ذكرى ميلاد نازك الملائكة.. “الكوليرا” وضعتها على أول طريق قصيدة التفعيلة
ثقافة أول اثنين:
تحل اليوم ذكرى ميلاد الشاعرة العراقية المجددة نازك الملائكة حيث ولدت في 23 أغسطس من عام 1923 في بغداد في بيئة ثقافية لأم شاعرةً وأب كاتب وقد استكملت تعبيرها عن ميولها حين دخلت معهد الفنون الجميلة وتخرجت فى قسم الموسيقى عام 1949، وفي عام 1959 حصلت على شهادة ماجستير في الأدب المقارن من جامعة ويسكونسن في أمريكا.
ولنازك الملائكة قصة مع الشعر الحديث إذ كانت واحدة من الرعيل الأول لقصيدة التفعلية مع بدر شاكر السياب وغيره من الشعراء الذين وضعوا قصيدة التفعيلة على طريق البزوغ فيما كانت هناك مقاومة من بعض الشعراء لظهور هذه القصيدة التي تخالف الشكل العمودى التقليدي للقصيدة.
ويعتقد الكثيرون أنها أول من كتبت الشعر الحر فى عام 1947 ويعتبر البعض قصيدتها المسماة الكوليرا من أوائل الشعر الحر فى الأدب العربى.
ونظمت نازك الملائكة قصيدتها بأسلوب الشعر الحر، الذى لم يعجب أمها أول الأمر وفقا للكاتب سعيد الشحات في ذات يوم وسألتها: “ما هذا الوزن الغريب؟.. إن الأشطر غير متساوية، وموسيقاها ضعيفة يا بنيتى” ولم يختلف رد فعل الأب لكنه رد على ابنته ببيت شعر يقول فيه: “لكل جديد لذة غير أننى/ وجدت جديد الموت غير لذيذ” لكن نازك غضبت وقالت بصوت عال: “قل ما تشاء، إنى واثقة أن قصيدتى ستغير خريطة الشعر العربى”.
وفقا الشاعر والناقد شعبان يوسف فإن الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة التقت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، أثناء إحدى زياراتها لمصر، وذلك خلال مشاركتها فى مؤتمر لاتحاد الكتاب العرب فى مطلع الستينيات من القرن الماضى، وقد منحها حينها وشاحا تقديرا لأشعارها المساندة للوحدة العربية.
وقد جاء في كتاب نازك الملائكة لـ هانى الخير: “النيل كان ملاذها الأخير.. حطت رحالها ذات صيف من عام 1996 وبقيت تناجيه ويناجيها حتى غادرت دار الفناء، وشاء القدر أن يوارى جثمانها الثرى على بعد عدة كيلو مترات من هذا النهر الخالد”.
وتقول قصيدتها الكوليرا
سكَن الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
فى عُمْق الظلمةِ، تحتَ الصمتِ، على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو، تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ، يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
فى كل فؤادٍ غليانُ
فى الكوخِ الساكنِ أحزانُ
فى كل مكانٍ روحٌ تصرخُ فى الظُلُماتْ
فى كلِّ مكانٍ يبكى صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ
فى صمتِ الفجْر، أصِخْ، انظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ، عشرونا
لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا
اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَى، مَوْتَى، ضاعَ العددُ
مَوْتَى، موتَى، لم يَبْقَ غَدُ
فى كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ
الكوليرا
فى كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ
فى صمْت الأبدِ القاسى حيثُ الموتُ دواءْ
استيقظَ داءُ الكولير
حقْدًا يتدفّقُ موْتورا
هبطَ الوادى المرِحَ الوُضّاء
يصرخُ مضطربًا مجنونا
لا يسمَعُ صوتَ الباكينا
فى كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداءْ
فى كوخ الفلاّحة فى البيتْ
لا شىءَ سوى صرَخات الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
فى شخص الكوليرا القاسى ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكى من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ، الموتُ، الموتْ
يا مصرُ شعورى مزَّقَهُ ما فعلَ الموتْ