على على خط واحد من الأمل، والطموح، حفزني وحفزته، لعلنا نصل سويا، لنلتصق بالجدار، فنخرج إلى الحياة سويا، لكن في اللحظة الأخيرة، وقرب النهاية، ونحن على مقربة من الفوز بما نحلم به، في اللحظة الأخيرة، ودون مبرر، سقط أخي، مددت إليه بذيلي، لكنه قد هوى، نظرت إليه وأنا ملتصق بالجدار، أحدث نفسي لماذا؟ بعد كل هذا العناء، ليته مات في بداية الطريق، في منتصف الطريق، تعبنا من أجل أن نلتصق بالجدار، وبعد أن كان بينه وبين الجدار لا شيء يموت، أسفت عليه، وكدر يوما كاملا من فرحتي بالانتصار الكبير الذي حققته، ما أنا وحدي بعد أن سقط الجميع، ما هذا الفراغ، أنني متوج بشيء في رحم أمي، ترى ما يكون؟ أنا نصف كائن الأن، وهذا الشيء يعطني شعور بالقوة والإكتمال، صرت ضعف ما كنت عليه، جسدي بوم ملامح بدأت ملامحه في الظهور بدأت تنبت لي أشياء، تكوين جسدي يتمدد، ثم يتكور، حيزه يزداد، حجمي يكبر يوما بعد يوم، بدأت تنبت لي يدا وأقدام، وعين أبصر بها بعد أن أبصر بلا عين، وأتكلم بلسان وصوت، بعد أن أحدث خيالي ساعات دونه، أنف فم، ماذا يحدث لي ويتغير في جوهري، بدأت في ركل الجدار، الذي يحيط بي بقدمي، أو بيدي، استشعر أن المكان ضاق علي، ماذا لو أستمرت الأعضاء تتزايد، فالمكان لا يتحمل، نعم هو يتسع كلما كبرت، لكنه ربما أنفجر، أن تعد الحدود في الشهر التاسع، بدأ القلق يتزايد عن الحدالمعقول، لكني كنت أتناسى أحيانا وأكتفي بموضعي، وراحتي وأبتعد عن كل ما يسبب لي القلق والأرق، لا بد أن هناك شيء سيحدث، يغير مجرى ما أنا عليه، ربما أنتقل إلى مكان أوسع بعد، يزداد أيضا الأشياء تتغير بسرعة، متزايدة، فهذا الشيء الذي أسكن وأقبع فيه، تزداد حركته، عن المألوف، أشعر بأني أنزلق، ماء يحيط بي، أشياء تأخذني إلى أين لا أدري، يد تمتد لرأسي، شيئ يحيط بها، يحاول جذبي، إني أنزلق، لا أريد الخروج، لكنهم أيد قوية تسحبني، ما كل هذا الضوء، رغم أني مغمض العينين، ما هذا الفضاء الرهيب، الذي أرى، أسمع أنات وصراخات، أرى كتلا أمامي تتحرك، اسمع أصوات أخرى، غير الصرخات، همهمات أنهم ينتشلونيي، كأني كنت أعيش في قبو أو كهف، أرجل تتحرك، تجري في وسط الغرفة، جسدي الناعم الصغير يلف في خرقة قماش نظيفة، كانت مجهزة لأستقبالي، الإبسامات تتبادلها النساء، تحيط بي ذراع أمي المنهكة، بدت عليها السعادة، عندما أخبروها بأني ولد، شمخت بعنقها وأحست بفخر عظيم، كأن أبي هناك وجدي، يجلسان خارج البيت، على المصطبة، يدخنان وينتظران البشائر بالمولود الجديد، خرجت جدتي مسرورة تبتسم لأبي، وتقول له مبارك يا أبو الفتى، شمخ أيضا أبي بعنقه، كأنه أنجب أبو زيد الهلالي، قبل رأس جدتي ويديها، وانطلق يخبر بها كل من يقابله، ليهنأه ويبارك له قدوم ولي العهد المنتظر.