دموع محامٍ تبرئ قاتلة.. قصة المحامى الإنجليزى الذى كرهه المصريون
ثقافة أول اثنين:
إن مقتل الوجيه على فهمى فى سنة 1923 على يد زوجته الفرنسية مرجريت فهمى كانت واحدة من أشهر القضايا التى تابعتها الصحافة زمان، خاصة أن مارجريت حصلت على البراءة، والسبب فى ذلك كان محاميها الشهير السير “إدوارد مرشال هول” الذى حول مجرى القضية وجعلها صراعا بين الشرق بماضيه والغرب بحاضره ومستقبله، هذا المحامى كرهه المصريون، وظل يشغل بالعم كثيرا، حتى أن مجلة “الدنيا المصورة” التى كانت تصدرها دار الهلال، قد نشرت فى عددها الصادر فى 16 أكتوبر 1929 تقريرا عنه بعنوان “دموع محامى تبرئ قاتله.. كيف كان يترافع السير إدوارد مارشال هول المحامى الذى دافع عن السيده مارجريت فهمى”.
الدنيا المصورة
تقول المجلة:
لم ينس المصريون بعد حادث مقتل المرحوم على بك كامل فهمى على يد زوجته الفرنسية مرجريت فهمى التى ما زالت تطالب بحقا فى إرثه ارتكانا على حكم البراءة الذى قضت به لمصلحتها محكمة جنايات لندن، رغم ثبوت واقعة طربها لزوجها بالرصاصة التى أودت بحياته، كذلك يذكر القراء أن الذى يدافع عن الزوجة القاتلة فى قضيتها تلك، كان السير إدوارد مرشال هول، وأن هذا المحامى القدير قد بكى أثناء دفاعه عنها، فكانت لدموع المحامى نتيجتها المرجوة من التأثير على هيئة المحلفين حتى أصدروا حكم البراءة المشهور الذى قوبل بالسخط فى الدوائر المصرية على الأقل لأسباب كثيرة أهمها جهلنا بنظام المحلفين فى المسائل الجنائية وعدم استساغتنا له.
وقد وضع المستر نورمان ماجورى بانكس عضو البرلمان الإنجليزى كتابا فصل فيه تفصيلا وافيا تاريخ حياة المحامى الكبير الذى قال عنه اللورد بيركنهد “لقد كان مرشال هول ماردا بين الرجال فى القلب وفى الجسم سواء” ويلفت النظر بنوع خاص مما ورد فى هذا الكتاب الطريقة التى كان ذلك المحامى يعد دفاعه بها فإنه كان يكاد يستظهر دفاعه عن ظهر قلب قبل أن يذهب إلى المحكمة لإلقائه، ولم يكن يقتصر على “مذاكرة” الكلام فقط، وإنما كان يحفظ الإشارات والحركات التى سيبديها فى الجلسة كما يحفظ الممثل دوره قبل أن يظهر على خشبه المسرح، بل إن حفظه للإشارات والحركات كان أدق كثيرا من حفظه للعبارات والألفاظ، فإنه كان يقف فى غرفة مكتبه الواسعة الأرجاء لابسا روبا المحاماة ثم يتقدم إلى ناحية من الغرفة يتخيل فيها موقفه فى قاعة الجلسة، ويبدأ فى إلقاء دفاعه بنفس النبرات وارتفاع الصوت أو انخفاضه بحسب ما يراه ملائما بمعنى الكلام الذى يلقيه، فإذا وصل إلى موضع “وقف الكلام” حسب المدة اللازمة لهذا الوقف حسابا دقيقا بأن يعد قائلا (1 2 3 .. تنهيد عميقة.. 1 2 3 خطوه إلى الأمام.. خطوة أخرى.. 123 .. التفاتة صغيرة.. 1 2 .. خطوة إلى الوراء.. إشارة باليد اليمنى إلى المتهم.. كلام).
دموع محامي
ومن أهم مميزات السير مارشال هول أنه كان يلبس شخصية موكله ويندمج فيها بكليته حتى يعتقد أن التهمة ليست موجهة ضد متهمه وإنما ضده هو شخصيا، فيدفع الشبهات المؤيدة للتهم بقوة إنكار البرىء المأخوذ غدرا والذى يسعفه بيانه الساحر وبديهته الحاضرة فى درع الشبهات والقضاء عليها ومحو كل ما يمكن أن تتركه من أثر فى أذهان المحلفين أو النظارة.
ولعل هذا الشعور منه باندماجه فى شخصية المتهم هو الذى كان يسيل منه الدموع فى بعض المواقف التى كان يرى فيها دليلا أو قرينة ضده لا حيلة لها فى نفيها إلا بإنكارها والبكاء والنحيب لعدم استطاعته تقديم دليل ينقذها ومع أن كثيرا من هذه الدموع لم تكن صناعية فى الواقع فإن السير مرشال هول كان يدرك قيمتها فى التأثير على المحلفين والنظارة.