من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التكافؤ في الحوار)
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب
(التكافؤ في الحوار)
يقتضي الحوار التكافؤ بين المتحاورين، كما يقتضي الاتفاق على المقدمات، أو على بعضها على الأقل،ومن الطيب دائمًا أن نتحدث نحن المسلمين عن أجمل ما في الإسلام حسب السياق، استنادًا إلى نص الآية الكريمة: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
إلا أن الملحوظ على بعض المتحاورين، وليس كلهم، تركيزهم على سماحة الإسلام، وهذا أيضًا أمر مطلوب إذا عرضت سماحة الإسلام بعيدًا عن إشعار الآخرين بأننا ندافع عن ممارسات قد لا تدخل في مفهوم سماحة الإسلام[1]، وهي تحسب على أصحابها ولا تحسب على الإسلام.
قد لا يكفي موقف الذين يريدون الحديث في الحوار عن سماحة الإسلام فيغضون الطرف عن الجهاد مثلًا، وأنه كان وسيلةً من الوسائل التي انتشر بها الإسلام، وبرزت فيه السماحة بأرقى معانيها، فيردون على المستشرقين بأن الإسلام لم ينتشر بالسيف، ولكنه انتشر بالإقناع والتأثير والتأثر،ولو قال هؤلاء المحاورون: إن الإسلام لم ينتشر بالسيف فحسب، وإنما انتشر أيضًا بالإقناع والتأثير والتأثر، كما هي الحال في شرق آسيا وجنوبها وجنوب الصحراء الكبرى من قارة إفريقيا، لو قالوا ذلك، لاختلفت لغة الحوار، ولوجدت فيها شيئًا من القوة والكفاية، وقد مرت مناقشة هذه الجزئية في هذا المحدد.
قد يرى بعض المتحاورين أن التركيز على سماحة الإسلام مدعاة إلى قبوله في المبدأ، ثم يمكن حينئذ الحديث عن الظاهرات التي قد لا ترى – في نظر البعض – أنها تترجم سماحة الإسلام؛ كالجهاد والحدود ونحوها، مما تعاني من هجوم صارخ من منظمات وهيئات وأفراد،ويظهر أن هذا المبدأ في الحديث قد يعني تفسيرات عدة، أخشى أن يكون منها إخفاء هذه المفهومات العملية الإسلامية عن الآخر؛ بسبب الخجل من إبرازها، وأنها إنما قامت لترسيخ سماحة الإسلام، وحرصه على الأمن الشامل في كل مفهوماته.
مع الخجل قد يأتي سبب آخر يوحي بعدم الاقتناع بهذه الحدود والجهاد أو القوامة أو الحجاب أو نحوها، على اعتبار أنها غير مرعية في الغالب، وغير مقتنع بها في الغالب أيضًا من الطرف الآخر في الحوار،وهذا مزلق عقدي خطير يؤثر على إيمان المرء، وقد يؤدي إلى نتائج وخيمة في مسألة الإيمان.
لا يظهر أن هذا السبب قائم لدى كثير من المتحاورين في الطرف الإسلامي، لا سيما المعنيين في الحوار من أهل العلم، ولو ظهر على بعضهم منطلق الاعتذار والتسويغ والدفاع،وعلى أي حال فليس المراد هنا الحكم على الناس، ولكن الملحوظ أن الحوار أضحى ظاهرة تتزايد الحاجة إليها مع هذا العصر الذي تتسابق فيه الأحداث، ويظهر اسم الإسلام فيه بصور غير دقيقة، مرتبطة غالبًا بأحداث غير سارة؛ كالأعمال التخريبية/ الإرهابية، ولا تعكس بالضرورة سماحة الإسلام، بل ربما لا تعكس بالضرورة، وفي كثير من الحالات، الفهم الصحيح للإسلام.
عليه، فلا بد من تشجيع الحوار والدعوة إليه والمشاركة فيه في أي شكل من أشكال السلمية المتعددة، ما روعيت في ذلك عوامل الحوار المهمة المطلوبة،ولا بد من التوكيد على أشكال الحوارات الودية التي تظهر نتائجها إيجابية قائمة على الإقناع والاقتناع والتأثير والتأثر، بعيدًا عن الأشكال الأخرى التي تزيد الفجوة، ولا تخدم أيًّا من الطرفين المتحاورين.
[1] انظر في ذلك: عبدالرب نواب الدين آل نواب، وسطية الإسلام ودعوته إلى الحوار – في: المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب – الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1425هـ/ 2004م – ص 48.