اخبار وثقافة

محمد شعبان دياب يكتب: بين “الأنثوية” و”المرأوية”

ثقافة أول اثنين:


إن غياب التحديد الدقيق للمصطلحات والتى يستخدمها غير المتخصصين ساهم فى شيوع مفاهيم غير واضحة أدت إلى تشويه الحركات التحررية للمرأة والداعية الى حقوقها.


ويعتبر مبدأ تحرر المصطلح من أهم الأمور التى يبدأ بها المنشغلون بالنقد الأدبي. وأول ما أبدأ به للقارئ العربى هو مصطلح feminism “الأنثوية” الذى أحببت أن اترجمه هكذا. وأقدم فى ذات الوقت مصطلحا آخر هو “Womanism” أو “المرأوية.” ويهدف هذا المقال إلى تحديد الاختلاف بين المصطلحين ونشأتهما ولماذا يناسب المجتمع العربى ودول العالم الثالث مصطلحا مثل “Womanism” بدلا من Feminism


 فعلى الرغم من أن الحركة الأنثوية “Feminism” التى بدأتها المرأة البيضاء فى أوروبا بدأت بأهمية مساعدة النساء على تحقيق خطوات كبيرة نحو المساواة بين الرجل والمرأة فى الحقوق السياسية مثل حق التصويت الانتخابى وتقلد المناصب الا أن التيار الراديكالى منها هاجم مكونات ثابتة فى المجتمع مثل مؤسسة الزواج ومفهوم الأسرة. ولعل ذلك هو ما دفع بعض المثقفين فى مصر والوطن العربى إلى التشكيك فى تلك الدعوات على انها تصطدم بالثقافة الإسلامية والعربية وهو ايضا ما أدى الى فشل النسويات الراديكاليات فى ضم المزيد من المؤيدين خاصة النساء الذين ينتمون الى عامة المجتمع والذين يرون ان هذه الحركة مجرد حركة مناهضة للرجل ومعادية للطفل والأسرة ولا تعبر عن مطالبهن الحقيقية مثل قضايا الفقر والعنف الاسرى والتحرش والقوانين الوضعية التى تخص المرأة وكذلك المشكلات المترتبة عل تعدد الزواج وتولى المناصب القيادية.


وتعتبر المرأة الأمريكية من أصل أفريقى هى أول من شعرت بعدم كفاية الحركة الأنثوية البيضاء فى التعامل مع مشاكل النساء الأميركيات من أصول أفريقية مثل التمييز العنصرى والوضع الاقتصادى المتدهور لكثير من الأمريكيين ذوى الأصول الأفريقية. فمشاكل النساء الأميركيات من أصل أفريقى ليست فقط مشاكل تتعلق بعلاقتهن مع الرجال، ولكن أيضًا هناك أمور أخرى أكثر أهمية مثل مشاكل التمييز العنصرى والمشاكل الأقتصادية مثل البطالة والفقر. ولمزيد من النأى بأنفسهن عن الأنثوية الراديكالية بحثت الكاتبات الأمريكيات من أصل أفريقى عن مصطلحات أخرى لوصف نضالهن بشكل أفضل. فهن على الرغم من إنهن لا يردن التخلص من المزايا التى تتمتع بها حركة المرأة الأوربية البيضاء فإنهن يرفضن ضيق وجهة النظر الأنثوية وحاولن تشكيل رؤية جديدة تم وصفها بأنها تتسم بالشمولية وإتساع الأفق.


وتعتبر الكاتبة الأمريكية ذات الأصول الأفريقية Alice Walker اول من صاغ مصطلح “المرأوية”  (Womanism) فى كتابها المنشور عام 1982 تحت عنوان: “فى البحث عن حدائق أمهاتنا: نثر نسائي.” والتى عرفت Womanism “المرأوية” على أنها  أيديولوجية عالمية لجميع النساء والرجال على حد سواء، بغض النظر عن اللون والجنس. وتختلف هذه الحركة عن الحركة الأنثوية بمجموعة من الخصائص لخصتها الكاتبة فيما يلي:


“التركيز على الأسرة الكفاح مع الرجل ضد الاضطهاد الطموح التنشئة الاحترام احترام كبار السن الأمومة.”


ثم أضافت الكتابة الأفرو-أمريكية Hudson-Weems ملامح أخرى للحركة “المرأوية” وهى التركيز على تماسك “الأسرة” ومعالجة المشاكل التى تتعلق بالتفرقة العنصرية فى المجتمع الأمريكى من خلال الاتحاد مع الرجل فى تلك المعركة بدلا من الصراع معه خلافا للأنثوية الراديكالية التى تركز على المرأة بوصفها أنثى والتركيز بشكل صارم على القضايا المتعلقة بالمكون البيولوجى للمرأة. وتؤكد Weems كذلك على أنه من المستحيل دمج المنظورات الثقافية للمرأة الأفريقية فى الحركة الأنثوية بسبب تأييد المرأة البيضاء ذات الأصول الأوربية لتاريخ العبودية والعنصرية فى أمريكا آنذاك.


وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة للمرأة الأمريكية ذات الأصول الأفريقية التى رفضت مصطلح Feminism “الأنثوية” وفضلت عليه مصطلح Womanism “المرأوية” أليس من الأولى للمرأة العربية ذات الثقافة المختلفة عن المرأة الأوربية أن تنأى بنفسها أيضا عن تسمية نفسها بمسميات (feminists) أعطتها لها المرأة الأوربية لتنفيذ أجندتها والتى تتعارض فى مكوناتها مع كثير من المعتقدات الدينية والثقافة العربية أو حتى المشكلات الخاصة بالمرأة العربية. فهل نتجاهل (نساءً ورجالا) التاريخ الأوربى الاستعمارى فى الوطن العربى وتأييد المرأة الأوربية البيضاء لذلك الاستعمار؟ ألا يحقق مصطلح مثل Womanism “المرأوية” استقلال المرأة العربية عن تبعية المرأة الأوربية وأجندتها الخاصة بها والتى لا تتوافق مع معتقدات المرأة العربية ومشكلاتها؟ وخاصة ان الحركة “المرأوية” (Womanism) هى أكثر تقبلاً لنضال المرأة الملونة بوجه خاص والمرأة فى دول العالم الثالث بوجه عام ضد المجتمعات الذكورية وفى نفس الوقت النضال من أجل الحفاظ على هويتها المستقلة عن ثقافة المستعمر الأبيض وهى فى نفس الوقت أقل راديكالية فى أجندتها نحو مفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة وكذلك فى حرصها على مفهوم الأسرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى