انتهاء الحرب العالمية الثانية بعد دمار رهيب شهده العالم.. حصر الخسائر
ثقافة أول اثنين:
خلال شهر أغسطس الحالى تمر الذكرى الـ78 على انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ يعتبر يوم 15 أغسطس 1945 نهاية الصراع، وهو اليوم الذى علم فيه الجمهور أن اليابان قد استسلمت.
وبسبب الحرب العالمية الثانية حدث دمار رهيب شهده العالم بين عامى 1939 و1945م، وكان شاملًا وعميقًا لدرجة انقلب العالم معها رأسًا على عقب، كما ذكر المؤرخ توماس جى باترسون.
ويقول كتاب “الحرب الباردة.. مقدمة قصيرة جدا” لروبرت جيه ماكمان، ترجمة محمد فتحى خضر: انقلب العالم معها رأسًا على عقب ليس فقط عالم البشر بعماله ومزارعيه وتجاره وموسريه ومفكريه الأصحاء المنتجين، ليس فقط ذلك العالم الآمن بعائلاته ومجتمعاته المتماسكة، ليس فقط ذلك العالم العسكرى بقوات العاصفة التابعة للنازى وطيارى الكاميكازى اليابانيين الانتحاريين، بل كل هذا معًا وأكثر، وبزعزعة عالم السياسات الراسخة والحكم والتقاليد الموروثة والمؤسسات والتحالفات والولاء والتجارة والطبقات الاجتماعية، خلقت الحرب ظروفًا جعلت صراع القوى العظمى محتمل الحدوث بدرجة كبيرة، إن لم يكن حتميًّا.
تسببت الحرب فى مقتل نحو 60 مليون شخص، قرابة ثلثيهم من المدنيين، تكبد الطرف الخاسر للحرب، دول المحور المكونة من ألمانيا واليابان وإيطاليا، أكثر من 3 ملايين قتيل من المدنيين، وتكبد الطرف المنتصر، الحلفاء، أكثر من هذا الرقم بكثير: إذ لقى نحو 35 مليون مدنى حتفهم جراء الحرب، كانت نسبة الضحايا مذهلة، إذ لقى نحو 10 إلى 20% من إجمالى سكان الاتحاد السوفييتى وبولندا ويوغوسلافيا حتفهم، وتراوحت النسبة بين 4 و6% من إجمالى سكان ألمانيا وإيطاليا والنمسا والمجر واليابان والصين، ومثلما يستمر عدد ضحايا هذا الصراع العالمي الطاحن في الاستعصاء على أي جهود إحصائية دقيقة، فإن فداحة الخسائر البشرية التي حصدها تظل بالتأكيد مستعصية على الاستيعاب على نحو صادم بعد مرور جيلين على انقضاء الحرب العالمية الثانية، تمامًا كما كانت عقب انتهاء الصراع مباشرة.
وبنهاية الحرب عم الخراب أغلب القارة الأوروبية، وقد وصف رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، بكلمات قوية ليست بالغريبة عليه، أوروبا ما بعد الحرب بأنها “كومة من الأنقاض، ومقبرة، وأرض خصبة للأوبئة والكراهية”، في الواقع، عانى كثير من أكبر مدن وسط وشرق أوروبا مستويات مقاربة من الدمار، إذ سوى 90% من مباني كولونيا ودوسلدورف وهامبورج بالأرض جراء قصف طائرات الحلفاء، وتهدم 70% من المباني الموجودة بوسط فيينا.
وفي وارسو، كما نقل لنا جون هيرشي، دمر الألمان المدينة على نحو منهجي، شارعًا شارعًا، وزقاقًا زقاقًا، ومنزلًا منزلًا، ولم يتخلف شيء سوى هياكل خربة.
وقد كتب السفير الأمريكي آرثر بليس لين، عند دخوله تلك المدينة التي مزقتها الحرب، في يوليو من عام 1945 قائلًا: “كانت رائحة اللحم البشري المحترق المثيرة للغثيان تحذرنا من أننا على وشك دخول مدينة للموتى” وفي فرنسا، دمر خمس مباني الدولة بشكل كلي أو جزئي، وفي اليونان بلغت هذه النسبة الربع.
وحتى بريطانيا العظمى التي لم تحتل فقد عانت ضررًا بالغًا، تسبب فيه بالأساس القصف النازي، في الوقت الذي خسرت فيه ما يقدر بربع ثروتها القومية على امتداد الصراع.
كانت خسائر الاتحاد السوفييتي هي الأكبر على الإطلاق؛ إذ لقي ما لا يقل عن 25 مليون شخص حتفهم، فيما شُرد 25 مليونًا آخرون، ودمر 6 ملايين مبنى، وسويت أغلب مصانع الدولة ومزارعها المنتجة بالأرض. وعلى امتداد أوروبا، تسببت الحرب في تشريد 50 مليون شخص، أطلق على نحو 16 مليونًا منهم، على سبيل التخفيف، لقب «النازحين» من جانب الحلفاء المنتصرين، كما ذكر كتاب الحرب الباردة.
كانت الظروف في آسيا بعد انتهاء الحرب على الدرجة عينها من القتامة، تعرضت المدن اليابانية كافة للدمار بفعل القصف الأمريكي المتواصل، ووصلت نسبة المناطق الحضرية المدمرة على نحو تام إلى 40%، تعرضت طوكيو، كبرى المدن اليابانية، لقصف عنيف من جانب قوات الحلفاء حتى إن أكثر من نصف مبانيها سوي بالأرض تمامًا.
أما هيروشيما وناجازاكي فقد لقيتا مصيرًا أبشع حين ألقي على المدينتين قنبلتان ذريتان أنهتا الحرب في المحيط الهادي ومحتا المدينتين من الوجود. شرد نحو 9 ملايين ياباني قبل أن يعلن قادة البلاد الاستسلام، وفي الصين، التي امتدت عليها المعارك لأكثر من عقد، أصاب الخراب منطقة منشوريا الصناعية، وأغرقت مياه الفيضانات مزارع النهر الأصفر، وقتل نحو أربعة ملايين إندونيسي كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للصراع، وهلك مليون هندي بسبب المجاعة التي سببتها الحرب في عام 1943م، تبعهم مليونا شخص في الهند الصينية بعدها بعامين.
ومع أن السواد الأعظم من جنوب شرق آسيا نجا من أهوال الحرب المباشرة التي حلت باليابان والصين وكثير من جزر المحيط الهادي، فإن مناطق أخرى، كالفلبين وبورما، لم تكن محظوظة بالمثل. فأثناء المراحل الأخيرة من الصراع دُمر 80% من مباني العاصمة مانيلا تمامًا أثناء القتال الهمجي. وتسببت معركة مماثلة في وحشيتها في بورما، حسب شهادة القائد الحربي با ماو “في تحويل جزء كبير من البلاد إلى أنقاض”.
كما أوضح كتاب الحرب الباردة، أنه لم يتسبب النطاق العريض من الموت والدمار الذي خلفته الحرب في دمار الجزء الأكبر من أوروبا وآسيا وحسب، بل دمر النظام الدولي القديم بالمثل. يقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي دين أتشيسون: “إن نظام وبنية العالم الذي ورثناه من القرن التاسع عشر ولَّيَا بالكامل إلى غير رجعة” في الواقع، إن النظام الدولي المتمركز حول أوروبا الذي هيمن على العالم على مدار الخمسمائة عام الماضية اختفى تمامًا بين عشية وضحاها. وعوضًا عنه، ظهر للنور قوتان عسكريتان عاتيتان الواحدة منهما في حجم القارة ـ توصفان بالفعل بأنهما قوتان عظميان ـ وكلتاهما تعتزم إرساء نظام عالمي جديد يتفق مع احتياجاتها وقيمها وبينما دخلت الحرب مرحلتها الأخيرة، صار جليًّا لأي مهتم بالسياسة العالمية ولو من بعيد أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يملكان أغلب الأوراق العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. بيد أن هذين الحليفين اللذين تحولا إلى غريمين اتفقا على هدف واحد؛ ضرورة استعادة مظهر السلطة والاستقرار بكل سرعة؛ ليس فقط بالمناطق التي تأثرت على نحو مباشر بالحرب، بل على مستوى النظام الدولي الأوسع أيضًا، كانت المهمة عاجلة بقدر ما هي ثقيلة، وكما حذر وكيل وزارة الخارجية الأمريكي جوزيف جرو في يونيو 1945 فإن الفوضى قد تنتج عن المحنة الاقتصادية والاضطراب السياسي السائدين حاليًّا.