ميرال الطحاوى تتحدث لـ “اليوم السابع” عن روايتها “أيام الشمس المشرقة”
ثقافة أول اثنين:
فى أغسطس الماضى، التقى تليفزيون “اليوم السابع” بالكاتبة الدكتورة ميرال الطحاوى، أستاذة الأدب العربي في كلية اللغات العالمية والترجمة بجامعة آريونا الأمريكية، فى حوار خاص، حول رواية “أيام الشمس المشرقة”، التى تعد أحدث رواياتها، وفي يناير 2023 وصلت روايتها إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، التى تعد أشهر جائزة للرواية، واليوم، وصلت الرواية إلى القائمة القصيرة، التى تعد بمثابة جائزة، إذ يحصل الكاتب الذى تصل روايته إلى القائمة القصيرة على 10 آلاف دولار، وفي حالة فوزه بالجائزة الكبرى يحصل على 50 آلاف دولار إضافية.
وفى هذا السياق، يعيد اليوم السابع نشر حوار الكاتبة الدكتورة ميرال طحاوى، الذى كشفت خلاله عن كواليس مشروع رواية “أيام الشمس المشرقة” التى عن دار العين للنشر، فى القاهرة، والتى تدور أحداثها حول عالم المهاجرين، لتسلط الضوء على الخريطة النفسية لأبطالها، وأبعادهم الاجتماعية، من خلال تجربتها التى تعرفت فيها على جميع شخصيات روايتها الأحدث.. وإلى نص الحوار
» منذ بداية الرواية فوجئ القارئ بتعدد حوادث قتل.. هل كان المغزى هو إشعال الإثارة والتشويق أم ماذا؟
الراوية بدأت بانتحار “جمال” ابن “نعم الخباز”، وجزء من بداية الرواية بفكرة الانتحار هو أن القتل عادي، وأن الحياة الاجتماعية شديدة التوتر، وأن عمليات إطلاق النار عادية، سواء بسبب أو بدون سبب، وهى إحدى مشكلات التى دائما ما نتحدث عنها بشأن الولايات المتحدة الأمريكية، وهى أن حوادث إطلاق النيران غير مبررة، وكذلك حوادث الانتحار، وبخاصة تحدث فى الجيل الثانى لدى المهاجرين، وفى نطاق الحياة الاجتماعية التى يعيش فيها الهامش، فهناك من يقتل مجانا، وحتى يومنا هذا، لم يجد علماء النفس والاجتماع تفسيرا لها، وبحسب تأويلى فربما يكون السبب هو السأم، وفى المقابل نجدهم فى أمريكا دائما يناقشون حرية اقتناء السلاح، فأى مراهق فى سن الـ18 عاما بإمكانه اقتناء سلاح، وهو حق دستورى لأى مواطن أمريكى، ومع كل رئيس أمريكى جديد يأتى يتم مناقشة هذا الأمر.
» لكن منذ بداية الرواية وحتى نهايتها فنحن أمام جغرافيا بديلة دون الإشارة إلى اسم الدولة بل يطلق عليها “أرض الشمس المشرقة” فلماذا؟
الرواية بداخلها إضاءات حول العلاقات بين الولايات المتحدة والجنوب، ولكن هذه المشكلة تعد من إحدى المشكلات فى أستراليا أو أوروبا، وبرأيي فإن جغرافيا المهاجرين تبدو واحدة، فالمدن التى يعيشون فيها ذات طبيعة واحدة، فوحدة الملامح أنها دائما ما تكون بلدات حدودية، ومن هنا قررت أن أبدأ من المطلق، من القرية أو البلدة الصغيرة التى تقع على أطراف المنتجعات، والتى تسمى بلغة المهاجرين المحطة الأولى للمهاجر الذى يتعرف من خلالها على العالم، وفيها يجد نفسه بشكل من الأشكال متورطا فى حياتها حتى نهاية حياته، ومن خلال هذه البلدات التى رأيت الكثير مثلها أو قرأت عنها وجدت أن الملامح متشابهة بنسبة كبيرة جدا.
» وهل يمكن القول بأن “أيام الشمس المشرقة” تمثل بشكل ما جزءا من تجربتك الشخصية؟
بها جزء من معرفتى وخبرتى بهذا العالم، فكونى أستاذة جامعية، جعلنى أتنقل بين جامعات أمريكية كثيرة فى الولايات، بداية من نيويورك، وفرجينيا، ففى كل ولاية كنت أبحث عن الأماكن القريبة منى، تلك الأماكن التى أجد فيها الخبز المصرى مثلا، هذه الأماكن هى التى تجد فيها غالبية الهامش، وأرى فيها أناس يشبهوننى، ففى كل المدن دائما مجتمعات صغيرة مغناطيسية بالنسبة إلى المهاجرين، ففيها يجدون أنفسهم يشبهون بعضهم البعض، ومن هنا تتكون هذه الحاضنة التى رأيتها وكنت أبحث عنها كما يبحث عنها الآخر، والأمر ليس قاصرا على المهاجرين العرب فقط، فهناك اليابانيين أو الصينيين، وغيرهم، ومن هنا يخلقون الهامش الحالم بالمستقبل.
رواية أيام الشمس المشرقة تصل جائزة البوكر 2023
» من من شخصيات الرواية تعرفتي عليهم فى هذا الهامش الحالم؟
جميع الشخصيات أحببتها، وأجزم بأن جميع الشخصيات رأيتها وأحببتها، شخصية “نعم الخباز” رأيتها كثيرا جدا، وشخصية الإمام، رأيته فى أكثر من ولاية، والأكثر شخصية “نجوى” طالبة الدكتوراه المصرية، هذه الشخصيات رأيتهم كثيرا، فأغلبهم يكونوا غير قادرين على مجاراة الحياة وتنتهى بهم الحياة بشكل مؤسف.
» التناقض بين اسم الرواية وبداية أحداثها.. كيف تكونت هذه المعادلة؟
من الواقع، هذا الواقع نجده فى ثقافة المدن المخترعة حديثا، فالأسماء دائما ما تحتوى على أسماء تشير إلى عوالم رنانة ولكنها فى الواقع على غير حقيقتها، ولكن الفكرة كانت فى اللعب على المفارقة، ومعمار هذه المفارقة، وهذا ما حرصت عليه فى أشياء كثيرة جدا.
ميرال الطحاوى
وكيف بدأ مشروع هذه الرواية؟
البداية كانت من الخبرة والتنقل، وكان الهدف هو خلق بورتريه لمكان أو بلدة غائص بالغرباء، وأصور فيه حياتهم وأحلامهم، والخلفيات التى أتوا منها، فالشخصيات طوال الوقت كانت لدى سواء فى المخيلة أو فى الواقع، ولم يكن صعبا على الإطلاق أعثر عليها، فهذه الشخصيات سوف تجده فى أى بلد لديه مهاجرين، ومن هنا أحببت أن ألقى الضوء على عالم يومي متكرر، وكيف تنتهى هذه الرحلة بدورة غير منتهية من التكرار والعبث، وبخاصة أنه ليس من السهل تحقيق الأحلام، وأن صورتنا عن المغترب وردية جدا، وهى على العكس تماما منذ ذلك، وكيف يطالبون اليوم بالرجوع إلى أوطانهم مرة ثانية، ففى السنوات الأخيرة وقعت أحداثا كثيرة دفعت إلى انتشار المهاجرين، وبالتدريج تحول هذا المجتمع إلى جحيم بالنسبة إليهم، وفى الوقت نفسه، هم ليسوا بقادرين على قبول النظام نفسه، فالتعثر دائما ما يكون فى الجيل الثانى، وهو الجيل الذى يكون أكثر اغترابا وميلا إلى الخلاص من حياته، إما بالاندماج التام أو الانتحار، وهذا الجيل رأيته كثيرا، وهو مخيف جدا، فكثير منهم يبحثون عن الجماعات الدينية، ولديهم حيرة من أمرهم، فبعد فرحة الحصول على الإقامة، يجدون أنفسهم أمام العديد من التساؤلات الكثيرة.
» هل تعتقد أن أدب المهجر عاد ليتصدر المشهد العربى مرة أخرى؟
العولمة، الحروب، الهجرات، نحن لم نر كم المراكب المحترقة، وهذه التجارة البشرية التى أسمها العبودية المجانية، تلك الرغبة فى الهرب إلى الضفة الأخرى، أصبحت بمثابة هاجس كبير بالنسبة لأجيال كثيرة، وأنا لست بواعظة اجتماعية، ولكن أنا لدى تجربة أصفها كما هى، فأنا لدى أسئلة كثيرة بالنسبة لتجربتى، وهذه التجربة أراها اليوم بوضوح، وهى أن المجتمعات البديلة ليست رحبة أو قادرة على استيعاب الآخرين، ناهيك عن أن المهاجر نفسه غير قادر على الاندماج، ويحاول دائما فرض ثقافته على الآخرين، وكأنه لا يزال في وطنه، فيخلق نفس الحياة التى كان عليها فى وطنه، هذه الصعوبة فى الاندماج، فأول ما يبحثون عنه فى الوطن البديل، من الذى سيقوم بالختان، وبالزواج، وإلى ما ذلك، وبالتالى يحدث الفصل.
» على ذكر التجربة.. لو عاد بك الزمن للوراء فهل ستخوضين تجربة الهجرة؟
هناك مسألة وجودية خاصة بالكاتب، فأنا كمدرسة عملت وترقيت فى الدرجات، ولكن ككاتبة فأنا أخص هؤلاء الذين أعيش معهم هنا، وأكتب بلغتهم هنا، ولهذا فالتجربة أو الهجرة ذاتها قد تجعلك بعيدا عنهم، عن مسقط رأسك، وهى بالنسبة للمثقف مسألة مأساوية، تتسبب له فى حالة فصام بينه وبين اللغة التى يكتب بها، أيضا تجعلك بعيدا وكأنك “مش موجود” فالإحساس بالمظلومية يشعر به كثيرون، وطوال الوقت فى الغربة فأنت شخص لك ملامح أخرى، ولا يهم أحد على الإطلاق إذا كنت كاتبا أو مشهورا، بالنسبة لى، ولكونى أدرس الأدب العربى، فعالمى هو عالم الكتابة، شعرت بأن لدي وظيفة جديدة، وهى تعريف الطالب الأمريكى بالحياة الثقافية العربية، التى تستحق كل الالتفات، وهو أمر يبدد بعض الإحساس بالوحشة.
» وهل تفكرين دائما فى العودة إلى مصر؟
دائما أشعر بالحنين والعودة، فعلى الرغم من وجودى الآن فى مصر، والتعامل معى كأستاذة فى الجامعة الأمريكية، يتم استضافتها فى مصر، لكننى لا أشعر بالغربة، ولكننى لا أتصور أنه لا يوجد أغلى من الوجود فى الوطن بين الأهل والأصدقاء.
» وهل اتخذتى قرار العودة؟
لا، لأن لدى وظيفة وطلبة، ولكننى أحب أن أكون متواجدة هنا أكثر، وليس لدى طموح أكبر من ذلك على المستوى الأكاديمي، ولكننى أحب كونى كاتبة، ومتواجدة فى وطنى أكثر.
» إضاءة
ميرال الطحاوي كاتبة وروائية مصرية ولدت في مدينة الحسينية بمحافظة الشرقية – وهي ابنة لقبيلة “الطحاوية” التي تعد من أهم وأكبر القبائل البدوية المصرية – حصلت على ليسانس الآداب من جامعة الزقازيق.. ثم واصلت دراستها الأكاديمية الماجستير والدكتوراه وتُدرس حاليا الأدب المقارن بجامعة القاهرة.
صدرت لها مجموعة قصصية – واحدة – بعنوان “ريم البراري المستحيلة” وهي على مقاعد الدراسة الجامعية تبعتها بثلاث روايات صنفت كأهم الروايات التي صدرت خلال فترة التسعينيات هي “الخباء”، “الباذنجانة الزرقاء”، “نقرات الظباء”، ترجمت أعمالها الى العديد من اللغات خاصة الإنجليزية والألمانية، ونالت روايتها “بروكلين هايتس “جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية، ورشحت لجائزة البوكر العربية، وصدرت مؤخرا روايتها “أيام الشمس المشرقة” عن دار العين للنشر في القاهرة.
وقد أصدرت من قبل مجموعة من الكتب الأكاديمية؛ «محرمات قبلية.. المقدس وتخيلاته في المجتمع الرعوي روائياً»، و«الأنثى المقدسة… أساطير المرأة في الصحراء»، و”بعيدة برقة عن المرسال ” وتعمل حاليا أستاذا زائرا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.