التاريخ الإسلامي

سعد بن أبي وقاص


سعد بن أبي وقاص

 

الحمد لله ناصر أوليائه الصادقين، ومذل أعدائه الكاذبين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وأصحابه الغُرِّ الميامين، وأزواجه أمهات المؤمنين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، هو أحد العشرة الذين بشَّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

النسب:

سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة.

 

كنية سعد: أبو إسحاق.

 

أم سعد: هي حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ 101).

 

إسلام سعد بن أبي وقاص:

أسلم سعد بن أبي وقاص وهو ابن سبع عشرة سنة، وهاجر إلى المدينة وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن معاذ؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي، جـ 1، صـ 356).

 

روى البخاري عن سعد بن أبي وقاص، قال: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام؛ (البخاري، حديث 3727 ).

 

أولاد سعد بن أبي وقاص:

رزق الله تعالى سعد بن أبي وقاص سبع عشرة ذكرًا، وثماني عشر أنثى؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ 3، صـ 102).

 

ابتلاء سعد في سبيل الله:

(1) قال سعد بن أبي وقاص: أُنزِلَتْ فيَّ هذه الآية: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ [لقمان: 15]، وكنت رجلًا برًّا بأمِّي، فلما أسلمت، قالت: يا سعد، ما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتُعيَّر بي، فيقال: “يا قاتل أمِّه”، فقلت: لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثَتْ يومًا وليلةً لم تأكل فأصبحت قد جهدت، فمكثَتْ يومًا آخر وليلةً أخرى لا تأكل، فأصبحت قد اشتدَّ جهدها، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمه، تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسًا نفسًا، ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكُلِي، وإن شئت لا تأكلي، فأكلت؛ (تفسير ابن كثير، جـ 11، صـ 54).

 

(2) روى أبو نعيم عن سعد بن أبي وقاص، قال: كنا قومًا يُصيبنا ظلف العيش بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدَّته، فلمَّا أصابنا البلاء اعترفنا لذلك ومرنا عليه، وصبرنا له، ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خرجت من الليل أبول وإذا أنا أسمع بقعقعة شيء تحت بولي، فإذا قطعة جلد بعير، فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها فوضعتها بين حجرين، ثم استففتها وشربت عليها من الماء، فقويت عليها ثلاثًا؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 93).

 

أحاديث سعد بن أبي وقاص:

روى سعد مئتين وسبعين حديثًا، فمن ذاك في الصحيح ثمانية وثلاثون حديثًا؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 3، صـ 124).

 

روى البخاري عن عبدالله بن عمر، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه مسح على الخُفَّينِ، وأن عبدالله بن عمر سأل عمر عن ذلك، فقال: نعم، إذا حدَّثك شيئًا سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عنه غيره؛ (البخاري، حديث 202).

 

مناقب سعد بن أبي وقَّاص:

(1) روى الترمذي عن عبدالرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليٌّ في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة))؛ (حديث صحيح) (صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث 2946).

 

(2) روى مسلم عن سعد، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرُدْ هؤلاء، لا يجترئون علينا، قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أُسَمِّيهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدَّث نفسه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الأنعام: 52]؛ (مسلم، حديث: 2413).

 

(3) روى البخاري عن سعد بن أبي وقاص، قال: عادني النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع من مرض أشفيت منه على الموت، فقلت: يا رسول الله، بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدَّق بثلثي مالي، قال: ((لا))، قال: فأتصدَّق بشطره، قال: ((الثُّلُث يا سعد، والثُّلُث كثيرٌ؛ إنك إنْ تَذَر ذُريَّتَك أغنياء خيرٌ مِنْ أنْ تذَرَهم عالةً يتكفَّفُون الناس، ولست بنافق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا آجرك الله بها حتى اللقمة تجعلها في فِي امرأتِك))، قلت: يا رسول الله، أُخَلَّفُ بعد أصحابي، قال: ((إنك لن تُخَلَّفَ فتعمل عملًا تبتغي به وَجْه الله، إلَّا ازددت به درجةً ورفعةً، ولعلَّك تُخَلَّف حتى ينتفع بك أقوام ويُضَرُّ بك آخرون، اللهم أمْضِ لأصحابي هجرتهم، ولا ترُدَّهم على أعقابهم))؛ (البخاري، حديث: 3936).

 

(4) روى الترمذي عن جابر بن عبدالله، قال: أقبل سعد بن أبي وقَّاص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هذا خالي فليُرني امرؤ خاله))؛ (حديث صحيح) (صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث 2951).

 

قال الترمذي: كان سعد بن أبي وقَّاص من بني زهرة، وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة؛ فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هذا خالي))؛ (سنن الترمذي، جـ 5، صـ 607).

 

5) قال أبو المنهال: سأل عمر بن الخطاب عمرو بن معد يكرب، عن سعد بن أبي وقاص، فقال: “متواضِع في خبائه، عربي في نمرته (عباءته)، أسد في تاموره (عرين الأسد، وهو بيته الذي يأوي إليه)، يعدل في القضية، ويقسم بالسويَّة، ويبعد في السرية، ويعطف علينا عطف الأم البرة، وينقل إلينا حقنا نقل الذرة (النملة الحمراء)؛ (أسد الغابة، لابن الأثير، جـ 2، صـ 235).

 

6) قال عمر بن الخطاب: والله، لوددت أني خرجت منها كفافًا؛ لا عليَّ، ولا لي، وأن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت لي، ولو أن لي طلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من هول المطلع، وقد جعلتها شورى في عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف وسعد؛ (تاريخ الخلفاء للسيوطي، صـ 126).

 

7) قال عمرو بن ميمون: لما أصيب عمر بن الخطاب، جعل الأمر شورى في السِّتَّة، وقال: من استخلفوه فهو الخليفة بعدي، وإن أصابت سعدًا، وإلَّا فليستعن به الخليفة بعدي، فإنني لم أنزعه- يعني عن الكوفة- من ضعف ولا خيانة؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 1، صـ 118).

 

حب سعد للأنصار:

قال عامر بن سعد بن أبي وقاص: قلت لأبي: يا أبت، إني أراك تصنع بهذا الحي من الأنصار شيئًا ما تصنعه بغيرهم، فقال: أي بني، هل تجد في نفسك من ذلك شيئًا؟ قال: لا، ولكن أعجب من صنيعك! قال: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الأنصارُ لا يُحِبُّهم إلَّا مؤمنٌ، ولا يُبغِضُهم إلا منافق))؛ (أسد الغابة لابن الأثير، جـ 2، صـ 235).

 

زهد سعد في الدنيا:

روى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص، قال: ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتُّل، ولو أذن له لاختصينا؛ (البخاري، حديث: 5073/مسلم، حديث: 1402).

 

ورع سعد بن أبي وقاص:

قال طارق بن شهاب: كان بين خالد بن الوليد وسعد كلام (خلافات)، فذهب رجل يقع في خالد (يغتابه) عند سعد، فقال: مه، إن ما بيننا لم يبلغ ديننا؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 95:94).

 

جهاد سعد بن أبي وقاص:

شهد سعد بَدْرًا وأُحُدًا، وثبت يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولي الناس، وشهد الخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة، وكانت معه يومئذٍ إحدى رايات المهاجرين الثلاث، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من الرُّماة المشهورين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ 105).

 

(1) روى البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: إني لأول العرب رمى بسهمٍ في سبيل الله، وكنَّا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشجر؛ (البخاري، حديث: 3728).

 

(2) روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم أُحُد، قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارْمِ فِداكَ أبي وأُمِّي))، قال: فنزعت له بسهم ليس فيه نَصْل، فأصبت جَنْبَه فسقط، فانكشفت عورتُه، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نظرتُ إلى نواجِذِه؛ (مسلم، حديث: 4212).

 

(3) روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سهر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلةً، فقال: ((ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة))، قالت: فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح، فقال: ((من هذا؟))، قال: سعد بن أبي وقاص، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما جاء بك؟))، قال: وقع في نفسي خوفٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أحرسُه، فدعا له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ نام؛ (البخاري، حديث: 2885/مسلم، حديث:2410).

 

4) قال ابن إسحاق: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا، ذهبوا في الشِّعاب، فاستخفُّوا بصلاتِهم من قومهم، فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، في شعب من شعاب مكة؛ إذ ظهر عليهم نفرٌ من المشركين وهم يصلُّون، فناكروهم، وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذٍ رجلًا من المشركين بلحي (عظم) بعيرٍ فشجَّه، فكان أول دمٍ أهريق في الإسلام؛ سيرة ابن هشام، جـ 1، صـ 263).

 

سعد قائد معركة القادسية:

تولى سعد بن أبي وقاص قيادة جيوش المسلمين في معركة القادسية، فجعل أمر الحرب إلى خالد بن عرفطة، وجعل على الميمنة جرير بن عبدالله البجلي، وعلى الميسرة قيس بن مكشوح، وكان قيس والمغيرة بن شعبة قد قدما على سعد مددًا من عند أبي عبيدة من الشام بعد ما شهدا وقعة اليرموك.

 

كان المسلمون ما بين السبعة آلاف إلى الثمانية آلاف، وكان رستم (قائد الفرس) كان في ستين ألفًا، فصلَّى سعد بالناس الظهر، ثم خطب الناس فوعظهم وحثَّهم، وتلا قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105]، وقرأ القُرَّاء آيات الجهاد وسوره، ثم كبَّرَ سعد أربعًا، ثم حملوا بعد الرابعة، فاقتتلوا حتى كان الليل فتحاجزوا، وقد قتل من الفريقين بشر كثير، ثم أصبحوا إلى مواقفهم فاقتتلوا يومهم ذلك وعامة ليلتهم، ثم أصبحوا كما أمسوا على مواقفهم، فاقتتلوا حتى أمسوا، ثم اقتتلوا في اليوم الثالث كذلك، وأمست هذه الليلة تُسمَّى ليلة الهرير، فلما أصبح اليوم الرابع اقتتلوا قِتالًا شديدًا، وقد قاسوا من الفيلة بالنسبة إلى الخيول العربية بسبب نفرتها منها أمرًا بليغًا، وقد أباد الصحابة الفيلة ومَنْ عليها، وقلعوا عيونها، وأبلى جماعةً من الشجعان في هذه الأيام مثل طليحة الأسدي، وعمرو بن معدي كرب، والقعقاع بن عمرو، وجرير بن عبدالله البجلي، وضرار بن الخطاب، وخالد بن عرفطة، وأشكالهم وأضرابهم، فلما كان وقت الزوال من هذا اليوم ويُسمَّى يوم القادسية، وكان يوم الاثنين من المحرم سنة أربع عشرة من الهجرة، وهبَّت ريح شديدة فرفعت خيام الفرس عن أماكنها، وألقت سرير رستم (قائد جيوش الفرس) الذي هو منصوب له، فبادر فركب بغلته، وهرب فأدركه المسلمون فقتلوه، وانهزم الفرس، وقتل من الفرس في هذه المعركة نحو من أربعين ألفًا، واستشهد من المسلمين نحو من ألفين وخمس مئة، ودخل المسلمون المدائن، عاصمة الدولة الفارسية.

 

وقد غنم المسلمون الكثير من الأموال والسلاح، وبعث سعد بن أبي وقَّاص بالخمس والبشارة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد كان عمر رضي الله عنه، يستخبر عن أمر القادسية كُلَّ مَن لقيه من الركبان، ويخرج من المدينة إلى ناحية العراق يستنشق الخبر، فبينما هو ذات يوم من الأيام إذا هو براكبٍ يلوح من بعد، فاستقبله عمر فاستخبره، فقال له: فتح الله على المسلمين بالقادسية، وغنموا غنائم كثيرة، وجعل يُحدِّثه، وهو لا يعرف عمر وعمر ماشٍ تحت راحلته، فلمَّا اقتربا من المدينة جعل الناس يحيُّون عُمَرَ بالإمارة، فعرف الرجل عمر، فقال: يرحمك الله يا أمير المؤمنين، هلا أعلمتني أنك الخليفة؟ فقال: لا حرج عليك يا أخي؛ (البداية والنهاية لابن كثير، جـ 9، صـ 45:44).

 

دعاء سعد بن أبي وقاص مستجاب:

روى الترمذي عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((اللهم استجِبْ لسعدٍ إذا دعاك))؛ (حديث صحيح) (صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث 2950).

 

روى البخاري عن جابر بن سمرة، قال: شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر رضي الله عنه، فعزله واستعمل عليهم عمَّارًا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يُحسِن يُصلِّي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فأرسل معه رجلًا أو رجالًا إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه ويثنون معروفًا حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم يُقال له أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعدة، قال: أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسريَّة، ولا يُقْسِم بالسويَّة، ولا يعدِل في القضية، قال سعد: أما والله، لأدعونَّ بثلاث: اللهُمَّ إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعةً، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرِّضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد.

 

قال عبدالملك (أحد رواة الحديث): فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرَّض للجواري في الطُّرُق يغمزهن؛ (البخاري، حديث: 755).

 

سعد في حروب الفتنة:

اعتزل سعد الفتنة، فلم يحضر موقعة الجمل ولا صفين ولا التحكيم.

 

(1) قال أيوب السختياني: اجتمع سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وابن عمر وعمار بن ياسر، فذكروا الفتنة، فقال سعد: أما أنا فأجلس في بيتي ولا أدخل فيها؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 94).

 

(2) قال محمد بن سيرين: قيل لسعد بن أبي وقاص: ألا تقاتل، فإنك من أهل الشورى، وأنت أحق بهذا الأمر من غيرك؟ فقال: لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان، يعرف المؤمن من الكافر، فقد جاهدت وأنا أعرف الجهاد؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 94).

 

(3) جاء هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى عمِّه سعد، فقال: ههنا مائة ألف سيف يرونك أحق بهذا الأمر (أي: بالخلافة)، فقال: أريد منها سيفًا واحدًا، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئًا، وإذا ضربت به الكافر قطع؛ (الإصابة لابن حجر العسقلاني، جـ2، صـ 31).

 

وفاة سعد بن أبي وقاص:

مات سعد في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، فحمل على رقاب الرجال إلى المدينة وصلَّى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذٍ والي المدينة، ثم صلَّى عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجرهن ودفن بالبقيع، وكان أوصى أن يكفن في جبة صوف له، كان لقي المشركين فيها يوم بَدْر، فكفن فيها، وذلك في سنة خمس وخمسين، وهو ابن اثنتين وثمانين عامًا؛ (صفة الصفوة، جـ 1، صـ 361:360) (البداية والنهاية، جـ 9، صـ 45:44).

 

ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكِرام، وأرجو كل قارئ كريم أن يدعو الله سبحانه لي بالإخلاص، والتوفيق، والثبات على الحق، وحُسْن الخاتمة، فإن دعوة المسلم الكريم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة، وأختم بقول الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]، وآخر دعوانا أن الـحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا مـحمد، وآله وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى