التاريخ الإسلامي

“الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن”،تأليف الإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ)


“الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن”،

تأليف الإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ)

صدر حديثًا كتاب “الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكّت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله”، لإمام أهل السنّة أحمد بن حنبل، دراسة وتحقيق: د. “دغش بن شبيب العجمي”، نشر: “دار الإمام مسلم للنشر والتوزيع”.

 

وهذا الكتاب ألفه الإمام أحمد بن حنبل وهو في الحبس، وقد نص على ذلك جمع من أهل العلم منهم: صالح بن أحمد بن حنبل، وأبو يعلى الحنبلي، وابن تيمية، ابن قيم الجوزية، وابن اللحام الحنبلي، وتاريخ التأليف هو عام 220هـ.

 

وموضوع الرسالة في أصول الدين واعتقاد أهل السنة والجماعة، والجواب عن شبه الجهمية فيها، بدلائل الكتاب والسنة.

 

وتنبع أهمية هذه الرسالة من أهمية ومكانة صاحبها وهو أحمد بن حنبل الذي يعتبر إمامًا وعالمًا من أهم علماء أهل السنة والجماعة.

 

كما زاد من أهميتها احتجاج أحمد بن حنبل بالأدلة العقلية في كتابه هذا، مما يدلل على أن السلف ليسوا من أعداء العقل كما يشغب به المعتزلة، وأن هذه كانت طريقة السلف حيث “كانوا يستخدمون القياس العقلي على النحو الذي ورد به القرآن في الأمثال التي ضربها الله تعالى للناس”.

 

كما عرض الكتاب كثيرًا من الآيات القرآنية التي ظن الزنادقة أن فيها تناقضًا واضطرابًا، ورد عليها الإمام أحمد بما تقر به العين.

 

ويدلل على مكانة الكتاب ثناء العلماء عليه وتلقيهم له بالقبول، حيث كثيرًا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، وشرحه وعلق عليه وحلله تحليلًا بديعًا، بل وفي أثناء الشرح يقارن بين النسخ كذلك، وقد وضع الكاتب استشهادات ابن تيمية على مواطن كلام الإمام أحمد لزيادة الفائدة من الكتاب وتقوية المتن.

 

وقد اشتمل الكتاب على قسمين وكل قسم فيه عدة مسائل مهمة:

القسم الأول: الآيات التي تعلق بها الزنادقة في دعواهم أن القرآن متناقض.

وهي التي عبر عنها الإمام أحمد بالمتشابه، وهو ما احتاج إلى بيان، حيث هذا المتشابه يعلمه العلماء، وهو ما اتضح في تفسير الإمام أحمد للآيات المتشابهة التي احتج بها الزنديق الكافر والجهمي المبتدع.

 

القسم الثاني: آيات الصفات والرد على الجهمية.

ومن المسائل المهمة التي تطرق إليها:

إثبات أن القرآن كلام الله غير مخلوق.

تكلم حول المضاف إلى الله من معنى أو عين قائمة بنفسها.

إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة.

إثبات تكليم الله لموسى عليه السلام.

استخدام القياس العقلي.

تقرير أن الله عز وجل فوق عرشه.

الجواب عن شبه الحلولية التي عارضوا بها القرآن والسنة.

إثبات صفة العلم لله والرد على الجهمية في إنكارها.

بيان ما ضلت به الجهمية من إنكار بقاء الجنة والنار وقولهم بفنائهما.

 

ثم ختم الكتاب بالدعوة إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة، والقول بقول الصحابة والتابعين، وحذّر من القول بقول أتباع جهم بن صفوان.

 

وقد قدم المحقق للكتاب بمقدمات وافية طويلة حول أهمية الكتاب، وترجمة مصنفه، وبيان النسخ الخطية المعتمدة في تحقيق الكتاب، مع دمج شرح ابن تيمية على كلام إمام أهل السنة أحمد بن حنبل في رسالته، والتوليف بينهما.

 

وإمام أهل السنة أحمد بن حنبل (164 – 241هـ، 780 – 855م) هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني. الفقيه والمحدث، صاحب المذهب.


ولد ببغداد ونشأ بها ومات والده وهو صغير فتعهدته أمه ووجهته إلى دراسة العلوم الدينية، فحفظ القرآن وتعلم اللغة. وفي الخامسة عشرة من عمره بدأ دراسة الحديث وحفظه، وفي العشرين من عمره بدأ في رحلات طلب العلم، فذهب إلى الكوفة ومكة والمدينة والشام واليمن ثم رجع إلى بغداد ودرس فيها على الشافعي أثناء قيام الشافعي برحلاته إليها في المدة من 195 إلى 197هـ، وكان من أكبر تلاميذ الشافعي ببغداد.


كما تعلم أحمد على يد كثير من علماء العراق منهم إبراهيم بن سعيد وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد ويزيد ابن هارون وأبو داود الطيالسي ووكيع بن الجراح وعبدالرحمن بن مهدي. بعد ذلك أصبح مجتهدًا صاحب مذهب مستقل وبرز على أقرانه في حفظ السنة وجمع شتاتها حتى أصبح إمام المحدثين في عصره، يشهد له في ذلك كتابه المسند الذي حوى نيفًا وأربعين ألف حديث. وقد أعطى الله أحمد من قوة الحفظ ما يتعجب له، يقول الشافعي: خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد ولا أعلم ولا أحفظ من ابن حنبل. وكان ابن حنبل قوي العزيمة صبورًا ثابت الرأي قوي الحجة، جريئًا في التكلم عند الخلفاء مما كان سببًا له في محنته المشهورة. وهي أنه في عصر خلافة المأمون العباسي أثيرت في سنة 212هـ مسألة القول بخلق القرآن، التي كانت عقيدة المعتزلة. حتى قيل من لم يعترف بهذه المسألة من العلماء والفقهاء فعقابه الحرمان من وظائف الدولة مع العقاب بالضرب والسجن. وكان ابن حنبل على خلاف ما يقولون ولم يعترف بقولهم، وكان في ذلك كالطود الثابت الراسخ، لم يركن إلى ما قاله المأمون، فكان نتيجة ذلك أن طبق عليه العقاب ومنع من التدريس وعذِّب وسجن في سنة 218هـ على يد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي نائب المأمون، ثم سيق مكبلًا بالحديد حيث يقيم المأمون خارج بغداد، غير أن الخليفة المأمون مات قبل وصول أحمد بن حنبل إليه.


وتولى الخلافة بعد المأمون أخوه، المعتصم، فسار على طريقة المأمون في هذه المسألة بوصية منه فسجن أحمد وأمر بضربه بالسياط عدة مرات حتى كان يغمى عليه في كل مرة من شدة الضرب، واستمر في ضرب أحمد وتعذيبه نحو ثمانية وعشرين شهرًا. ولما لم يغير أحمد ولم يرجع عن عقيدته ومذهبه أطلق سراحه وعاد إلى التدريس. ثم مات المعتصم سنة 227هـ وتولى بعده الواثق بالله فأعاد المحنة لأحمد ومنعه مخالطة الناس ومنعه من التدريس أكثر من خمس سنوات، حتى توفي الواثق سنة 232هـ، وتولى الخلافة بعده المتوكل، فأبطل بدعة خلق القرآن سنة 232 هـ وترك للناس حرية اعتقادهم وكرَّم أحمد وبسط له يد العون وظل أحمد على منهاجه ثابتًا على رأيه حتى توفي ببغداد.


جمعَ تلاميذ أحمد من بعده مسائل كثيرة في الفقه والفتوى ودونوها ونقلوها بعضهم عن بعض في مجاميع كبيرة. ولم يدون أحمد مذهبه في الفقه كما لم يمله على أحد من تلاميذه كراهة اشتغال الناس به عن الحديث، وهو بهذا على غير منهج أبي حنيفة، الذي كان يدون عنه تلاميذه في حضوره، ومالك الذي كان يدون بنفسه وكذا الشافعي، فالجميع قد تركوا فقهًا مدونًا بخلاف أحمد فلم يترك فقهًا مدونًا، إلا أن تلاميذه بعده قاموا بتدوين ما سمعوه منه.


ومن هؤلاء التلاميذ:

أبو داود صاحب السنن. ومن تلاميذه البررة الذين دونوا ما سمعوه من فتاوى وآراء فقهية ولداه صالح (ت 266هـ) وعبدالله (ت 290هـ). ومن تلاميذه أيضًا أبوبكر أحمد بن محمد بن هانئ البغدادي المعروف بالأثرم (ت 273هـ). وهو من أشهر من دون الفقه لأحمد في كتاب، السنن في الفقه، على مذهب أحمد وشواهده من الحديث. ومن أشهرهم أيضًا أبوبكر أحمد بن الخلاّل (ت 311هـ)، في كتاب الجامع ويقع في عشرين سفرًا، وما دونه أبوبكر في هذا الكتاب يعد نقلًا من تلاميذ أحمد. أما في الحديث فلأحمد مسنده المعروف والمشهور.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى