مقالات أول اثنين

التوقف عن الاعتماد على الآخرين لنَيل الثقة بالنفس


ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب “داريوس فوروكس” (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن أهمية تنمية الثقة بالنفس بناءً على تصرُّفاتنا وأفعالنا والبحث عنها داخل أنفسنا دون انتظار المديح والثناء من الآخرين.

الثقة المزيفة:

للأسف، فإنَّ معظمنا يستبدلون الانتشارَ والرواج الاجتماعي بالثقة في النفس، ولا بدَّ أنَّك تظنُّها صفقةً جيدة، كأن أضع إعجاباً مثلاً لصور كلبك على “فيسبوك”، وأنتَ بالمقابل تضعُ إعجاباً لصورة ملفي الشخصي الرائعة الجديدة؛ لكن لهذه المقايضة جانب سلبي واحد، وهو أنَّك تعرف حقَّ المعرفة بأنَّها مُزيَّفةٌ أو مُصطنَعة؛ إذ لا يكترثُ الأشخاص الموجودون على “فيسبوك” بشهادة الدبلوم أو الترقية التي حصلتَ عليها، ولا يهمُّهم أمرُ أطفالك حتَّى؛ بل يقومون بالإعجاب بصورك فقط كي تُعجَب بصورهم بالمقابل، وهذا ما أدعوه بثقة التعهيد الجماعي؛ إذ أنظرُ إلى وسائل التواصل الاجتماعي على أنَّها عملٌ تجاريٌّ من الإعجابات المُتبادَلة.

لكن يوجد جانبٌ أو وجهٌ آخر لثقة التعهيد الاجتماعي؛ وهو شعورُنا بالاستياء والضيق عندما لا نتلقى إعجاباتٍ للأشياء التي شاركناها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأتساءَلُ هنا إن كان السببُ وراء ذلك هو أنَّنا أشخاصٌ سطحيون للغاية؛ إذ لا يقتصرُ هذا الأمر على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فمعظمنا لا يملك حساباتٍ عليها إطلاقاً؛ وبدلاً من ذلك، يبادلون المديحَ والثناء الذي يتلقَّونه من المدير المسؤول عنهم أو شريك الحياة أو الأصدقاء أو الزملاء بالثقة في أنفسهم، فهو أمرٌ مُشترَكٌ لدى الجميع إذاً، وهو ما يدفعُنا إلى الشعور بحالٍ أفضل والرضى عن النفس حين يُثني أحدهم على عملنا أو إنجازاتنا.

لا بدَّ أنَّ السببَ في كلِّ ما سبق هو البحثُ عن تقبُّل الآخرين الذي نعتمد عليه اعتماداً كبيراً في حياتنا، والذي استمررتُ في ملاحقته لسنواتٍ لأجدَه يعترشُ ويتغلغل في داخلي دون أن أعلم ذلك حتَّى؛ فقد بذلتُ قُصارى جهدي بوصفي رائد أعمال لنيل استحسان الزبائن أو العملاء المحتملين؛ لكنَّني أشكِّك في نفسي وأشعر بانعدام الثقة إن لم يُعجَب الناس بمُنتجاتنا؛ ومن ثمَّ أعتقد في اليوم التالي أنَّني أُبلي بلاءً حسناً حين نتلقى مديحاً أو إطراءً من أحد الزبائن أو العملاء.

لقد كان الأمرُ مماثلاً حين عملتُ لحساب إحدى الشركات الكبرى؛ إذ كنتُ أشعر بسعادة عارمة بعملي حين يعبِّر مديري أو زملائي عن تقديرهم لي، بينما كنتُ أشعرُ أنَّها أسوأ وظيفةٍ في العالم عندما لا يشكرني الناس للمجهود الذي أبذله، ولا بدَّ أنَّه إحساسٌ مألوفٌ بالنسبة إليك.

كما ينطبق ذلك أيضاً على مجال العلاقات؛ إذ نسمع كثيراً من الشكاوى، مثل ألَّا يلاحظ أحد الشريكين قَصةَ الشعر الجديدة لشريكه، أو يتجاهل أحدُهما الآخرَ بعد أن قدَّم له دعماً كبيراً ووقفَ إلى جانبه وغيرها كثير من الأمثلة؛ لكنَّني سأخبرك بشيءٍ ربَّما يصعُب عليك سماعه؛ وهو أنَّ لا أحد يهتم على الإطلاق، أو ربَّما يهتمون، لكن ليس لدرجةٍ كبيرة.

ما أحاول تأكيده هو: ليس من واجب الآخرين أن يُشعروك بالرضى عن نفسك؛ لكنَّنا نتوقع من الناس على الرَّغم من ذلك أن يُعجَبوا بمنشوراتنا ويخبرونا بمدى روعتنا ولُطفنا ويُسمعونا كلَّ ما نرغب في سماعه؛ لكنَّ هذا النمط من السلوك يُفسد علاقاتنا مع الآخرين والأكثر أهميةً أنَّه يجعلُنا فاشلين.

شاهد بالفديو: تعلم عن مهارة الثقة بالنفس مع  د. إيفان جوزيف Dr Ivan Joseph

 

السببُ الحقيقي الذي يجب أن نعملَ لأجله ونكون لطفاء:

إنَّ السعي إلى كسب إعجاب الآخرين وملاحقة المديح والثناء ليسَ دافعاً جيداً للعمل والإنجاز؛ لأنَّه يعتمد على عوامل خارجية لا نستطيع التحكم بها؛ بل عليك أن تحقق الإنجازات وتفعلَ الأشياء لنفسك، لكن ليس بطريقة أنانية، وتذكَّرْ أنَّك ستعيشُ في هذه الدنيا لفترة محدودة؛ لذا لا مانع من الاستمتاع بها، كما عليك أن تتوقفَ عن القلق بشأن آراء الآخرين، وما يظنُّونه بك وتحترمَ حياتَهم الخاصة، فليس الجميعُ جالسين بانتظارك كي تفعل أمراً ما ليُثنوا عليك من أجله.

حين تتوقف عن المحاولة جاهداً لتلقي الثناء من الآخرين، ستحصل على التقدير والعُرفان الذي ترغب فيه فعلاً؛ لذا أنصحك بأن تثقَ بنفسك دائماً دون الاعتماد على أسباب خارجية كاهتمام الآخرين ومديحهم كي تُنجز أعمالك.

لا يحبُّ الناس الوجودَ بالقرب من الأشخاص الساعين إلى جذب الانتباه؛ بل يحبُّون مخالطة الأشخاص الواثقين من أنفسهم بدلاً من ذلك لأنَّ الثقة بالذات ميزةٌ ملهمةٌ ومحفِّزةٌ للآخرين، ويقول الكاتب الأمريكي “نورمان فينسنت بيل” ( Norman Vincent Peale) في ذلك: “ثِقْ بنفسك وآمِنْ بقدراتك؛ إذ لا يمكنك أن تكون شخصاً ناجحاً أو سعيداً في حياتك دون أن تتمتع بثقةٍ متواضعةٍ لكن معقولةٍ في قواك وقدراتك الخاصة”.

كيفية كسبُ الثقة بالنفس دون الاستعانة بالآخرين:

عليكَ أن تقضيَ الوقت مع عددٍ كافٍ من الأشخاص الواثقين بأنفسهم كي تصبح بدورك شخصاً واثقاً بنفسه؛ فلا بدَّ أنَّك سمعتَ بالخلية العصبية المرآتية؛ إذ وجد علماءُ الأعصاب في “إيطاليا” (Italy) في الثمانينيات أنَّ الرئيسيات تملك خلايا عصبية في أدمغتها مسؤولةً عن سلوك التقليد؛ وبعبارةٍ أبسط، نحن نقلِّد تصرُّفات وسلوكات بعضنا، فهذه هي الطريقة التي تعلَّمتُ بها أيضاً من المنتورز المسؤولين عني أن أتوقف عن السعي إلى كسب قبول الآخرين.

تبدأ الثقة بالإيمان، وهو أمرٌ يمكنك خلقُه على الفور داخل نفسك؛ فبدلاً من الظن بأنَّك لا تستطيع، عليك أن تبدأ بالإيمان والتصديق بأنَّك قادرٌ على كلِّ شيء، وليس ذلك بالأمر المُعقَّد؛ ومن ثمَّ يأتي دور جسمك بعد ذلك، فبدلاً من الجلوس منحني الظهر، عليك أن تقف منتصب القامة وتوسِّع صدرَك وتبدأ بالتنفُّس عن طريق الأنف.

التفكير بالثقة بالنفس وممارستُها والشعور والإيمان بها:

لديَّ عدة منتورز يعملون بجدٍّ كبير لأجل أنفسهم؛ لكنَّهم يُعطون قيمةً للآخرين في الوقت ذاته، ويتمكنون من قضاء وقتهم لإنجاز أعمالهم الخاصة؛ لأنَّهم لا يقلقون بشأن ما يظنُّه الآخرون بهم، وأفضلُ ما يعبِّر عن ذلك هو قول الممثِّل الأمريكي “دينزل واشنطن” (Denzel Washington): “أعملُ بجدٍ واجتهاد من أجل جمهوري، وأعدُّ ذلك أمراً ترفيهياً فلا أحتاج إلى نيل قبول الآخرين”.

أفضل ما في التوقُّف عن الاعتماد على الآخرين لنَيل الثقة بالنفس هو أنَّك تستطيع التركيز على الأمور الهامة في حياتك؛ إذ لا يحدِّدُك أو يقيِّمُك عددُ الإعجابات أو الإطراءات أو المكافآت أو كمية المديح والثناء الذي تتلقاه من الآخرين؛ بل أنتَ نتاج أفعالك وتصرُّفاتك فقط، كما يقول الكاتب الأمريكي “ويل ديورانت” (Will Durant): “نحنُ نتاج أفعالنا التي نعيدُها مراراً وتكراراً”.

في الختام:

ليست الكلمات والأقوال أموراً هامة؛ بل التصرُّفات والأفعال هي الشيءُ الواقعي والملموس الوحيد لدينا في هذا العالم، ولا بدَّ أنَّك ستصبح في النهاية أكثر ثقةً بنفسك إن تصرَّفتَ بطريقة مناسبة، وتذكَّرْ أنَّك تتمتع بقدرات أكبر ممَّا تظن؛ ومن ثَمَّ ليس عليك إلَّا أن تبحثَ عن الثقة داخل نفسك وليس في الخارج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى