روايات عربية.. “تكوين” تصدر رواية “باقى الوشم” للكويتى عبد الله الحسينى
ثقافة أول اثنين:
نقرأ من أجواء رواية باقي الوشم:
مثل نبيٍّ يكذّبه قومه، كانت جدتي حمضة السَّحّاب. في واحدٍ من تلك البيوت المتشابهة، اللصيقة ببعضها، ثمّة بيت، منذ ابتنته الحكومة في أواخر السبعينيات، بقيَ على حاله، حتى وطلائه الأصفر قدتقشّر، وبابه الحديدي كثٌرت حفره، وصناديق الجرائد، التي ما عاد أغلبها يصدر، مثبتةٌ على جداره.
وكان المارة بالقرب، في ليالي الصيف الحارة حتى، يلحظون خيط نارٍ ينبثق من فضاء حوشه، ويشمّون رائحة تُشبه الحريق إلا قليلًا، لكن أحدًا منهم لا يتوجّس خطرًا، إذ الجميع يعرف أنه بيت خليف عجيل، أبي، الذي يرعى أمه العجوز؛ حمضة السَّحّاب؛ تلك التي تتحرّى قدوم الربيع منذ أكثر من سبعين عامًا.
في كل صبح، وكمن تمارس طقسًا يوميًا، تطل من باب البيت. تشخص ببصرها نحو السماء. يداها تعبثان بخيوط الشّال؛ إذ في الأيام التي تصل درجة الحرارة، بالنسبة إلينا، إلى الخمسين مئوية، كانت تحيط كتفيها به.
وحين تصل إلى ما دون العشرة، والصفر أحيانًا، فيتضاعف البرد في جسدها، تتدثر بمعطفٍ صوفي يصل إلى حد فخذيها. تقطع خطوات عدة في الحوش، لتتعرف إلى كنه الجو. وحين لا يهب عليها نسيمٌ رقيق، ولا تلفحها حرارة، وهو ما يحدث دائمًا، تلتفت إلينا متسائلة: “هوَّ الرّبيع إيا لو بعد” وما جاء بعد؛ إذ لا ربيع، مثلما لا صيف..
قالوا عن رواية باقي الوشم
بشرى خلفان: نسج عبدالله حمضة السحاب بمهارة فائقة، أعطاها ظلا فصرت أراها، حتى صارت صورتها موشومة في قلبي، إذ رأيتها ملتفة في دثارها وهي ترقص وتمشي وتضحك وهي تغلق بابها على نفسها لتبكي، وهي ترتجف من برد لا يشعر به غيرها، ومع مضي السرد صرت أخاف عليها وأريد أن أجنبها انكسار القلب ومرارة حزن الأمهات، ومثلها أيضا صرت ارتجف في انتظار الربيع.
محمد هشام المغربي: إنه لا يرفع لافتات سياسية عملاقة ولا يسطر بكائية متكلفة، بل يفتح أعيننا – كما يفتح عدسته- على اليومي من الأحداث التي تحمل في جوهرها هذه المأساة الكبيرة. إنه يوقف القارئ أمام أسئلة إنسانية كبيرة تسكن في بساطة المشهد.
بثينة العيسى: إذا لم تحقق هذه الرواية المقروئية التي تستحقها، فهذا لأنَّ العالم غير عادِل، ولأنَّ قوانين السوق تُؤْثِر ما هو سهل ومبتذل مقابل ما هو حقيقي وطازج. لكن في كل الأحوال، أصبحت في خارطة الأدب الكويتي اليوم علامة فارقة يصعب تجاوزها أو حتى تجاهلها.