“الفاعل” للراحل حمدى أبو جليل.. بورتريهات مصرية من أواخر القرن العشرين
ثقافة أول اثنين:
حينما فازت رواية “الفاعل” بجائزة نجيب محفوظ عام 2008، جاء فى حيثيات الفوز أن قدم حمدى أبو جليل قاهرة جديدة مغايرة، قاهرة الفواعلية الذين شيدوها وبدلوا وجه الأطلس الأدبي المتعارف عليه إلى الأبد، الروائى الكبير الراحل إبراهيم أصلان قال عن رواية “الفاعل”: رواية ممتعة نسجها صاحبها في لغة خصبة ذات مذاق لا يخلو من خصوصية مبهجة عبر حوالي ثلاثين فصلا قصيرا يستعرض خلالهم شخوصا وأحداثا وعلاقات على خلفية من رمل وطوب وزلط وعقار الهدم والترميم والتنكيس وفواعلية وبوابين ومبيضي محارة، ومداخل خلفية وتحتية، عالم ربما لم نصادفه روائيا من قبل، وأنت ترى الراوي وهو يحمل أحلامه ككاتب في شكاير الرمل صعودا وهبوطا معتقدا أنها أحلام الأمة كلها.
وقال شيخ الحكائيين الراحل خيري شلبي عن رواية “الفاعل”: بحكم علاقتي الإنسانية والعملية بحمدي أبو جليل كنت أستشف من حديثه عن ذكرياته من نوادره عن أهله ومن حكاياته الكثيرة عن أعيانهم تفاصيل شديدة الثراء، فإن تصادف وكان من بين أبناء هذا العالم شاب موهوب في فن الرواية فإنه حري بأن يكون: روائيا كبيرا يناطح. قامات كثيرة كانت تتمنى لو أنها رزقت ولو بشطر ضئيل من هذا العالم الثري الذي خرج منه كاتبنا الشاب حمدي أبو جليل. إن ما فيه من غرائبية وسلوكات وحشية حادة يتفوق على غرائبيات: إيتالو كالفينو الإيطالي، وميلان كونديرا التشيكي، وجارثيا ماركيز الكولومبي.
بينما قال الناقد الكبير الراحل الدكتور جابر عصفور عن رواية “الفاعل”: نموذج الكتابة السردية الأصيلة والمجسورة والمجددة فهي رواية أصيلة من حيث طزاجة الرؤية التي تبني عليها وعلى خصوصيتها التي تمنحها نوعا من التفرد.
تدور أحداث رواية “الفاعل” حول حمدي شاب ريفى، يقصد القاهرة أوائل التسعينيات بحثا عن.. كل شيء. ورغم أنه يعتبر نفسه كاتبا، فلا بد أن يبدأ كـ”نفر”، يرفع “شيكارات” الرمل في ورش البناء. لم يفهم وصف هذا العمل الشاق بـ”الفاعل” إلا حين اشتغل به.
يستمر في نشر قصصه القصيرة في الصحف، فبين عشيرته البدوية هو “المثقف الواصل”. كل هذا سينتهي، يقول في نفسه. غير أن الأمور لا تلبث أن تلتبس بالفقر والدين والكبت والطبقية. لم يعد حمدى متأكدا… أيهما المؤقت؟ عمله الحقير أم أحلامه؟ أمكافح هو أم حثالة؟.. “الدكتور”، بواب عمارة الممثلة، يعرفه على “بدروم” الملذات الأولى.
و”الإخوة”، الذين يأبون إلا أن يفصل في رحلات المعهد بين الطلاب والطالبات، يجرفونه في تظاهرتهم وسجنهم.
رواية تتجاوز البوح، والسيرة الذاتية، إلى لوحة لقعر مصر أواخر القرن العشرين، يمتزج فيها المضحك بالمبكي، ولهذا قال الكاتب حسن داوود عنها: “ما نقرأه في “الفاعل” هو خلط اللغات بعضها ببعض، أقصد لغة الكلام ولغة الأفكار، وجعلها متاحة كلها وفي المتناول” حسن داوود.