“عفوا..إنه الحب”مجموعة قصصية لـ إيمان العمرى تذيب الفارق بين الأدب والتاريخ
ثقافة أول اثنين:
“ازدادت دهشتى عندما دلفت إلى القاعة، فقد وجدت الزميلات كلهن تقريبًا فى ملابس الجوارى حتى من كن يتمتعت بمكانة عند رئيس مجلس الإدارة ارتدين نفس الملابس الفرق أن وضعن على رؤسهن تيجان فضية غريبة الشكل لا تنتمى لأى عصر.. ولا توضح هيئتهن فى صورة أى أميرة أو ملكة قد تنكرن.. لم يختلف الأمر بالنسبة للزملاء الرجال الغالبية العظمى ارتدوا ملابس الجنود الرومان .. عندما رأيت مروان يرتدى زى قائد رومانى رنت فى أذنى كلمات الأستاذ محمود عن فيلم قلبى دليلي.. شعرت بالفخر بنفسي، وأنا أرتدى رداء بينيكو على الأقل شخصية معروفة” هكذا استهلت الكاتبة إيمان العمرى مجموعتها القصصية “إنه الحب” بقصة لحفلة تنكرية تدور أحداثها فى شركة كبرى تتنكر فيها بعض زميلات العمل فى زى الجواري. فيمهد هذا الزى ويربط بين باقى قصص مجموعتها الجديدة، فاختارت الزمن المعاصر، بوابة عبور إلى هذا الماضى الأبعد الذى عاشت فى الجوارى وكان شاهدا على حكم المماليك.
“لم تكن الشدة المستنصرية والتى عانى فيها المصريون من المجاعة هى أولى الأزمات فى عهد الدولة الفاطمية، وإن كانت أعظمها، فقد سبقتها أزمة حدثت فى عهد الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن على بن الحاكم بأمر الله… “إلى العصر الفاطمي” وبالتحديد فى نهاية عصر الخليفة المستنصر بالله فى أيام مجاعة حدثت نتيجة غياب مياه النيل بمصر “لسبع سنين متواصلة عرفت بالعجاف”.
إنه الحب
تأخذنا الروائية فيما بعد إلى العصر المملوكى حيث الصراعات على الحكم والألقاب – حيث بريق لقب الألفى وامتيازات المماليك فالألفى رتبة كان. تمنح لأكابر المماليك الذى يقود الواحد منهم ألف فارس.
“وقتها نظر المؤيد إلى كرسى السلطنة لماذا لا يجلس عليه منفردًا؟ ما الفرق بينه وبين من سبقه؟ كلهم خرجوا من منزل النخاس الذى جلبهم من بلاد بعيدة..”
وأبدعت الكاتبة فى نسج قصص الحب داخل الإطار التاريخى للأحداث فتميزت القصص بالتماهى بين خيال الأديبة والحقائق التاريخية. فجاءت مشاعر رقية وعلى شاهدة على العصر:
” ها هو قد دخل دائرة الخليفة ورجاله، فلن يعود كما كان … سيحاط بالمال والسلطان والجواري، ولن يتذكر ذهب رقية”.. يعتصرها الحزن وتتذكر نفسها، وهى تجرى خائفة، فتهرع إلى النيل تشكو له همها، وتسأله فى النهاية
” ترى هل نسينى على ؟!”
وتفيض عينيها بالدموع.. لم تهن على النهر فبعد شهور طوال شاركها دموعها، وفاض بالمياه..
وبأمر السلطان الأكبر ” النيل ” انتهت كل المشاكل، وأحس الناس بلذة الشبع.. عادت الحياة للبلاد، وعمًرت الاسواق بمختلف البضائع، وملأت الحلوى أفواه الناس، لكن ظلت رقية كعادتها تذهب إلى النهر تسأله:
” ترى هل نسينى على ؟”
لتسمع صوتا يهمس فى أذنها..
– أحبك …”
وفى حكايتها الأخيرة – اختارت الكاتبة أن تحكى قصة شهرزاد. فنجد الكاتبة تتنافس مع أقدم كاتبة عرفها التاريخ العربى فيمن تقوم بدور الراوية.
فلم تسمح لشهرزاد بالقص كما عهدناها بل قامت العمرى بوصف حياة أقدم راوية عرفها التاريخ العربى دون سرد لما كانت تحكى لشهريار كل ليلة.
اخذتا ايمان العمرى لعالم شهرزاد المليء بالكتب ومؤامرات الجواري. فركزت على مشاعر الحب بين شهرزاد وشهريار ما أثر على تجارة الجوارى الرائجة حيث لم يعد التاجر يأتى بجارية جديدة كل يوم لشهريار.
“وقف خلفها يتأملها، وخصلات شعرها الأسود تلمع متلألأة فى أشعت الشمس .. تملكته مشاعر الغيرة، وهو يراها تمسك بالكتاب، وتضعه على صدرها بعد أن فرغت من قراءته، وكأنها تعانقه فأمسك به ما أصابها بالفزع، لكنها هدأت عندما رأته، وابتسمت له وهى تحاول الوقوف، لكنه أشار لها بأن تظل كما هي، وجلس بجوارها، وهو يسألها عما تقرأ
– كتاب فى التاريخ ..”
وربما يلخص هذا المقطع الذى تصف فى العمرى ما يدور فى عقل شهريار عن منهج الكاتبة الذى يمزج بين التاريخ والخيال إلا وأن كل عمل تاريخى هو أيضًا عمل خيالي. فالتاريخ هو ايضا سرد لقصة عن الماضى والتى تعتمد مثل كل القصص على الاختيار والإغفال والتفسير والمبالغة.
الكاتبة ايمان العمرى عرفت بنشرها للأدب الرومانسى ولكنها فى هذه المجموعة القصصية نجدها تقدم نموذجا اخر للعشق. ذلك العشق الذى ينشا بين التراث والتاريخ والذاكرة الجمعية والادب.. فذاب كل منهم فى الآخر وتلاشت الخطوط الفاصلة بين الحقيقى والمتخيل. فالرواية هى أيضًا مساحة حرة لتأريخ لا يحتاج لمراجعات وأبحاث لتأكيد صحتها قبل النشر.
وقد تكشف أول صفحة طبعت فى هذه المجموعة عن سر هذا العشق من خلال إهداء الكاتبة لعمتها :
“إلى الأستاذة الدكتورة آمال العمرى أستاذة الآثار الاسلامية كلية الآثار جامعة القاهرة: عمتى الحبيبة عالمة الآثار التى علمتنى عشقها، والتعامل معها ككائنات حية لها روح وتنبض بالحياة..”
وسبق وقد صدر للكاتبة (شجرة الياسمين، وسفينة الأحلام، وأنت أسيرتي، والرهان الأخير، ومعركة الحب، والقلب ينتظر دائما) ومجموعات قصصية منها ليلة رأس السنة.