عبده الحامولى.. “عبقرى زمانه” أطرب محبيه بأغنيات من طراز خاص
ثقافة أول اثنين:
يقول قسطندى رزق فى كتابه الموسيقى الشرقية والغناء العربي عن أدائه الأدوار: وكان أحيانًا يند عن المألوف ويتحول في الدول من نغمته الأولى إلى نغمة ثانية، ثم يعود إلى الأولى ويقفل بها الدور بعد أن يفوت بصوته مارش النسر، وينزل متسلسلا إلى القرار على حد ما حدث ليلة زواج الأستاذ: إبراهيم سهلون الكماني، فغنى دور “أصل الغرام نظرة” على نغمة الرصد، ولما أطلق لصوته العنان في سماء التطريب أبدل جواب النغمة بالسيكاه، وتسلطن بها على الرصد، ونزل متسلسلا وأقفل الدور رصدًا ما أدهش الشيخ: محمد عبد الرحيم المسلوب الملحن الكبير وكاد يشق ثيابه من شدة الذهول وصاح قائلا “الله أكبر سبحان الوهاب ياسي عبده”.
ويضيف: وقد امتاز عن معاصريه من المحترفين في غناء القصائد والمواويل والأدوار يبدأه من القرار الهرمي المتين والقوي الواسع إلى الجواب ماسًا جواب الجواب، محيطًا بالمقام من أوله إلى آخره إحاطة الهالة بالقمر، وكان يستمر في إلقاء القصيدة ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات من دون أن يشعر من الاستمرار أو التكرار بتعب أو يرهقه عجز أو إعياء. فإذا استعيدت منه حركة من حركاته التي كان يلقيها فتارةً كان يغنيها مع تحسينها بإدخال شيء جديد عليها (ولكل جديد لذة) وطورًا كان يستبدلها بغيرها على طراز أبدع، فيصير السامع أحيَر من ضبٍ إلى أن ينتهي به العجب بأن يؤثر الثانية على الأولى؛ لما وجد فيها من طلاوة وعذوبة، وآونة كان نزولاً على رغبة الطالب يبدأ بالحركة نفسها المطلوب إعادة إلقائها، ويخرج منها إلى نغمات غريبة يعرضها عليه فجأة متنوعة الألوان متشعبة الفروع وصحيحة الأوزان ثم يعود إليها طبقًا للأصول الفنية سالمًا منصورًا”.
ومما يقوله الشيخ مصطفى عبد الرزاق فى نفس الكتاب: يخيل إلي أن عبده الحمولي كان عبقريًا من هذا الطراز فهو قد استخلص من الأغاني المصرية التي كانت معروفة لعهده كل ما يصلح أن يكون لحنًا موسيقيًا إنسانيًا، وألف من ذلك على قلته أغاني نقل بعضها من أناشيد الخلود، واقتبس عبده الحمولي مما وصل إليه من أغاني الأتراك ما يلائم مذهبه، فجمع ألحانًا إنسانية أيضًا لم يتناولها تقليدًا ولكنه نفذ إلى أعماقها وصقلها بذوقه وفنه صقلاً حتى تماثلت بما تم له من الألحان المصرية، وألف من هذا وذاك ترانيم بهرت ذوق الترك والعرب، ولو أن عبده الحمولي عرف الموسيقى الغربية لاستخلص منها أيضًا أبعدها عن التعقيد والتكليف وأدناها أن يكون غذاء للروح الإنساني، وراحة ونعيما، ثم لسلط عبقريته على تلك الخلاصة، فلم تدع فيها شذوذًا ينبو عن ملاءمة ما تم له من التأليف بين الموسيقى المصرية والموسيقى التركية، ثم لألف بعد ذلك من موسيقى الشرق وموسيقى الغرب تلك الموسيقى الإنسانية التي تهفو إليها الفطر في الناس جميعًا ولا تهتدي إليها سبيلاً”.