تمارين للتخلص من الخجل
إنَّ الشعور المشترك الذي يتولد في المواقف السابقة هو شعور الخجل؛ وهو مزيج من الحياء والإحراج والارتباك ينتاب المرء عند التعرُّض لمواقف معينة، وشعور الخجل هو شعور طبيعي كغيره من المشاعر الإنسانية، ولكنَّه – كأي شعور آخر أيضاً – يضع صاحبه في مواقف لا يُحسَد عليها إذا ما زاد عن حده وتحوَّل إلى انطواء أو ضعف.
لا يمكن أن ننكر رغم مشروعية شعورنا بالخجل أنَّه يكون سبباً باستقواء الآخرين علينا وسلبنا حقوقنا، أو يكون عصاً تعوق تقدمنا في وظائفنا وحياتنا الاجتماعية؛ لذا ومن أجل هذه المواقف بالذات نضع بين أيديكم هذا المقال الذي نقدم فيه تعريف الخجل وأسبابه وتمرينات للتخلص من الخجل.
ما هو الخجل؟
قبل أن ندخل في صلب موضوعنا عن تمرينات للتخلص من الخجل، لا بدَّ لنا أن نتوقف قليلاً عند تعريف هذا النوع من المشاعر الإنسانية، فالخجل هو شعور بالارتباك والتوتر والقلق والإحراج، ينتج عن بعض التصرفات والمواقف التي يمر بها الإنسان، ومن أبرز هذه المواقف الانخراط في مجموعة بشرية جديدة، والتي يتوجس الإنسان فيها خيفة من القيام بفعل أو التفوه بكلمة تسبب له الإحراج أو نظر الآخرين تجاهه بسلبية، وتدمر الصورة التي يحاول تصديرها عن نفسه.
في بعض الحالات يشعر الأشخاص بالخجل من مجرد التفات انتباه الآخرين نحوهم، فيبتعدون عن كل ما يسبب لفت الأنظار؛ كالانخراط في المجموعات الجديدة التي يلتفت الموجودون فيها تلقائياً إلى الشخص الدخيل، أو ارتداء ملابس مميزة عما يرتديه الآخرون، فضلاً عن كون الأشخاص شديدي الشعور بالخجل انطوائيين ومنعزلين وصامتين في معظم الأحيان.
أسباب الشعور بالخجل:
إنَّ تطبيق تمرينات للتخلُّص من الخجل يعني القيام بخطوات عملية للقضاء على أسباب الخجل أو اكتساب مهارات التعامل مع هذا الشعور الإنساني والمواقف التي تولِّده؛ لذا فإنَّ استعراض أسباب الشعور بالخجل يُعَدُّ تمهيداً لتقديم تمرينات للتخلُّص من الخجل، ونذكر من هذه الأسباب:
1. العامل الوراثي:
إذ أثبتت الدراسات أنَّ الشعور بالخجل ينتقل بالوراثة من الأهل إلى الأبناء.
2. عدم الثقة بالنفس:
تُعَدُّ قلة الثقة بالنفس من أبرز العوامل التي تسبب الشعور بالخجل، وغالباً ما يشعر الشخص الخجول بأنَّه أقل شأناً من الآخرين؛ لذا نراه يتجنَّب حضور الاجتماعات وينزوي منفرداً.
نلاحظ أيضاً على سبيل المثال أنَّ الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة غالباً ما يكونون شديدي الخجل، كونهم في قرارة أنفسهم يخجلون من شكل أجسادهم وغير واثقين بأنفسهم من الناحية الشكلية، فنراهم في الدردشة الإلكترونية أو من وراء الهاتف أكثر ثقة كونهم متأكدين أنَّ لا أحد ينظر إليهم، أمَّا في الاجتماعات المباشرة، فهُم يظنون أنَّ الآخرين يركزون النظر فيما يَعُدُّونه نقطة ضعف في أنفسهم.
3. التربية في الطفولة:
قد يكون صادماً ومؤلماً أن نخبر المربين بأنَّ أسلوب تعاملهم مع أطفالهم قد يكون سبباً من أسباب الشعور بالخجل لديهم، ويكون ذلك عن طريق التفوه بالكلمات أو القيام بالتصرفات التي من شأنها أن تضعف ثقة الطفل بنفسه وتعزز المعتقدات الخاطئة عن ذاته.
على سبيل المثال إذا ما طرح المعلم في الصف سؤالاً وأجاب واحد من الأطفال عن السؤال بطريقة خاطئة، ففي مثل هذه الحالة فإنَّ أسلوب المعلم الخاطئ في الرد قد يكون سبباً في سيطرة الشعور بالخجل على الطفل، فإذا ما سَخِر منه أو قلل من أهمية مداخلته بطريقة أثارت ضحك زملائه وسخريتهم، فإنَّ هذا الطفل سيتردد ألف مرة قبل أن يرفع سبابته ويشارك في الإجابة ثانيةً، وقد تستمر هذه المواقف ومواقف أخرى مشابهة معه حتى مراحل متقدمة من عمره، فتجعل منه شخصاً خجولاً انطوائياً.
كذلك الأمر بالنسبة إلى الأهل كون ثقة الأبناء بأنفسهم نابعة عن ثقة أهلهم بأنفسهم وبهم، بالإضافة إلى طريقة تعامل الأهل مع الطفل، والتعاطي مع المواقف الحياتية في حضرة الطفل.
شاهد بالفديو: 6 طرق بسيطة للتخلص من الخجل الزائد
تمرينات للتخلص من الخجل:
بعد الاطلاع على تعريف الخجل بوصفه شعوراً إنسانياً وأسباب تملُّك هذا الشعور عند بعض البشر، نقدم لكم فيما يأتي تمرينات للتخلُّص من الخجل:
1. تقبل النفس وتعزيز الثقة بالذات:
إنَّ تقبُّل النفس وتعزيز الثقة بالذات يُعَدُّ أهم تمرين ضمن مجموعتنا من تمرينات التخلُّص من الخجل، وهو يعني التصالح مع الذات وتقبُّل نواقصها وعيوبها والإيمان بأنَّه لا يوجد أحد كامل في هذه الحياة، وإنَّ تعزيز الثقة بالذات ينطوي على رفض المعايير المجتمعية الظالمة في تصنيف الأفراد وتنميطهم.
إذا كنتَ تشعر بالخجل من شكلك بسبب وزنك الزائد مقارنة بمن هم حولك، فعليك أن تتقبل هذا الاختلاف وتتقبل نفسك، وتكفَّ عن النظر إلى شكلك بخجل، وإن كنتَ لم توفَّق في متابعة دراستك الجامعية، فيجب أن تتصالح مع كونك غير جامعي وتتوقَّف عن ربط النجاح في الحياة والقيمة الاجتماعية بالتحصيل العلمي.
إذ إنَّ تقبُّل الذات وتحرير النفس من مشاعر الخجل بنواقصها سوف ينعكس على الحياة الاجتماعية، وإنَّ رفع الثقة بالنفس والتخلُّص من أعباء المثالية والكمال سوف يخفف عن كاهلك ويجعلك أكثر انفتاحاً وتحرراً.
2. مواجهة المخاوف:
ضمن عرضنا “تمرينات للتخلص من الخجل” لا بدَّ أن نتطرَّق إلى تمرين مواجهة المخاوف؛ إذ يجعل هذا التمرين الإنسان أعزلاً أمام كل ما يخشاه، فيخوض غماره ويسبر حجم المبالغة والتهويل اللذين كانا يحجبان الرؤية عنه.
هنا نستحضر مثال الثري روبرت كيوساكي مؤلف كتاب “الأب الغني والأب الفقير”؛ والذي واجه مخاوفه في العمل بصفته بائعاً في السوق وكسر جدار الخجل حتى أصبح أكبر مندوب مبيعات لدى شركة زيروكس، ونذكر أيضاً ألبرت إليس الذي كان يعاني من خجل كبير في التعامل مع السيدات، حتى قرر أخيراً أن يواجه هذا الخوف ويكسر خجله، فصار يذهب إلى الحديقة بشكل دوري ليتحدث إلى السيدات، ليحل في نهاية المطاف هذه العقدة.
3. تقبل الخجل:
إنَّ تقبُّل الخجل يُعَدُّ تمريناً ضمن مجموعة تمرينات للتخلُّص من الخجل، فمَن منَّا لم يخجل في موقف ما ويتورد وجهه حتى يبادره الآخرون بقولهم “انظر كيف تتورد خجلاً”؟ في هذه الحالة يشعر الإنسان بالخجل من موقف ما، ثم يشعر بالخجل من خجله أو من أمارات هذا الشعور التي ظهرت على محياه.
في مثل هذه الحالات على الإنسان أن يتوقَّف عن مقاومة شعوره بالخجل من خجله، ويتقبَّل طبيعته الحساسة المتفاعلة مع المواقف بعفوية، ويتعلَّم بعض فنون الرد أو كيفية تقبُّل الموضوع بمزاح وروح رياضية، فالخجل من الصفات المحمودة في الإنسان والتي تدل على تواضعه وسمو أخلاقه، فلا داعي إلى إنكاره.
4. الاستعداد للمواقف:
ضمن مجموعة تمرينات للتخلُّص من الخجل، لا بدَّ أن ندرج التمرين التقليدي الذي يتطلَّب التحضير للمواقف والجمل التي ستقولها في حضرة الآخرين؛ وذلك لأنَّ شعور الخجل سوف يزداد إذا لم تسعفك البديهة في قول شيء في لحظة يجب فيها الكلام.
إذا ما كنتَ ذاهباً إلى حفل زفاف صديقك، فتهيَّأ للحظة تقديم عبارات التهاني والتبريكات له والتي قد يسمعها المحيطون، واختَر عبارات لطيفة وتدرَّب على قولها قبل الذهاب، وستكتشف أنَّ الأمور تجري ببساطة وسلاسة، ولا تنسَ أنَّه يمكنك الاستعانة بالمرآة.
5. إقناع النفس بأنَّك لست محور الكون:
ضمن مجموعتنا “تمرينات للتخلص من الخجل” لا بدَّ لنا أن نطلب من كل الذين يكون سبب الخجل لديهم هو ظنهم أنَّ الجميع يحدقون بهم وينتظرون زلة منهم أن يتذكروا بأنَّهم ليسوا محور الكون، وأنَّ الآخرين غير متفرغين لاصطياد عثراتهم، وأنَّ لكل إنسان ما يشغل تفكيره، فإذا ما كنتَ في مدرَّج الجامعة وشعرت بأنَّ المدرس قد عرَّج على فكرة لم تقنعك، ففي إمكانك أن تناقشه في الفكرة دون أن تخجل من مجاهرة صوتك أمام زملائك، ودون أن تخشى من أن يظن بعض الأشخاص أنَّ سؤالك سخيف أو غبي، أرجوك تصرَّف وكأنَّك وحدك على هذا الكوكب وركِّز في هدفك في الحصول على إجابة، واسأل مدرسك بأريحية مطلقة غير آبه بآراء الآخرين وأحكامهم.
6. المبادرة باللطف:
إذا كان سبب شعورك بالخجل هو الخوف من انطباع سلبي يولده وجودك في اجتماع ما، فاتَّخذ مبادرة لطيفة؛ إذ إنَّ هذا التمرين في مجموعتنا “تمرينات للتخلص من الخجل” يشبه إرسالك صندوقاً من الحلوى مع طفلك في يومه الأول من الروضة، ونقصد به تقديم مبادرة لطيفة للآخرين تترك لك أثراً لطيفاً فيهم، وتشجعهم على التقرُّب منك ومن ثم كسر الجليد بينك وبين المحيط.
في الختام:
إنَّ شعور الخجل هو شعور طبيعي ومحمود، ولكنَّه إذا ما أعاق الإنسان عن ممارسة حياته الاجتماعية والوظيفية، فإنَّه يتحول إلى شعور سلبي، ولقد حرصنا في مقالنا هذا أن نورد تمرينات للتخلُّص من الخجل لمساعدة كل من يواجه هذا النوع من التحديات على إثبات ذاته والتعبير عن نفسه، ونرجو أن نكون قد وُفِّقنا فيما صبونا إليه.