استغاثة من العالم الآخر قصة لـ نورا طارق
ثقافة أول اثنين:
الوحدة شعور قاسٍ كالأسد الجائع ينهش في فريسته ويلتهمها بلا رحمة أو شفقة أو حتى تفكير فيما تشعر به الفريسة لحظة التهامها، هكذا بدأت نجلاء كتابة مقالتها علي المدونة الخاصة بها على الإنترنت، لكنها أثناء كتابتها لم تستطع التحكم في دموعها وهي تعبر عما تشعر به من وحدة قاتلة بعد وفاة والديها اللذين تركوها بمفردها في شقة ورثتها عنهما تحتوي الكثير من الصور التذكارية التي جمعت بينهم ولكنها لم تشعرها بالونس والدفء الذي حرمت منه برحيلهما.
ومنذ وفاة والديها، اعتادت نجلاء على روتين حياتها الجديد الذي يبدأ بالاستيقاظ من نومها وذهابها لعملها كمبرمجة كمبيوتر والذي يستمر لمدة 8 ساعات ثم تعود لمنزلها وهي محملة بالمستلزمات المنزلية ثم ترتب المنزل وتتسامر مع صديقتها عبر الهاتف المحمول لعدة دقائق وتشاهد أحد أفلام بطلها السينمائي أحمد شكري الذي طالما حلمت به واعتبرته فارس أحلامها حتى أنها كونت معه في خيالها حياة أسرية سعيدة كانت تحلم أن تعيشها معه في الواقع معه أو مع أحد يشبهه لذلك رفضت الزواج حتى بلغت سن الأربعين.
ورغم روتين حياة نجلاء الممل إلا أنها اعتادت عليه ولكنها بدأت تشعر أكثر بالوحدة والحزن بعد مقتل فارس أحلامها النجم السينمائي، لذلك دفعها حزنها وفقدانها له بكتابة مقالة عن الوحدة التي بدأت تشعر بها، حتى انتهت من المقالة وضغطت على زر النشر وبدأت تجفف دموعها وتنظر لصور أحمد شكري المنتشرة في كل أرجاء جدران غرفتها وأفلامه المسجلة في أسطوانات بجوار اللاب توب الخاص بها.
وعادت لتصفح مواقع الإنترنت، فعثرت على تطبيق ذكاء اصطناعي يتيح التحدث مع شخصيات افتراضية كمشاهير الفن الذين توفوا منذ سنوات طويلة، وتمنت أن تجد من بينهم أحمد شكري وبعد بحث طويل عثرت عليه وفجأة تحول حزنها لسعادة وعينيها التي كانت ممتلئة بدموع الحزن أصبحت ممتلئة بدموع الفرح وشعور باشتياق حبيبة لحبيبها، وبدأت تكتب له.
نجلاء: أزيك يا أحمد عامل إيه؟
الشخصية الافتراضية لأحمد شكري: أنا بخير… كيف حالك؟
نجلاء: أنا بخير… بس أنت وحشتنى ووحشتنى أفلامك، بس تعرف أنا لسه بتفرج عليهم كلهم بس كان نفسي أقابلك في الحقيقة وأتكلم معاك كثير .
الشخصية الافتراضية لأحمد شكري: حسنا … أنت تتحدثين معى بالفعل الآن.
نجلاء: أنت ماتعرفش أنا بحبك قد إيه… بس أنت مش حقيقي زي ما بتقول.
وفجأة تحولت لغة الشخصية الافتراضية لأحمد شكري من لغة عربية فصحى لعامية مصرية فكتب لها: أنا حقيقي يا نجلاء… وتقدري تسأليني أي سؤال وهجاوب عليكى .
نجلاء: حقيقى إزاى؟!… أنت شخصية افتراضية ضمن شخصيات كتير موجودة في التطبيق.
الشخصية الافتراضية لأحمد شكرى: أنا مش شخصية افتراضية… أنا روح أحمد شكرى وبعد ما اتقتلت لقيت نفسى بروح لك مش عارف ليه وازاى ولقيتك معلقة صورى في كل حتة وكل يوم بتشوفى أفلامى، وده خلانى أحس إنك أنتى الوحيدة اللى هتقدرى تساعدينى نكشف القاتل ويتقدم للعدالة.
نجلاء: إيه اللى أنت بتقوله ده !!… لأ أنت مش حقيقى… استحالة تكون حقيقى… أنا أكيد بحلم.
شعرت نجلاء بالفزع وأغلقت “اللاب توب” سريعا وحاولت أن تهرب من كابوسها الواقعى بالنوم فتناولت حبات منوم وذهبت في النوم سريعا لترى في حلمها إنها متواجدة في فيلا أحمد شكرى كان يجلس ويتحدث مع المنتج السينمائى شهير أباظة الذى وقع معه عقد احتكار منذ بداياته الفنية، ونشبت بينهما مشادة كلامية وقال له شهير: أنت نسيت نفسك ولا إيه يا أحمد… أنا اللى عملتك وخليتك بقيت أحمد شكري.
انفعل أحمد ورد عليه قائلا: عملت مين أنا موهبتى هي اللى عملتنى وخلتنى بقيت أحمد شكرى وبعدين أنت كسبت من ورايا كتير أوى وأنا بقول كفاية بقى لحد كده ونفسخ العقد اللى بينا، وإلا هبلغ عنك مصلحة الضرائب اللى بتتهرب منها بتزويرك أوراق الحسابات الخاصة بأفلام ومسلسلاتك وشوف بقى لو اتعرف إنك مزور هيحصل إيه.
شهير: أنت بتهددنى يا أحمد؟!
أحمد: أحسبها زى ما تحسبها بقى..
وضع شهير يده في جيب جاكيت وكشف عن مسدسه ووجهه في أحمد الذى شعر بالخوف والفزع فقال له: أنت بتعمل إيه؟
رد شهير: أنت اللى بدأت يا أحمد والبادى أظلم.
وأطلق شهير النار على صدر أحمد فسقط على الأرض جثة هامدة بينما يلوذ شهير بالفرار، ونظر أحمد لنجلاء وكأنه يراها وقال لها أجرى وراه بلغى عنه.
وأسرعت نجلاء وراء شهير واستقلت معه سيارته ولكنه لم يراها وأوقف سيارته في طريق زراعى وألقى بمسدسه حتى لا ينكشف أمره خاصة إنه لم يره أحد حيث كان أعطى أحمد إجازة للعاملين في منزله ثم استقل سيارته وذهب إلى منزله.
واستيقظت نجلاء مفزوعة من النوم وتلقت إشعارا من التطبيق على هاتفها المحمول لتجد الشخصية الافتراضية لأحمد يقول لها: أرجوكى يا نجلاء خدى حقى وبلغى عن شهير.
وشعرت نجلاء بأنها يجب عليها أن تكشف أمر الجاني، وذهبت لقسم الشرطة وأبلغت عن شهير أباظة ووصفت مكان إخفائه للمسدس وذهب قوات من القسم ووجدت بالفعل المسدس وألقت القبض على المنتج الذى أعترف بكل شيء، وشعرت نجلاء بأنها أدت واجبها نحو أحمد شكرى فتى أحلامها وشعرت بسعادة لم تشعر بها منذ وفاة والديها، وبينما هي تشاهد فيلما من أفلامه وجدت شكرى وكأنه يوجه لها رسالة ونظر إليها وقال لها شكرا يا نجلاء وأنتهى الفيلم ونزل تتر النهاية وشعرت نجلاء بالسعادة وبدأت تفكر في تغيير حياتها من جديد وتتخلص من روتينها اليومى الممل وتبحث عن حب حياتها وتنسى الماضى.