محمود عوض يلمح لـ أم كلثوم عن اعتزال الغناء.. وكوكب الشرق ترد
ثقافة أول اثنين:
تمر اليوم ذكرى رحيل الكاتب الصحفى الكبير محمود عوض الذى توفى فى 28 أغسطس من سنة 2009، وكان “عوض” واحدا من أشهر الصحفيين فى عصره، وكان على علاقة قوية بالفنانين والمثقفين فى عصره، وعلى رأسهم أم كلثوم وعبد الحليم حافظ.
ومن كتابه “من وجع القلب” نستطيع أن نقرأ حكاية كاشفة عن كوكب الشرق أم كلثوم، يقول محمود عوض:
فى الحديث عن الشهرة والأضواء والنجوم ينجذب قلمى – غصبا – إلى أم كلثوم.. ثم إلى يوم محدد ضمن شريط معرفتى بها. لقد رفعت سماعة التليفون فى بيتى لأجد على الطرف الآخر الصديق الموسيقار بليغ حمدي. وبكل مودة وتفاؤل يتصل بليغ لينقل الرسالة “ثومة تريدك غدا فى ستوديو 47 بالإذاعة لتحضر التسجيل الأول للأغنية ” أغنية حكم علينا الهوى من كلمات عبد الوهاب محمد وألحان بليغ حمدي.
استغربت تماما من الدعوة، فلا أنا حضرت من قبل أى تسجيل لأم كلثوم، ولا هى أصلا من طبعها دعوة أى أحد – خارج نطاق الأغنية ذاتها – لحضور التسجيل.
وفى ردهات الإذاعة كان محفوظا عن ظهر قلب أنه من المرات التى تحضر فيها أم كلثوم لتسجيل أغنية جديدة لها، لا يمتنع الاقتراب من الاستوديو فقط وإنما من الطابق كله. فى نفس الوقت لم أكن أتصور أن بليغ حمدى سيخترع لى من خياله دعوة لا أساس لها. لكننى تصورت فقط أنه ربما حماس زائد من جانبه للحفلة وموسيقاه. هكذا شكرته واعتذرت.
بعد أيام اتصلت أم كلثوم نفسها، لم تحك لى عن الأغنية أو التسجيل ولا أنا أيضا فتحت سيرة مكالمة بليغ حمدي. فقط هى اقترحت على أن أمر عليها فى “الفيلا” صباح غد بسيارتى. فى الغد ذهبت. وقبل أن أغادر السيارة كانت أم كلثوم قد دخلت إليها لتجلس على المقعد المجاور وتقول لي: هيا بنا إلى الإذاعة ثم بدأت كعادتها تتمتم بصوت خفيض ببعض آيات القرآن الكريم.
فى الاستوديو جرت مفارقتان. فبينما الفرقة تضبط آلاتها فى قلب الأستوديو .. إذ بأم كلثوم تدخل مع بليغ حمدى ومعى فى مداعبات ومجاملات رقيقة وكريمة. أما حينما تغادر هى إلى داخل الأستوديو ليبدأ التسجيل فقد كان بليغ يفاجئنى هامسا بتساؤلات قلقة: ما لها أم كلثوم؟ إنها لا تبدو فى كامل لياقتها. اللهم اجعله خير. بعدها أوقفت التسجيل لبعض الوقت وعادت إلينا حتى يأتوا لها بكوب من اليانسون. لا قلق. لكها دوخة بسيطة عابرة. الدردشة والمداعبات من جديد ثم محاولة استكمال التسجيل وإرهاق أم كلثوم من جديد. وقرار منها: لينصرف الموسيقيون الآن. وربما نكمل غدا.
فى سيارتى عائدا معها إلى منزلها بالزمالك راودتنى أفكار متقطعة أساسها التفاعل مع حالة الإرهاق غير المسبوقة التى شهدتها لتوى فى صحة أم كلثوم. هى لم تكن ظاهريا تشكو من شيء. لم تكن تشكو أيضا من حالة نفسية تعانى مؤخرا بمناسبة مشروعها الخيرى الذى تفكر فيه. واختارتنى ضمن مجلس إدارته لأجد نفسى الأصغر سنا. هى أيضا كان نبض عروقها عزة نفس وكبرياء.
بمجرد أن استدرت بسيارتى يسارا إلى كوبرى أبو العلا كنت قد استجمعت شجاعتى وقلت لها أنصاف أفكار متقطعة : يا ثومة .. هل الغناء المنتظم للجمهور نص مكتوب وملزم فى علاقتك مع الناس و.. و … و.. تاه الكلام.
ردت أم كلثوم بقفزة مفاجئة: أعتزل الغناء؟ سهل جدا. سهل ومريح .. إننى لو قررت أستطيع أن أجد عذرا مناسبا لذلك. مع هذا فإننى أعرف فى داخلى أننى لو قررت الاعتزال فهذا معناه نهايتي. لا أستطيع. إننى أحسب عمرى بعدد مرات وقوفى على المسرح.