Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

قبطان أم قرصان


قبطان أم قرصان

 

من سُنَنِ الله تعالى في خلقه ما قرره في مجال الخدمات المتبادلة بينهم، فيما يُعرَف بـــ(التسخير)؛ وهذا ما ذكره الله في قوله تعالى: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32]، ولا يقصد بالتسخير استعلاء بعض الناس على بعضهم بسبب مادي متعلق بالحياة الدنيا، وما يُقدِّر الله فيها من أرزاق وتوفيقات أو إخفاقات، بل المقصود هو تبادل الخدمات والمنافع في إطار ما يقدره الله، وما يمنحه للناس من تفاوت، فالذي يكون لدى هذا، يكون حاجة لغيره، والذي يفتقده ذاك، يجده عند الآخر، وهكذا بناء على ذلك التفاوت في الأرزاق والمواهب والاستعدادات ضمن السنة الكونية.

 

هذه النقطة المهمة لا بد أن يستوعبها – ابتداءً – كل مخلوق من البشر؛ إذ عليها تتكئ الكثير من القناعات، التي بِناءً عليها تصدر مختلِف الأفعال والأقوال، والتصرفات والسلوكيات، وعليه فإن أي فرد لا يفهم هذه القاعدة على حقيقتها وكما ينبغي لها؛ فإنه ما يزال بعيدًا جدًّا عن الأصل، وعما يليق به ومنه كآدمي؛ ولذلك فإن مقالنا هذا لمن فهم هذه السُّنَّة، وهو مستعد للتعامل معها إيجابًا كواحدة من ملازمات الفطرة البشرية السوية.

 

وقد “خلق الله الإنسان أمةً واحدةً؛ أي: مرتبطًا بعضه ببعض في المعاش، لا يسهل على أفراده أن يعيشوا في هذه الحياة الدنيا إلى الأجل الذي قدره الله لهم، إلا مجتمعين يعاون بعضهم بعضًا، ولا يمكن أن يستغني بعضهم عن بعض، فكل واحد منهم يعيش ويحيا بشيء من عمله، لكن قواه النفسية والبدنية قاصرة عن تَوْفِيَتِه جميع ما يحتاج إليه، فلا بد من انضمام قُوى الآخرين إلى قوته، فيستعين بهم في بعض شأنه، كما يستعينون به في بعض شأنهم، وهذا الذي يعبرون عنه بقولهم: (الإنسان مدني بالطبع)؛ يريدون بذلك أنه لم يُوهَب من القُوى ما يكفي للوصول إلى جميع حاجاته، بل قُدِّر له أن تكون منزلة أفراده من الجماعة منزلة العضو من البدن، لا يقوم البدن إلا بعمل الأعضاء، كما لا تؤدي الأعضاء وظائفها إلا بسلامة البدن”؛ [تفسير المنار 2 /225].

 

إذًا فهذه هي الحقيقة، وهذه هي السنة، وهكذا ينبغي أن تفهم ويتم السير عليها في جميع الظروف والأحوال؛ لأنها ملاصقة للإنسان في كل حالاته.

 

هنا نشير إلى نقطة مهمة لا يدركها الكثير من الناس، الذين قد يغفُلون عن هذه الحقيقة لأسباب بشرية قاصرة، تشكل كلها أخلاقًا غير سوية، وتخرجهم عن إطار البشرية الحقة، بينما يظنون أنفسهم جنسًا مميزًا من البشر، وهذا ما نراه أكثر توافرًا لدى المتكبرين، أو من لا يفهم هذا المبدأ حق الفهم.

 

وما يُؤسَف له أن تجد قصورَ فَهمِ هذا المبدأ لدى بعض من تولى مسؤوليات إدارية، وأصبحوا مؤتَمَنين على فرق عمل تصغُر أو تكبُر، وذلك في خضم الأعمال والخدمات المتبادلة، خصوصًا المهام موقع التكليف، وبإمكانك النظر والمراقبة لكيفية التعامل مع الآخرين من موقعك كرئيس أو مرؤوس، وهل ترى أن الجميع مستوعب لهذا المبدأ حقًّا، أو أنك ستواجه مواقف وتصرفات لا ينبغي أن تكون كذلك، فيما لو فهم الجميع المبدأ، وتعاملوا على أساسه؟ وهذا طبعًا بشكل عام، أما حين يحصل التقصير من طرف، أو يحصل الخطأ أو التجاوز؛ فحدِّث ولا حرج عما يمكن مواجهته من تصرفات وقرارات وتوجهات، وما يمكن بناؤه من قناعات، والسير عليه من سلوكيات، وتكون كلها أو جلُّها تحت غطاء الحرص والمسؤولية والأمانة؛ إلخ.

 

من أقرب الصور التي يمكن ضربها في هذا الإطار لنعرف حجم الانفصام إزاء هذا المبدأ لدى البعض – هو مثل رجل من عِلْيَةِ القوم، قام بتصرف معين قام به شخص آخر من عامة الناس، فهل سيكون ردُّ الفعل والتعامل مع هذا وذاك بنفس الأمر، إذ اشتركا في نفس الخطأ، وربما نفس الموقف؟

 

أمر آخر تراه متشكلًا لدى بعض المسؤولين على غيرهم من البشر والأعمال، يتجلى في أخذ فريق العمل ناحية مراده ومراد العمل حصرًا، دون أي اعتبارات مقدَّرة وعملية لناحية الفرد الواحد، والفريق الواحد الذي يقع تحت مسؤوليته؛ ولذلك فمن الطبيعي أن تجد انعدام أو ضعف جوانب مهمة للغاية لدى أولئك الأفراد، قد اجتمعت فيهم أو أجمعوا عليها؛ مثل: الولاء الوظيفي، والأمن الوظيفي، والراحة النفسية، بل تتأثر لديهم حتى القيم المهمة التي قد تُعَدُّ من أهم القيم الجوهرية في الفرد والمجموعة والمؤسسة؛ مثل: الجودة، والاحتساب؛ إلخ.

 

أيها المدير: أنت قبطان السفينة التي تقودها في لُجَّةِ البحر، ومعك فريقك الذي لا سفينة له في تلك الحال إلا سفينتك أنت، فأنت الرُّبَّان الذي لا بد أن تواجه كل التحديات، وتراعي كل الرُّكَّاب، وتتعامل مع مختلف السلوكيات، كما تضع نُصب عينيك الهدف، وتُحسن استخدام كافة الوسائل، وخلال رحلتك كلها تعلم أنها ما كانت رحلة إلا بالفريق، ولا معنى لها إلا بالمجموعة، وتلك المجموعة هي عبارة عن أفراد، لكل منهم سلوكيات واستعدادات ليس بالضرورة أن تكون متطابقة، أو حتى متشابهة؛ فهم على كل حال بشرٌ مثلك، ويسري عليهم ما يسري عليك ضمن قانون السخرية، فالسؤال بعد إيضاح كل هذا: هل تقود فريقك نحو الهدف الذي تريده أنت، أم نحو الهدف الذي يريده الجميع؟ هذا السؤال الذي لا بد أن تطرحه على نفسك بين كل آن وآخر، بينما أنت تعالج القيادة كرُبَّان؛ إذ قد تُنسى كثيرًا في خضم المهام والمسؤوليات، ومواجهة التحديات المتعاقبة، كما قد يغريك فخامة المنصب، أو ضرورة الموقع، حتى تكون ملِكًا أكثر من الملك، ومن ثَمَّ تفعل أكثر مما ينبغي، أو تحتاط أكثر من اللازم، وكلها تعود بالسلب على فريقك وإن على المدى الطويل، وفي تلك الأثناء من السهولة أن يصل المركب إلى غير هدفه، وإن وصل فبنفوسٍ ليست مستعدة لمهام ما بعد الوصول، وهو الأهم، بينما تظن نفسك قد حققت إنجازًا بمجرد إيصال السفينة إلى شط الأمان، ولكن في الحقيقة لا فرق بينك كرُبَّان وبين من يسطو عليك في عرض البحر لغصب حقك، وانتزاع موقعك، ومن الطبيعي أن تقاوم ذلك الغاصب، لكن إذا كنت ستنتهي بنفس النتيجة التي ينتهي إليها هو؛ والمتمثلة في النهاية بضياع المركب، وتغيير خط سيره أو خسارة الفريق؛ فما الفرق بينك وبينه إذًا؟ وهنا لا بد أن يتمثل أمامك دومًا هذا المثال، فهل أنت يا صديقي المدير قبطان أو قرصان؟





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى