التحفة المرضية في الرد على من فخم الواو المدية لعمرو عبد الله الحلواني
التحفة المرضية في الرد على من فخم الواو المدية لعمرو عبد الله الحلواني
صدر حديثًا كتاب “التحفة المرضية في الرد على من فخَّمَ الواو المدية”، تأليف: “عمرو عبد الله الحلواني”، نشر: “دار خير زاد للنشر والتوزيع”.
وهذا الكتاب في علوم القراءات، وهي رسالة في حكم تفخيم الواو والياء المديتين بعد الحرف المفخم، استعمل ذلك بعض أفاضل المقرئين في العصر المتأخر، وعملوا به، وانتشر عنهم، وأخذوا به على طلابهم، وأشكل أمره على كثير من القراء والمقرئين، حتى اعتبروه وجهًا صحيحًا يجوز القراءة به، والأخذ به على الطالب، حتى إن بعضهم قدمه في الأداء على الترقيق، وبعضهم عدَّه الوجه الصحيح الذي لا تصح القراءة ولا الإقراء بخلافه.
وقد جاءت الرسالة في إثبات رد صحة هذا الوجه وأبطله جماعة القراء والمقرئين، ولم يروه وجهًا صحيحًا تسوغ القراءة به، منهم علامة الشام الشيخ الإمام المحقق “أيمن سويد” حفظه الله ونفع بعلومه، كما نقله عنه بعض الأفاضل، ونُقِل نَوه عن غيره من أئمة هذا الشأن.
وقد لمس الكاتب من بعضهم الميل إلى تصحيح القراءة به، وأنه وجه منقول عن بعض من تقدم، فاستخار الله في تتبع هذا الرأي، ليعرف منشأه وأول القائلين به وعمن أخذوه أو نقلوه، وعن حجتهم في ذلك، لأن هذا الوجه لم يقرأ به على شيوخنا، ولا أخبرونا به، وما اطلع عليه الكاتب من نصوص أئمة التجويد ترده وتبطل صحته.
ونجد أن أوّل من قال بتفخيم الواو هو الإمام المرعشيّ الملقب بساجقلي زاده، في القرن 12 هـ، حيث قال عليه رحمة الله تعالى عند تحدّثه عن حكم الألف تفخيمًا وترقيقًا: “ولعلّ الحقّ أنّ الواو المدّيّة تفخّم بعد الحرف المفخّم والله أعلم”. (جهد المقل صـ154 تحقيق سالم الحمد).
ونجد أن استعماله لفظ (لعلّ) حرف ترجّ أي أنّه يرجو أن يكون جواز إطلاق لفظ التفخيم على الواو المدّيّة هو الحقّ. وهي عبارة يغلب عليها طابع الاحتمال والظنّ.
فهو اجتهادٌ خاصٌّ من المرعشيِّ لا يستند إلى أصلٍ، لكن أدرجه الشيخ “محمد مكي نصر” في كتابه: “نهاية القول المفيد”، ونسبه إلى المرعشي، وهو من المكثرين في النقل عنه.
وربما الحديث عن تفخيم الواو بعد المفخم جاء من حيث صعوبة ترقيقها عند بعض النَّاس.
وقد حسم ابن الجزري هذه المسألة في عصره بأن بيَّن الحروف المفخمة من المرققة أو التي لها حكمان، وجعل الواو والياء المديَّتين في دائرة المرققات مطلقًا بخلاف الألف وحدها التي تتبع ما قبلها.
قال الإمام ابن الجزري رحمه الله: “فَاعْلَمْ أَنَّ الْحُرُوفَ الْمُسْتَفِلَةَ كُلَّهَا مُرَقَّقَةٌ لَا يَجُوزُ تَفْخِيمُ شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا اللَّامَ مِنَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ فَتْحَةٍ، أَوْ ضَمَّةٍ إِجْمَاعًا، أَوْ بَعْضَ حُرُوفِ الْإِطْبَاقِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَإِلَّا الرَّاءَ الْمَضْمُومَةَ، أَوِ الْمَفْتُوحَةَ مُطْلَقًا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَالسَّاكِنَةَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي بَابِهِ – إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى – وَالْحُرُوفُ الْمُسْتَعْلِيَةُ كُلُّهَا مُفَخَّمَةٌ لَا يُسْتَثْنَى شَيْءٌ مِنْهَا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ. وَأَمَّا الْأَلِفُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِتَرْقِيقٍ وَلَا تَفْخِيمٍ، بَلْ بِحَسَبِ مَا يَتَقَدَّمُهَا فَإِنَّهَا تَتْبَعُهُ تَرْقِيقًا وَتَفْخِيمًا” اهـ.
فلو كان حول الواو والياء حديثٌ لذكرهما مع الألف.
أما لماذا تفخّم الألف المديّة دون الواو، ودخولها في هذا الإشكال، فالجواب: أن التفخيم هو سمن يدخل على جسم الحرف فيمتلئ الفم بصداه (قاله ابن الطحان ت 561 هـ)، والذي يفسّر ذلك أنّ الصوت يعلو بالألف المفخّمة فيصطدم بالحنك الأعلى فيعود صداه إلى جميع أنحاء الفم فيمتلئ ويبقى أقصى اللسان مرتفعًا لأجل ارتفاع الصوت. فارتفاع الصوت منوط بارتفاع اللسان، وما سمّيت الحروف المستعلية بذلك إلاّ لأنّ اللسان يعلو ويرتفع ويعلو معه الصوت ويرتفع، والتفخيم لازم لها، وإذا لم يرتفع الصوت فلا يمتلئ الفم بصداه.
أمّا في الواو المدّية فلا يمتلئ الفم بصدى الحرف لأنّ اللسان ينخفص بمجرّد انفصاله عن الحنك قبل أن تمتدّ الواو في الجوف فينتقل الصوت من المخرج المحقق إلى المخرج المقدّر. فلو نطقنا مثلًا ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التحريم: 6] فإنّنا ننطق أوّلًا بالقاف المضمومة المفخّمة وذلك بإلصاق أقصى اللسان بالحنك، ثمّ بمجرّد الانتقال إلى الواو المدّية يحصل انفكاك لأقصى اللسان عن الحنك فينخفض الصوت بانخفاض اللسان وبعدها تمتدّ الواو في جوف إلى جهة الشفتين والفرق بين الألف والواو: أنّ في الألف المفخّمة يرتفع الصوت إلى الحنك ويبقى الصوت مرتفعًا وأقصى اللسان أثناء المدّ في نحو طآئر، فيستمرّ انصدام الصوت بالحنك الأعلى فيعود الصدى إلى جميع أنحاء الفم باستمرار حتّى ينتهي المدّ، خلافًا للواو المدّيّة فإنّ اللسان ينخفض بعد انفصاله من الحنك فينتقل الصوت إلى الجوف فيمتدّ الصوت إلى جهة الشفتين ولا يرتفع إلى جهة الحنك كما في الألف المفخّمة، ولا يمكن أن يحصل التفخيم بذلك.
لذا فإنّ ما جنح إليه المرعشيّ عليه رحمة الله تعالى غير مستقيم، ولله الحمد فإنّ هذا القول لم يُتلقّى بالقبول عند المعاصرين وإلاّ لأثّر ذلك في الأداء.
وقد جاءت هذه الدراسة في بيان مختلف تلك الآراء مع مناقشتها بالدليل والبينة، ذاكرًا حكم تلك المسألة ومناطها في خاتمة دراسته.