اخبار وثقافة

أحمد حسن عوض يكتب: الكلمة فى الشعر

ثقافة أول اثنين:

كثيرا ما أشعر عند النقاش مع محبى الشعر حول الوعى به والتصورات الملازمة لدوره وطبيعة بنائه أن كثيرا منهم يحتاج إلى إعادة تأمل أبجديات الفن الشعرى، والبدهيات التى ينبغى ألا تغيب عن متذوقى الشعر والمنتشين بجماله، ولعل أهم تلك الأبجديات البدهية: طبيعة دور الكلمة فى الشعر وتجليات حضورها فى أبنية القصائد المتنوعة.


 

فالكلمة فى الخطاب الشعرى ليست هى الكلمة فى خطابات الحياة اليومية وحواراتها وسياقاتها العملية، الكلمة فى السياق التواصلى أو النفعى أشبه بقطار سريع يوصلك إلى هدفك المباشر، لا يلتفت متلقيها إليها بقدر ما يحولها إلى مضمون محدد يتبعه اتخاذ رد فعل ما، بينما الكلمة في الخطاب الشعري -المتميز بالطبع- تجاوز دلالتها المعجمية وغايتها التواصلية أو النفعية لتصبح حضورا شديد الخصوصية، حضورا يعيد الكلمات إلى تجلياتها القديمة حين كانت  مجسدة وملموسة ذات ظلال عاطفية متعددة وإيحاءات جانبية مشعة  تتخلص من  الدلالة الأحادية، وترتقي إلى آفاق الرمز الذي يخاطب الحواس، ويستشرف ما وراءها  ليوحي بدلالات  من الصعب أن نجد لها معادلا لغويا في معاجم اللغة التي لا تلتفت إلا إلى الدلالات المحددة للكلمات وسياقاتها المرتبطة بمعانيها المعروفة السابقة.


 


لذلك فالكلمة في الوعي الحداثي المرتبط بالطبيعة النوعية لفن الشعر ليست مجرد دال لغوي له تاريخ من الدلالات المتعاقبة فقط، بقدر ما هي أفق مفتوح يتسع لسياقات جديدة يصبح معها معنى الكلمة هو “مجموع السياقات التي يمكن أن تأتي فيها الكلمة” ويصير بوسع كل شاعر أصيل مقتدر أن يمنح الكلمة معاني عديدة بشرط أن يمتلك جسارة القدرة على صنع السياقات الشعرية الجديدة  ورهافة الحساسية التي تفاجئ المتلقي بتأويلات مبتكرة تعبر من الدلالات القديمة إلى الدلالات الحديثة التي تجدد شباب اللغة، وتعيد لغة الشعر إلى نضارتها المبتغاة، حيث فضاء الشعر الذي  ينحو إلى صياغة الحالات المبتكرة ولا يسقط في فخ صياغة الأفكار والتصورات المسبقة بالطرائق المكرورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى