مقالات أول اثنين

كيف تتخلص من هوس مقارنة نفسك بالآخرين؟


يتأثر مفهوم الذات وتقديرها عموماً بحالة المقارنة الاجتماعية التي تحدث عندما نقارن سلوكاتنا واتجاهاتنا وأفعالنا وقدراتنا ومهاراتنا وغيرها مع سلوكات واتجاهات ومهارات الآخرين، وغالباً ما تتم هذه المقارنة مع الأشخاص الذين نعرفهم معرفةً جيدةً ونتفاعل معهم خلال حياتنا اليومية، كما يمكن أن تحدث مع الأفراد الذين نشاهدهم ونقرأ عنهم في وسائل الإعلام أو أي فرد يمكن أن يكون هاماً في المجتمع أو نراه فرداً ناجحاً، لكن تبقى المقارنة الأهم وصاحبة التأثير الأكبر في حياتنا هي مقارنة أنفسنا مع من نعتقد أنَّهم متشابهون معنا.

أولاً: ما هو المقصود بهوس مقارنة النفس بالآخرين؟

تنطلق فكرة المقارنة عموماً لدى الفرد من فكرة تحديد مدى قيمته الشخصية والاجتماعية بناءً على مقارنتها مع الآخرين؛ إذ يوجد دافع رئيس لدى الفرد للحصول على تقييم ذاتي لنفسه عن طريق مقارنة آرائه ومهاراته وقدراته بما لدى الآخرين منها، وغالباً ما يتم اختيار أبعاد المقارنة في الأشياء التي توجد فيها معايير أساسية تُعَدُّ مرجعية ثابتة يقيم الفرد من خلالها ذاته والآخرين كذلك.

خلال المقارنة يبدأ الفرد بمقارنة إنجازاته الخاصة بما ينجزه الآخرون؛ بل يمكن أن يدخل معهم في منافسة أو تحدٍ في محاولة التغلب عليهم، وهذا يُعَدُّ أمراً طبيعياً لدى الإنسان لكن عندما يتجاوز الأمر الحد المقبول بحيث يصبح الفرد مشغولاً كل الوقت بالبحث عن نقاط ضعفه والأشياء التي تنقصه لكي يضاهي غيره بمعنى تركيزه على الأشياء السلبية فقط بدلاً من البحث عما يوجد من نقاط قوة متفردة لديه، يمكنه استغلالها لتحقيق النجاح الخاص به.

ثانياً: سلبيات مقارنة الفرد نفسه مع الآخرين

1. الشعور بالنقص:

فمقارنة الفرد لنفسه مع الآخرين تؤدي إلى شعوره بقلة الثقة بالنفس وبأنَّه ليست لديه أشياء تميزه عن الأفراد الآخرين؛ بل حتى لا يملك ما يضاهي قدراتهم، ويؤدي تراكم تلك الأفكار إلى تشكل شعوره بعقدة النقص والتوقف عن تحقيق أحلامه وطموحه.

2. فقدان الهوية الشخصية:

الهوية هنا ليست عاملاً بيولوجياً أو عرقاً أو جنساً أو لون بشرة؛ بل هي تفاعل الاستعدادات الفطرية مع معطيات أخرى كالفكر والعادات والتقاليد والتاريخ والدين والوضع السياسي واللغة والأدب والقيم والعقل والسلوك؛ أي معطيات ثقافية واجتماعية وغيرها، وبنتيجة تميِّز فرداً عن فرد آخر.

ترتبط أزمة الهوية بعجز الفرد عن إيجاد تصور واضح عن ذاته وعن المرجعيات الأساسية في حياته، وبقيام الفرد بإخضاع نفسه للمقارنة مع غيره، يبدأ بفقدان هويته شيئاً فشيئاً نتيجة اهتمامه بأفكار الآخرين وأساليبهم وطرائقهم في العمل في محاولة تقليدهم بهدف التشابه معهم والتفوق عليهم.

3. الانخداع بالمظاهر ومحاولة الاقتداء بأفراد مزيفين:

فكثيراً ما يوجد أفراد مهووسون بتقليد الشخصيات التي يرونها على شاشات التلفاز أو عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة من (Facebook, Twitter, Instagram, TikTok) وغيرها من التطبيقات التي ظهرت في العالم الافتراضي مؤخراً وغيرت من طبيعة حياة الأفراد وعاداتهم.

توجد عدة شخصيات تظهر على هذه المواقع بصورة مثالية تكسبهم الشهرة والنجاح، لكنَّها قد تكون مخالفة لما هم عليه أساساً في الواقع، وعلى كل حال يحاول الفرد أن يتشبه بهم اعتقاداً أنَّ هذه الخطوة سوف تجعل منه شخصاً ناجحاً فينجر وراء ذلك ويتسبب لنفسه بالعديد من المشكلات، ولا سيما إن باءت محاولاته بالفشل.

وكمثال آخر نجد بعض النساء اللواتي يشاهدن إحدى المسلسلات على التلفاز؛ إذ يقارنَّ حياتهنَّ الزوجية بالحياة الزوجية لأبطال قصة مسلسل ما، وتبدأ المرأة برؤية ذلك البطل الشخص المثالي الذي تحلم به كل امرأة وتبدأ المقارنات وتبدأ معها المشكلات، كما يعمد الأهالي إلى مقارنة طفلهم بطفل آخر، وتبدو هذه المقارنة بالضغط على طفلهم لدفعه ليتفوق على الطفل الآخر، فيؤثر ذلك في صحته الجسدية والنفسية ويسبب للأهل وله المشكلات والعقد النفسية.

4. غياب تقدير الذات:

عند سعي الفرد إلى مقارنة نفسه بالآخرين يركز على ما لديه من نقاط ضعف يجب عليه تلافيها ليصبح مثل غيره متناسياً التركيز على نقاط القوة والمهارات التي يملكها والتي يمكنه استغلالها ليصنع من نفسه شخصاً متفرداً هاماً ويسير على طريق النجاح.

شاهد بالفديو: 10 علامات تحذيرية تشير إلى تدني تقدير الذات وانعدام الثقة

 

5. عدم التركيز على هدف محدد:

فمقارنة الفرد لنفسه بالآخرين تؤدي إلى إعجابه بأكثر من شيء وبأكثر من فرد فيتشتت انتباهه ويضيع الهدف، ويتشتت انتباهه بالطريقة التي تمنعه من تحقيق شيء هام يُذكَر.

6. التأثير في انفعالات الفرد وفقدان السيطرة عليها في أغلب الأوقات:

فمقارنة الفرد لنفسه بشخص آخر تدفعه إلى مراقبته بشكل دائم، وهذه المراقبة تولِّد مشاعر سلبية كالحسد والكراهية والحقد تجاهه وتؤثر في نفسيته، فربما يميل إلى الاكتئاب والعزلة وعدم الثقة بنفسه، وتظهر عليه انفعالات حادة مثل الغضب وربما سلوكات عدوانية خطيرة.

7. الإخفاق في تحقيق الأهداف:

عندما يلجأ الفرد إلى مقارنة نفسه بإنسان آخر يستهلك ذلك الكثير من الجهد منه، ويقوم بإهدار وقته الذي كان يفترض به استغلاله في التركيز على أهدافه الشخصية والسعي باتجاه تحقيقها.

ضياع فرصة الاستمتاع بالحاضر فهوس المقارنة يجعل الفرد يعيش حياة شخص آخر من خلال مراقبته باستمرار ونسيان أنَّه فرد له حياته الخاصة أيضاً التي يجب عليه الاهتمام بها كما يجب.

ثالثاً: كيف يمكن الحد من مقارنة الفرد لنفسه مع الآخرين؟

من النادر إيجاد إنسان لم يقع بفخ المقارنة ولو لمرة واحدة خلال حياته، فالجميع مشغول بالبحث عن النجاح والتميز وإثبات الذات والحصول على الاحترام والتقدير في المجتمع، لكنَّ اتباع طريقة المقارنة لتحقيق ذلك هو أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه الفرد في حق نفسه؛ لذا يمكن ذكر بعض النصائح للتوقف عن ذلك منها:

1. حدد أسباب مقارنة نفسك مع الآخرين:

لتحديد الأسباب عليك أولاً الحكم على نفسك وتقييمها فهو شرط ضروري في رحلة التغيير، ومن ثم حدد النتيجة فيما إذا كان تقيمك لنفسك إيجابياً أو سلبياً، فهل ترى أنَّك شخص جيد أم سيئ؟ وهل أنت شخص مستقل أم محكوم بقوة غيرك؟ وما إلى ذلك من الأسئلة التي تعطي تقييماً صادقاً.

ومن ثم حدد الأبعاد والاتجاهات التي تسلكها خلال مقارنة نفسك بغيرك؛ أي هل هي أشياء إيجابية مثل فلان يحب مساعدة الناس، وهنا تحاول أن تكون شخصاً جيداً يحب مساعدة الناس، أو إذا كانت المقارنة سلبية كأن تتملكك مشاعر الحسد تجاه فرد آخر يملك الكثير من المال وتتمنى أنت الحصول عليه، وبعد ذلك رتب الأفكار التي تخضع للمقارنة مع الآخرين وثبت مشاعرك المتعلقة بكل فكرة وما نتج عن ذلك الشعور.

2. كن إنساناً شاكراً ممتناً لما منحك إياه الله سبحانه وتعالى:

بعد تحديد أسباب مقارنة نفسك بغيرك والمشاعر التي تخللتها والوقت الذي هدرته في المراقبة والأهداف التي ضاعت منك، سوف تقتنع بأنَّ هذه المقارنة لم تكن أبداً تعمل لمصلحتك؛ بل على العكس تماماً أعاقت حياتك ونجاحك، فاستثمر الوقت في تحديد نقاط القوة التي لديك والأشياء التي تتفرد بها ودوِّنها، وسوف تكتشف أنَّك تملك الكثير من الصفات التي تجعل منك إنساناً مميزاً ومثالاً وقدوة لغيرك، ومن ثمَّ سوف تستعيد ثقتك بنفسك وتقديرك لها والامتنان لكل النعم الموجودة في حياتك، واستغل ذلك للسعي إلى نجاحك الخاص.

3. كن مدركاً لحقيقة أنَّ ما تشاهده على مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات التلفاز أكثره مزيف ولا يعكس الحقيقة:

فلا يوجد في الحياة أشياء مثالية كما تبدو في العالم الافتراضي، فلا تقارن نفسك بهم ولا تجعل منهم مقياساً ومعياراً مرجعياً لأفعالك وسلوكاتك، وافعل الصواب وما يليق بك بصفتك إنساناً، وكن راضياً عن نفسك وتوقف عن تقليد الآخرين.

4. أحِبَّ نفسك والطريقة التي تُقدِّر بها ذاتك فهذا أهم ما يمكن أن يساعد على إيقاف مشكلة هوسك بمقارنة نفسك بالآخرين:

فاشعر بالفخر عن أي إنجاز تحققه مهما كان صغيراً، وقم بخوض التجارب الجديدة ودوِّن النتائج الخاصة بك، وحسِّن من قدراتك عبر الالتحاق بالدورات التعليمية المختلفة، وضع أهدافك الخاصة واصنع الخطط لتحقيقها، فذلك سوف يساعدك على بناء حياتك الشخصية المستقلة عن مسار حياة الآخرين، وكن منافساً لنفسك وقارن أداءك الخاص خلال المراحل المختلفة بنفسك فقط وليس بفرد آخر.

في الختام:

مفتاح الحياة السعيدة هو رضى الفرد عن نفسه وتوقفه عن مقارنة نفسه بالآخرين ومحاولته أن يكون نسخة أخرى منه، اعتقاداً منه أنَّ ذلك سوف يصنع منه شخصاً ذا قيمة، فكل فرد له شخصيته وكيانه الخاص المختلف عن الآخرين، فسر الجمال والجاذبية وكذلك النجاح يكمن في الاختلاف لا في التشابه، ولا بأس من الاعتبار من تجارب الآخرين والاستفادة من خبراتهم ونصائح خلاصة تجاربهم، لكن دون التقليد الأعمى والابتعاد قدر المستطاع عن الدخول في المقارنات مهما تشابهت الطرائق معهم.

المقارنة هي فخ يقع فيه الفرد يحطِّم الذات ويقلِّل الثقة بالنفس ويزيد من المشاعر السلبية والغضب من الآخرين، والأهم يقف عائقاً في وجه تحقيق الطموح، ومن هنا يمكن القول إنَّ الرضى عن الذات هو للتكيف مع الحياة والعيش بسعادة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى