“البحر وراءكم والعدو أمامكم”.. هل قالها طارق بن زياد عند فتح الأندلس؟
ثقافة أول اثنين:
وذكر بعض المؤرخين أن القائد طارق بن زياد عند دخول الأندلس، قال لجنوده: “البحر من ورائكم والعدوُّ أمامكم” وقام بحرق سفنه كي يقطع أي أمل للعودة أمام جيش المسلمين ولا يكون أمامهم سوى النصر أو الشهادة، ولعل المقولة الأولى والواقعة سالفة الذكر من أشهر الأقاويل والوقائع الشهيرة المرتبطة بفتح الأندلس، فهل قالها بالفعل القائد العربي عند نزوله إلى شواطئ الأندلس، وحقيقة ما فعله بسفن جيشه بعد وصوله إلى شبه الجزيرة الأيبيرية؟
فيما يخص المقولة فأن أغلب المصادر الإسلامية وكتب التراث، ذكرت الخطبة التي قالها طارق بن زياد عند وصوله الأندلس، وقد تضمنت بالفعل المقولة سالفة الذكر، إذ قال القائد المسلم وهو يخطب جنوده: “”أيها الناس، أين المفرُّ؟! والبحر من ورائكم والعدوُّ أمامكم، فليس لكم والله! إلاَّ الصدق والصبر، واعلموا أنكم فى هذه الجزيرة أضْيَعُ من الأيتام فى مآدب اللئام، وقد استقبلتُم عدوَّكم بجيشه وأسلحته، وأقواتُه موفورة، وأنتم لا وَزَرَ لكم غير سيوفكم، ولا أقوات لكم إلاَّ ما تستخلصونه من أيدى أعدائكم، وإن امتدَّت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تُنجزوا لكم أمرًا، ذهبت ريحكم، وتعوَّضت القلوبُ من رعبها منكم الجراءةَ عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية” إلى آخر الخطبة.
أما فيما يخص واقعة حرق السفن، فهو أمر لا يوجد عليه تأكيد، إذ لم يذكره إلا ثلاثة مصادر هي “نزهة المشتاق للإدريسي، والروض المعطار للحميرى، وتاريخ الأندلس لابن الكردبوس” ولعل تلك المصادر جميعها جاءت في عصر متأخر عن عصر دخول طارق بن زياد الأندلس، حتى الإدريسي وهو أول من ذكر الواقعة لم يذكر سندا لحديثه، فيما نسب الحميرى وابن الكردبوس الواقعة للإدريسي نفسه.. بينما المصادر الأقدم من هذه المراجع السابقة مثل “فتوح مصر والمغرب والأندس” لابن عبد الحكم المصرى، والمتين للقرطبي، وسراج الملوك للطرطوشي، ونقط العروس لابن حزم، وجميعها أقدم من الكتب الثلاث الأولى، لم يذكروا أي ذكر لواقعة حرق الكتب على الإطلاق.