ريبورتاج عن الحزن .. قصيدة جديدة لـ محمد غازى النجار
ثقافة أول اثنين:
لماذا كل الطرق تؤدي إلىٰ الحزن؟!
“إنه عاصمة لامبراطورية المشاعر
وكل مدينة تُفتح
يُرصف طريق بينهما”
قال المؤرخ.
وقال الشاعر:
كنت ماشيًا في طريق السعادة
وفي غمرة الأفراح
سقطتُ
في بالوعة
من يومها وأنا مصاب بارتجاج في القلب
لم أُشفَ منه حتىٰ الآن.
أضافت خبيرة الطقس:
يشرق شتاءً
تلسع حرارته
تذوّب الثلج
في قلبك
ويمطر صيفًا
حتىٰ تمتلئ البحيرة
حول قدميك.
قال الطبّاخ وهو أمام النار:
لا شك
إنه ملح طعامنا.
بعد انتهاء الحفل قال البهلوان وهو ينهج:
إنه الحبل
الذي أتجنب المشي عليه طوال العرض
لكن قُبيل النوم
يلتف حولي
كالأفعىٰ.
وقال المهرّج وهو يزيل المكياج:
كل هذا الضحك ليس إلا
صدىٰ أنيني.
قال الرسام وهو يناغي لوحة بفرشاته دون أن يلتفت:
إنه بياض كل لوحاتي
ولذا أمحوه بألواني.
قالت العازفة وهي تحضن الترومبيت:
هو كل الصراخ المتطاير
من فوهة آلتي.
في السجن قال نزيل:
ارتكبت جريمتي لأتخلص منه
لكنّه
جاء ورائي إلىٰ الزنزانة
وظَل يطعنني يوميًا.
وقالت نزيلة:
رأيت مستقبلي علىٰ
نصله اللامع.
وهو يرج زجاجة بعصبية قال صانع العطور:
ابتكرت كل هذه الأنواع
للقضاء علىٰ
رائحته.
في نهاية الموسم قال هداف الدوري:
كل أهدافي سجلتها وأنا أتخيله في المرمىٰ.
وقال فلاح فقير أصيب بالعمىٰ:
كل ضربة بفأسي
كنت أكسّر بها رأسه.
وقال صياد معمّر وهو يشير إلىٰ مركبه الهرِم:
طول مئة سنة كنت أحاول اصطياده
وما نجحت.
توجهنا إلىٰ بعض المسئولين:
قال نقيب الصيادلة السابق:
أدوية الاكتئاب خدعة تجارية.
وهو يعدل نظّارته التي ذاب زجاجها قال رئيس هيئة الكتاب:
كل الكتب التي نصدِرها ليست إلا
تأريخًا لسيرته الأزلية.
وهو طافٍ فوق برْكة قال رئيس هيئة الصرف الصحي:
ننشئ كل هذه الشبكات لتصريف
الدموع.
وهو يصوّب عينيه ناحية الأرض قال رئيس الأركان:
خضنا كل هذه الحروب
وقتلْنا كل هؤلاء
من أجْل الانتصار عليه
وانهزمنا.
قال الرئيس:
كان كل هذا لأسحقه
بسلطتي المطلقة
وفشلت.
وقال رئيس الحيوانات والطيور:
لقد كانت لنا عقول لامعة
ونتكلم مثلكم
ولمّا تفشّىٰ الحزن في العالَم
صرنا إلىٰ ما صرنا إليه.
قالت شجرة:
لقد أصابنا الشلل
لنفس السبب.
“لنفس السبب تشكّلْت
ولا أتوقف عن البكاء
حتىٰ أموت”
قالت سحابة.
وطفتْ سمكة عجوز
وقالت:
منذ زمن بعيد ونحن نقاوم الغرق.
وقال عمود النور الواقف:
أنا لا أضيء
إنما أبكي
لقد كنت إنسانًا وحيدًا
ومن شدة انطوائي مُسختُ علىٰ هيئتي هذه.
رئيس الأنبياء يؤكد:
لقد بُعثنا للقضاء عليه
ولم نفلح.
ويؤكد رئيس الملائكة:
لمّا يئسنا هجرنا الأرض.
ودون أن نراه
رئيس الجن يوضّح:
نحن لا نتخفىٰ عنكم
بل هربًا منه.
وجاء من بعيد رئيس الأيام ليقول:
لقد كان يمكن أن تكون أعمارنا أطول
لولاه.
وجاءنا تصريح مديرة منظمة الصحة العالمية:
بسببه أوشكنا علىٰ الانقراض.
“صرخت عند خروجي إلىٰ النور
لمّا ضربني علىٰ مؤخرتي”
قال المولود.
وقال المحتضر:
عيناي شاخصتان
لأنه رشق فيهما مسمارين
غير مرئيين.
وبعد موته قال:
أدركت مدىٰ عجزي عن النجاة منه طول حياتي
فاستسلمت له أخيرًا.
وأخيرًا
قررنا أن نسأل الله
فقال:
أنا حزين
مثلكم.