الاستشراق والقرآن الكريم (انتشار القرآن الكريم)
الاستشراق والقرآن الكريم
انتشار القرآن الكريم
جاءت هذه الوقفة لتأييد التوجُّه الوارد الحديث عنه في الوقفة السابقة في تنظيم الندوات التقويميَّة للأعمال الجليلة النافعة، في ضوء تنامي التوجُّه إلى العناية بكتاب الله تعالى، مِن مُنطلَق نشْرِه بين الأمم التي لا تتحدَّث لغة القرآن الكريم، مثل هذه الأعمال التي يقوم بها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنوَّرة، وتقوم بها جهات معنيَّة أخرى في المشرق والمغرب، تتضافَر فيها الجهود لسدِّ العجز في نقل المعلومة الشرعية إلى غير المتحدِّثين باللغة العربية نقلًا موثقًا.
وحيث تخطَّت العناية بالمصحف الشريف الطباعة بمفهومها الفني، فلعلَّ المجمع والجهات المشابِهة له تمدُّ اهتماماتها، كما هي الآن ممتدَّة، فيتحوَّل اسم المجمع إلى مجمع الملك فهد للعناية بالقرآن الكريم والحديث الشريف، لتشمل العناية الطباعة والتسجيل والترجمة والدراسات والبحوث والندوات والمؤتَمرات والنشر الورقي والإلكتروني، وغير ذلك مما يدخل في مفهوم العناية بكتاب الله تعالى وسنة رسوله سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وقد خرجت عدة نداءات ودعوات لتفعيل هذا المسار على مستوى العالم العربي والإسلامي، كما هو مفعَّل الآن بالمملكة العربية السعودية.
• من هذه الدعوات ما خرجت به توصيات ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه، التي عقدت في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، في المدة من 3 – 6 رجب 1421هـ الموافق 30 سبتمبر – 3 أكتوبر 2000م، في البيان الختامي والتوصيات، لا سيما التوصية السادسة التي نصت على الآتي: “إنشاء قاعدة معلومات عن القرآن الكريم في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ممثَّلة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، يتقصى كل ما يستجد في علوم القرآن الكريم من دراسات وبحوث ومقالات ورسائل جامعية وترجمات وبرامج حاسوبية وأخبار”[1].
• ما خرجت به توصيات ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم التي عقدت في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، في المدة من 10 – 12 صفر 1423هـ الموافق 23 – 25 إبريل 2002م، لا سيما التوصية السادسة التي نصَّت على الآتي:
“إنشاء قاعدة بيانات عن ترجمات معاني القرآن الكريم في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ممثلةً في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، تتقصَّى فيها حركة التأليف في مجال الترجمة القرآنية، مِن أول نشأتها إلى العصر الحاضر، فتَستوعِب ما صدر في هذا الحقل من أعمال ودراسات وبرامج حاسوبية”[2].
• ما خرجت به أيضًا توصيات الندوة الدولية حول ترجمة معاني القرآن الكريم التي عقدتها جمعية الدعوة الإسلامية العالمية في بنغازي بليبيا، سنة 2001م، ونصَّت على الآتي: “العمل على إنشاء مركز عالمي لخدمة القرآن الكريم وعلومه، وترجمات معانيه، بمختلف اللغات، باعتبار أن ذلك عمل أساسي لإدراك حقيقة الإسلام، وتبيين مقاصده، وأنه أمر جوهري في عمل الدعوة، وقبل هذا وذاك فإنه مدخل لا بدَّ منه لمعرفة الإسلام، دينًا وثقافة”[3].
• ما دعت إليه الأستاذة الدكتورة زينب عبدالعزيز في مشروعها لترجمة معاني القرآن الكريم، الذي يعدُّ من المشروعات “المهمة، التي يجب أن ننظر إليها لا بمجرد عين الاعتبار أو الاستحسان فحسب، وإنما بصورة جادة وحازمة وبلا تهاون؛ أي: إن هذا المشروع الأساس لا يجب أن نتناوله من مجرد فكرة “التشجيع”، كما هو وارد بعنوان هذا المحور، وإنما من منطلق كيفية التنفيذ”[4].
• ما خرجت به كذلك توصيات ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية، التي عقدت في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، في المدة من 15 – 17 / 3 / 1425هـ، الموافق 4 – 6 / 5 / 2004م، لا سيما التوصية الثامنة عشرة التي نصت على الآتي: “العمل على إنشاء قاعدة بيانات شاملة عن السنة والسيرة النبوية، تجمع شتات الدراسات العلمية المتفرِّقة في الموضوع الواحد، وتيسِّر سبُلَ تنظيمها البحثي، لتكون في متناول أهل العلم والاختصاص”[5].
• دعوة الأستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق في توصيته الخامسة في الندوة العلمية عن الإسلام والمستشرقين التي عقدت في مجمع دار المصنفين في الهند في جمادى الأولى 1405هـ، الموافق فبراير من سنة 1985م، والتي نصت على الآتي: “لا بدَّ مِن إعداد ترجمة مقبولة لمعاني القرآن باللغات الحية تسد بها الطريق على عشرات الترجمات المنتشرة الآن بشتى اللغات، والتي قام بإعدادها المستشرقون وصدروها في غالب الأحيان بمقدمات مملوءة بالطعن على الإسلام.
لا بدَّ مِن اختيار مجموعة كافية ومناسبة من الأحاديث النبوية الصحيحة، وترجمتها أيضًا لتكون مع ترجمة معاني القرآن في متناول المسلمين غير الناطقين بالعربية، وفي متناول غير المسلمين الذي يريدون فهم الإسلام من منابعه الأصلية”[6].
• دعوة الدكتور حسن معايرجي إلى قيام “مجمع ترجمات تفسير القرآن الكريم”؛ وذلك في الندوة العالمية حول ترجمات معاني القرآن الكريم، التي عقدتها جمعية الدعوة الإسلامية في إسطنبول سنة 1986م[7].
• دعوة فؤاد الكعبازي إلى إنشاء مركز عالمي موحد “لمراجَعة جميع الترجمات المتداولة للقرآن الكريم، ابتداءً من الفرنسية والإنجليزية، والإسبانية، ثم تصحيحها، والقيام بحملة واسعة النطاق بكشف أخطائها، أو فشلها لنزع صبغة القدسيَّة التي اكتسبتها، بسبب سكوتنا، ومكانة أصحابها الأكاديمية”[8].
• ما خرجت به ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية التي عقدت في رحاب مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة في المدة من 16 – 18 / 10 / 1427 هـ الموافق 7 – 9 / 11 / 2006 م، في ست وعشرين توصية، كلها تُعنى بكتاب الله تعالى ونشره والعناية بترجمة معانيه ومد جسور الحوار مع المستشرقين المعنيِّين بكتاب الله تعالى دراسة وترجمةً.
إن يكن هذه الفصل قد ركز على تشويه المعلومة الشرعية، من خلال تشويه مصدرَيها؛ الكتاب والسنة[9]، فإن المعلومة الشرعية في الجانب الآخر لا تزال مجالًا واسعًا لخدمة أبنائها لها، ليس من خلال النقل والترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى فحسب، بل من خلال وسائل حديثة شتى.
الخلاصة:
1- تأخَّرَ المسلمون في نقل المعلومة الشرعية، ومنها تقديم القرآن الكريم إلى الأقوام الأخرى، عن طريق ترجمة معانيه، وكان هناك جدل بين علماء المسلمين حول مشروعية ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى غير اللغة العربية.
2- تردَّد رجال الكنيسة في قبول ترجمة معاني القرآن الكريم؛ خوفًا من انتشار الإسلام، وحُبست أول ترجمة لمعانيه في الكنيسة لأربعة قرون (536 – 950هـ / 1114 – 1543م)، وأُحرقت بعض الترجمات، لا سيما المحاولة الثانية التي قام بها جمع من رهبان ريتينا.
3- رغبةً في الحد من انتشار الإسلام بين النصارى على حساب العقيدة النصرانية، انطلقت ترجمات معاني القرآن الكريم من الكنائس والأديرة، ولم تكن الدوافع لهذه الترجمات – بالضرورة – علمية أو موضوعية.
4- اتسمت الترجمات الأولى لمعاني القرآن الكريم التي قام بها المستشرقون بالطعون في كتاب الله تعالى، وفي كونه كتابًا منزلًا على نبي مرسل، ومِن ثمَّ فقد ظهر الزعم بأن هذا الكتاب الكريم من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، أعانه عليه قوم آخرون من معاصريه من اليهود والنصارى والحنيفيين.
5- كان لهذا الزعم بأن القرآن الكريم من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم أثره في التعامي عن الجوانب المعجزة من كتاب الله تعالى، تستوي في ذلك الجوانب الإعجازية في العلوم التطبيقية والبحتة، والعلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية، مما يعني عدم التركيز في الجوانب الإعجازية من كتاب الله تعالى على العلوم التطبيقية والبحتة فقط.
6- منطلق النظرة إلى أن إعجاز القرآن الكريم قائم على القاعدة بأن القرآن الكريم من كلام الله والكون كله من خلق الله، فكان من المنتظر أن يكون الإعجاز من سمات هذا الكتاب الكريم المنزل على رسوله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، الذي: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].
7- الذين تلقوا القرآن الكريم من غير المسلمين مترجَمًا مباشرة عن طريق المسلمين كانوا أكثر تأثرًا به وبإعجازه ممن تلقوه عن طريق ترجمات المستشرقين الأولى، ومِن ثمَّ انبرى مستشرقون وعلماء أوروبيون متأخِّرون إلى إنصاف كتاب الله تعالى بما احتوى عليه من جوانب إعجازية، ومِن ثمَّ استبعاد أن يكون هذا القرآن الكريم من صنع البشر.
8- تحتِّم هذه النتيجة اضطلاع المسلمين بنقل المعلومة الشرعية من منطلق انتمائي، بما في ذلك نشر ترجمات معاني القرآن الكريم التي يعدها المسلمون أنفسهم، واضطلاع مراكز علمية وبحثية بذلك، على غرار ما يقوم به الأزهر الشريف بجمهورية مصر العربية ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، وغيرهما من المراكز الموثوقة في العالم الإسلامي في تركيا والباكستان وماليزيا وغيرها، بل في بلاد العالم بأسره؛ حيث انتفت الجهوية لهذا الدين الحنيف.
[1] انظر: البيان الختامي والتوصيات، في: ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن وعلومه؛ مرجع سابق، 14 ص.
[2] انظر: البيان الختامي والتوصيات، في: ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم: تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل؛ مرجع سابق، 20 ص.
[3] انظر: جمعية الدعوة الإسلامية العالمية. الندوة الدولية حول ترجمة معاني القرآن الكريم؛ مرجع سابق، ص 270.
[4] انظر: زينب عبدالعزيز. مشروع لترجمة معاني القرآن الكريم، ص 166 – 187. والنصُّ من ص 166، في: الندوة الدولية حول ترجمة معاني القرآن الكريم، المرجع السابق، 272 ص.
[5] انظر: البيان الختامي والتوصيات. – 20 ص، في: ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالسُّنَّة والسيرة النبوية؛ مرجع سابق،
[6] انظر: محمود حمدي زقزوق. الإسلام والاستشراق، ص 71 – 102. والنصُّ من ص 99. في: نخبة من العلماء المسلمين. الإسلام والمستشرقون؛ مرجع سابق، 501 ص.
وقد تكرَّرت هذه الدعوة في كتاب المؤلِّف: محمود حمدي زقزوق. الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، ط 2، بيروت: مؤسَّسة الرسالة، 1405هـ / 1985م، 156 ص، (ترجمة إسلامية لمعاني القرآن الكريم، ص 147 – 148).
[7] انظر: حسن معايرجي. مجمَّع ترجمات تفسير القرآن الكريم، . في: الندوة العالمية حول ترجمات معاني القرآن الكريم؛ مرجع سابق، ص 243 – 253.
[8] انظر: فؤاد الكعبازي. أهمية التفسير العلمي للقرآن الكريم ودوره في الدعوة الإسلامية للغرب، في: الندوة العالمية حول ترجمات معاني القرآن الكريم، المرجع السابق، ص 271 – 314.
[9] مما تعرَّض له القرآن الكريم من طعون التشكيكُ في كونه مصدرًا للتشريع واقتصاره على المجازات الأدبية والحكايات الأسطورية. انظر: محمَّد بن سعيد السرحاني. الأثر الاستشراقي في موقف محمَّد أركون من القرآن الكريم، في: ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية المنعقدة في مجمَّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنوَّرة في المدَّة من 16 – 18 / 10 / 1427هـ الموافق 7 – 9 / 11 / 2006 م؛ مرجع سابق، 74 ص.