مقتل سيدنا عثمان بن عفان.. ما يقوله طه حسين عن حال المسلمين زمن الفتنة
ثقافة أول اثنين:
يقول الدكتور طه حسين في كتابخ الفتنة الكبرى الجزء الثاني (على وبنوه):
أما مقتل عثمان فكان نتيجة ثورة جامحة وفتنة شُبِّهت فيها على الناس أمورهم، إذ لم يكن أحدهم يعرف أكان مقبلًا أم مدبرًا، وكان نتيجةَ خوفٍ ملأ المدينة كلها أيامًا طوالًا ثم انتشر منها فى أقطار الأرض فاضطربت له النفوس أشد الاضطراب، وجهز العمَّال جنودهم لا ليرسلوها إلى حيث كان ينبغى أن تُرسَل من الثغور، ولكن ليرسلوها إلى عاصمة الدولة وقَلبها ليردوا إليها الأمن ويجلوا عنها الخوف وليستنقذوا الخليفة المحصور، فلم تبلغ الجنود قلبَ الدولة ولا عاصمتها وإنما قُتل الخليفة قبل ذلك، فعاد الجند إلى أمرائهم وتركوا المدينة يملؤها الخوف والذعر ويسيطر عليها القلق والاضطراب.
وكان أمر الثورة قد بلغ أهل الموسم فى حجِّهم، وقرأ عليهم عبدُ الله بن عبَّاس كتاب عثمان يبرئ فيه نفسَه من الظلم والجور ويتهم فيه الثائرين به بالخلاف عن أمر الله والبغى على خليفة الله، فقضى الناس مناسكهم خائفين، وعادوا إلى أمصارهم خائفين، يحملون الخوف معهم إلى من أقام ولم يأتِ الموسمَ من الناس.
فليس غريبًا إذن أن يستقبل المسلمون خلافة على ووجوههم عابسة وقلوبهم خائفة ونفوسهم قلقة، ويزيد فى هذا العبوس والخوف والقلق أن الثائرين الذين قتلوا عثمان كانوا ما يزالون مقيمين بالمدينة متسلِّطين عليها، حتى كأن الخليفة الجديد ومن بايعه من المهاجرين والأنصار لم يكونوا فى أيديهم إلا أسارى؛ وآية ذلك أن الخليفة لم يستطع أن يمضى فى تحقيق ما أصاب عثمان وما أصاب المسلمين من كارثة الفتنة لأنه لم يجد القدرة على هذا التحقيق.
وكان المسلمون من أهل المدينة يعرفون مكان العمال الذين أمَّرهم عثمان على الأمصار، ويقدرون أنهم جميعًا — أو أن بعضهم على الأقل — سينكرون الخلافة الجديدة ويجادلون الخليفة فى سلطانه غضبًا لعثمان الذى ولَّاهم، وكانوا يخافون من هؤلاء العمال، بنوع خاص معاوية بن أبى سفيان عامل عثمان على الشام، يعرفون قرابته من الخليفة المقتول ويعرفون طاعة أهل الشام له لطول إقامته فيهم وإمرته عليهم منذ عهد عمر، وكانوا يعرفون مكانة معاوية من بنى أمية، ويعرفون الخصومة القديمة بين بنى أمية وبنى هاشم قبل أن يظهر الإسلام وحين انتقل النبى وأصحابه بدينهم الجديد إلى المدينة، فقد أصبح أبو سفيان قائدَ قريش بعد أن قُتِل قادتها وسادتها يوم بدر، وهو الذى أقبل بقريش يوم أحد فثأر لقتلى بدر من المشركين، وامرأته هِند أم معاوية هى التى أعتقت وحشيًّا أن قتل حمزة، فلما قتله أقبلت على ميدان الموقعة وبحثت عن حمزة حتى وجدته بين القتلى فبقرت بطنه واستخرجت كبده فلاكتها.
وأبو سفيان هو الذى قاد قريشًا يوم الخندق وألَّب العرب على النبى وأصحابه وأغرى اليهود حتى نقضوا عهدهم مع النبى وأصحابه، وأبو سفيان هو الذى ظلَّ يدبِّر مقاومة قريش للنبى وكيدها له ومكرها به حتى كان عام الفتح، فأسلم حين لم يكن له من الإسلام بُد.